هل تتخذ أنقرة قراراً بشأن بدء عملية عسكرية ضد القوات الكردية في سوريا؟


23

ميكروسيريا | عبد الوهاب عاصي

تشير معظم التقديرات إلى أن أنقرة أخفقت بتحقيق استراتيجيتها في المنطقة الأمنية التي أعلنت عنها قبل فترة شمال حلب؛ وذلك بسبب عدم قدرتها على ضبط تحركات الأكراد من الشرق إلى الغرب على الحدود بين البلدين، الأمر الذي لطالما حذر منه رئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أغلو” في تصريحاته الموجهة لوحدات حماية الشعب الكردية.

وكانت تركيا تسعى إلى منع تقدم الأكراد وفصل أي ارتباط مكاني بين كونتونات الجزيرة في الشرق، وعين العرب – كوباني، وعفرين في الغرب، بيد أن المرجو إزاء ذلك لم يكن ليتحقق، حيث تدلل الوقائع إلى حصول الأكراد على نطاق أوسع في مناطق حلب هذا من طرف، وكذلك إعلانهم عن كونتون رابع في منطقة “تل أبيض” يسهل عملية الاتصال الجغرافي مع الإدارة الذاتية الكردية من طرف آخر.

وعلى ما يبدو أن اختراق الأكراد في سوريا لمحددات الأمن القومي التركي، دفعت الطائرات الحربية التركية يوم أمس إلى قصف قوات حماية الشعب PYD في سوريا، وفقاً لما أكده رئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أغلو”. وتأتي هذه الخطوة على الرغم من النفي السابق التركي عن أي إرادة لملاحقة أكراد سوريا بعد إعلان أنقرة استئناف عملياتها ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق الذي ترافق مع قصف الدبابات التركية مواقع لوحدات حماية الشعب شمال شرق حلب.

لكن إعلان “أغلو” الحالي يعيد التساؤلات حول خيارات أنقرة الجديدة التي قد تبتعد عن الطريقة الدبلوماسية المتبعة من قبل مع القوات الكردية؛ لا سيما وأن الأخيرة تجاوزت على ما يبدو الرسائل السابقة لرئيس الوزراء التركي التي أكد فيها أن حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى السورى يمكن “أن يكون له مكان في سوريا الجديدة” إذا لم يسبب قلقا لبلاده، وهو أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، كما أن أنقرة لا تهدف إلى ضربه في عملياتها بسوريا والعراق.

“لن نترك مصير حدودنا في أيدي أي دولة أخرى، وسبق لنا أن أخبرنا روسيا والولايات المتحدة أننا سنضرب قوات الاتحاد الديمقراطي في حال عبورها إلى غرب الفرات، وضربنا تلك القوات مرتين بالفعل”. يعزز رئيس الوزراء التركي من خلال التصريح الوارد في الاقتباس الذي أدلى به يوم أمس إلى قنوات محلية، سياسة بلاده بعدم السماح لتجاوز الأمن القومي التركي لا سيما وأن “وحدات حماية الشعب” الكردية تعتبر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة الأمريكية ومؤخراً تحاول روسيا توسيع نطاق التعاون معها وهو ما يقلق تركيا بشكل واضح، حسبما يؤكده مراقبون.

وكانت دراسة صادرة عن مركز أسبار للدراسات حملت عنوان “مجال مكافحة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في حلب بين أنقرة والأكراد” في الحادي عشر من الشهر الجاري، لفتت إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع تعزيز وجوده في حلب عقب سيطرته بشكل كامل على حي الشيخ مقصود؛ وذلك كأحد أسباب إخفاق تركيا في تحقيق أهداف المنطقة الأمنية، وكما أشارت الدراسة إلى أن “أنقرة قد تراجع خياراتها بالآليات الممكنة لتحقيق غايتها في الشمال السوري”. ومن جانب آخر حددت الورقة البحثية خيارات تركيا بعد أن رجحت أنها أمام مجال ضيق في الحد من نفوذ تنظيم داعش والأكراد. وعليه توقع مركز أسبار إقدام أنقرة على تعزيز دعم قوات المعارضة التي تذهب لمحاربة تنظيم داعش وإخراجه من حدود المنطقة الأمنية وعليها تصبح قوات المعارضة ذات نفوذ أوسع يضيق من نطاق الوجود الكردي. وهي خطوات بحسب المركز ربما تدفع إلى نقاط تفاهم جديدة بين الجانبين الأمريكي والتركي، وكما أنها استبعاد لدخول القوات التركية بمعركة مباشرة مع أكراد سوريا.

وحول هذه الإجراءات التركية الجديدة، قال المعارض والسياسي السوري “مؤمن كويفاتية” في حوار مع شبكة “ميكروسيريا” إن “القيادة التركية جادة بمنع أية محاولة لإقامة دولة كردية”. كما أنه اعتبر كلام وزير الخارجية التركي بشأن تحذيره الأكراد من تخطي غرب الفرات، اعتبره بمثابة “شعور أنقرة باحتمال حصول مذابح قد تقع بحق التركمان والعرب وغيرهم عند الاتجاه غرب الفرات للتمدد نحو عفرين” مستنداً إلى تقرير منظمة العفو الدولية بهذا الصدد، لكنه من طرف آخر أكد أن الغرض الحقيقي للإجراء التركي ينصب بما يمكن أن يعكسه هذا الامتداد “القومي” على الأمن القومي التركي، الذي قد يصل فيما بعد بتقسيم الحدود الإدارية والانفصال، ما يثير أكراد تركيا للتحرك بنفس الصدد.

وأكد المعارض السوري أن الغاية التركية الحالية لا تهدف إلى الدخول بمعركة مع الأكراد، لكنه استدرك ذلك بقوله “إن تجاوز الأكراد الخطوط الحمراء وهم يدركونها ربما يتطور النزاع بما يؤدي إلى تدخل بري وبالتالي يأتي تريث تركيا من هذه الخطوة لما بعد الانتهاء من نظام بشار ليكون الرأي للسوريين وكما قلت حتى للأكراد الذين في معظمهم يمقتون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”.

بينما تحدث “كويفاتية” من جانب آخر عما يشاع بتغاضي تركيا عن نفوذ أكراد سوريا في الشرق مقابل الحد من تقدمهم في الغرب، حيث قال إن “تركيا لم تسمح بالشرق لتسمح بالغرب ولكن تتريث لحين الاستقرار في سورية والضربة جاءت لتقول إلى هنا وما بعده ممنوع”.