تاريخ يكتبه المهزومون!

 منار رشواني

لعل مقولة أن “التاريخ يكتبه المنتصرون” تنطبق على العالم أجمع، باستثناء المنطقة العربية؛ حيث الحقيقة الثابتة هي أن “التاريخ يكتبه المهزومون”، على الأقل منذ “نكسة” 1967. إذ بقيت هذه “النكسة” التي أهدت الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وسيناء لإسرائيل بأدنى جهد وتكلفة، “نصراً عربياً!” طالما أن صناع الفجيعة بقوا في سدة الحكم؛ جمال عبدالناصر في مصر، وحزب البعث في سورية. بل وصار هؤلاء رموزاً خالدة، للنهضة وليس للهزيمة المذلة! ولا تتبّدى الكارثة نتيجة ذلك في محاولة لتزييف التاريخ، بل هي (الكارثة) في الإصرار المتواصل على إنتاج “انتصارات” مماثلة، مع ما يعنيه ذلك من تعميق أسباب الانهيار في الواقع؛ لاسيما عبر تأييد الاستبداد والفساد، أو في أحسن الأحوال تبريرهما والصمت عنهما. تجلى ذلك تماما، وبصورة يمكن القول إنها أكثر بشاعة من “النكسة” ذاتها، حين تم تصوير احتلال العراق، بعد تحوله من احتلال أميركي إلى احتلال إيراني، باعتباره انتصاراً لـ”المقاومة والممانعة” التي لم تتحرك يوماً لنصرة فلسطين وأهلها! وليكون طبيعياً تالياً، أن يكون الدور الإيراني ذاته في سورية، دوراً مرغوباً ويجد كل تأييد، برغم طائفيته وتدميره. وحتى عند افتضاح هذا الدور في العراق تحديداً، مع ظهور تنظيم “داعش” برعاية السياسات الإيرانية المتبناة من قبل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، فقد سارع “المقاومون الممانعون” إلى التمييز بين دولتين تحملان مسمى إيران؛ واحدة مسؤولة عن خراب العراق، وثانية (متخيلة) ما تزال تسعى إلى تحرير فلسطين عبر سورية؛ لكن يبدو أنها تاهت في الطريق، فلا بد أن تمر بآلتها العسكرية القاتلة عبر كل المدن السورية الرافض أهلها للاستبداد والفساد. الآن، مع ظهور بوادر مساع جدية للتوصل إلى تسوية للمأساة في سورية، تخبرنا إيران، ومعها تلقائياً أتباعها العرب، أن ذلك دليل على انتصارهم؛ فلا تسوية للصراع إلا سياسياً! لكأن الثورة السورية بدأت عسكرية بتفجيرات واغتيالات، وليس بتظاهرات سلمية امتدت أشهراً، لم يُقتل فيها أحد سوى المواطنين السوريين العزل، بسلاح نظام بشار الأسد، وحضور وتوجيه المستشارين الإيرانيين! أو لكأن هذا النظام حاول استدراك خطاياه على امتداد عقود مضت، فصار يقدم مبادرات إصلاح يومية على امتداد سنوات الصراع، وليس الإصرار على تخوين وتجريم السوريين جميعاً، بما برر ويبرر تهجير ملايين منهم والتنكيل بهم قتلاً وسجناً وتعذيباً حتى اللحظة! أليس الأكثر منطقية أن التسوية السياسية هزيمة لأصحاب الحلول الأمنية العسكرية؟ وبافتراض تحقق نصر مماثل لانتصار “النكسة”؛ بإبقاء الأسد، لفترة تطول أو تقصر، إنما من خلال تدمير سورية، وبالتنسيق مع الإسرائيليين عبر الروس، فإن السؤال يظل برسم الإجابة من مؤيدي الأسد العرب، وليس إيران وروسيا صاحبتي المصالح القومية: هو نصر لأي غاية؟ إذ بشديد صدق نريد أن نعرف دوافع العرب المؤيدين لقتل العراقيين والسوريين حتى الآن، لاسيما وقد انكشفت كذبة “المقاومة والممانعة”، وانهارت دولتا العراق وسورية، بحيث يناقش مصير سورية اليوم في فيينا وسواها من دون حضور أي ممثل حتى للنظام الذي يُقال إنه هو “الدولة”! تماماً كما يُناقش مصير العراق، منذ العام 2003، بين أميركا وإيران وحدهما!

المصدر: الغد