الجنود الأميركيون في سوريا!

6 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2015

6 minutes

جيفري كمب

أدى قرار إدارة باراك أوباما بالسماح بنشر ما يزيد على 50 جندياً من جنود القوات الخاصة الأميركية في سوريا، لمحاربة تنظيم «داعش»، إلى سجال جديد حول دور، وحدود الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتزامها بتدمير هذا التنظيم، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

هناك هاجس في واشنطن فحواه أن القوات الخاصة الأميركية ستجد نفسها حتماً منخرطة في قتال مباشر مع قوات «داعش»، وأنها ستعاني من خسائر، مما يؤدي إلى ضغوط من أجل زيادة عددها.

ومثل هذه التطورات التي تنتج عن ما يطلق عليه «تمدد المهمة»، ستقود بالضرورة إلى عقد مقارنات مع تورط أميركا الطويل الأمد في فيتنام، والذي بدأ بقرار من الرئيس جون كنيدي بإرسال مستشارين عسكريين لفيتنام لمساعدة القوات الفيتنامية الجنوبية.الهاجس الرئيسي الثاني في الحالة السورية، بعد أن أصبحت روسيا تلعب دوراً عسكرياً نشطاً في دعم الأسد، هو الخوف من تقاطع العمليات العسكرية الأميركية مع نظيرتها الروسية في المنطقة، ما يقود بالتالي إلى مواجهة مباشرة بين الدولتين.

ويذكر، أن البلدين كانا قد توصلا إلى قاعدة أساسية للعمل في الأجواء، لتجنب أي مواجهات غير مقصودة، أثناء قيام كل منهما بحملاته الجوية في سوريا، وإن كان يتعين الانتظار لمعرفة مدى فعاليتها في تحقيق الغرض المتوخى منها.

الموقف على الأرض سيكون أكثر تعقيداً وخطورة. فرغم أن روسيا لم تستخدم حتى الآن قوات برية في مواجهاتها مع القوات المناوئة للأسد، إلا أنها تقوم بقصف جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدد قليل من الأهداف التابعة لـ«داعش».

وهنا تكمن المشكلة؛ فهدف القوات الخاصة الأميركية هو العمل مع القوات المناوئة للأسد تحديداً، والتي تجد نفسها الآن في مرمى نيران الهجمات الجوية الروسية.

هذا الأمر يوحي بشيئين: أن الولايات المتحدة ستعمل على إحاطة روسيا علماً بموقع قواتها الخاصة، وهو ما سيمثل خطراً أمنياً جسيماً، أو أنها تأمل أن الروس سيكونون حذرين بما يكفي لتجنب مثل هذه الأهداف، والتركيز بدلا من ذلك على «داعش»، وهو الأمر الذي سيكون في مصلحة الطرفين.

من هنا، قد لا يكون من قبيل المصادفة أن يتزامن قرار الولايات المتحدة بإرسال قوات خاصة، مع الاجتماع الدولي لوزراء الخارجية في فيينا في الثلاثين من أكتوبر المنصرم، لمناقشة الطرق الكفيلة بإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، والذي ضمت محادثاته للمرة الأولى ممثلين من الولايات المتحدة وإيران بالإضافة إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وروسيا.

وعلى الرغم من وجود جوانب عدم اتفاق رئيسية بين وجهة نظر الدول الغربية والعربية من جانب، ووجهة نظر روسيا وإيران من جانب آخر، بشأن الدور المستقبلي للأسد، فإن هناك إجماعاً قد نشأ حول نقطة أنه لن يكون هناك حل عسكري طويل الأمد للحرب الأهلية في سوريا، وأن الأمم المتحدة ستقوم مرة أخرى بقيادة جهد جديد للتوسط من أجل التوصل لوقف إطلاق نار، وتسوية سياسية في نهاية المطاف.

ليس هناك احتمال أن «داعش» سيشارك، أو سيكون مهتماً أصلا بالتوصل لتسوية. لكن هناك إدراك مؤداه أنه إذا ما أُريد إنقاذ سوريا كبلد، فإنه من الضروري ألا يتم تفكيك مؤسساتها، كما حدث في العراق وأدى إلى عواقب كارثية في ذلك البلد عقب الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

وقد وافقت الولايات المتحدة على مضض على أن رحيل الأسد ليس شرطاً مسبقاً للتسوية، وأن مصيره سيتقرر بمجرد عودة بعض الاستقرار للبلاد.

وليس هناك احتمال أن الغرب أو الدول العربية السنية سيوافقون على تسوية تنص على بقائه على سدة الحكم. وفي الوقت نفسه، يمثل العداء بين إيران والسعودية مشكلة أخرى، كما تبين بوضوح من الملاسنات اللاذعة التي حدثت بين وزيري خارجية البلدين في فيينا.

أما في واشنطن، فنجد أن الجمهوريين متحدون في انتقادهم لسياسة إدارة أوباما الشرق أوسطية برمتها. وهم على صواب في ذلك: فالإدارة فاقمت من مشكلاتها بسبب التصريحات السياسية المرتبكة، والمضللة، وافتقارها (الإدارة) إلى توجه واضح بشأن ما سيحدث إذا ما دعت الحاجة لنشر أعداد من الجنود تفوق الخمسين جندياً التي قررت نشرهم، وما إذا كانت مهمتهم ستتضمن في نهاية المطاف المشاركة في عمليات قتالية مباشرة، بدلا من الاكتفاء بتقديم المشورة.

وإذا ما حدث مثل هذا التورط، فإنه سيكون بمثابة انقلاب كامل من جانب أوباما الذي جاء إلى الحكم من أجل إخراج أميركا من حروب الشرق الأوسط، وإعادة القوات الأميركية إلى الوطن.

وليس هناك شك في أن التورط الأميركي المتصاعد في سوريا، ليس هو التركة التي يريد أوباما تسليمها لمن سيخلفه في الحكم.

المصدر: الإتحاد

أخبار سوريا ميكرو سيريا