ملف: اللاجئون السوريون في لبنان.. قصة معاناة ومخاوف من الأسوأ


48

ميكروسيريا – أحمد محمد

“يارب لا تشتي علينا، كل الدنيا علينا، بنتحمل برد وصقيع بس المطر ما فينا”

هكذا كان يغني مجموعة من الأطفال لاتتجاوز اعمارهم الست سنوات في أحد مخيمات لبنان وهم يحملون عبوات سمن وزيت فارغة، يطرقون عليها تارة ويتفيأون بها تارة أخرى، لم يعد لديهم ألعاب يلعبون بها، باتوا يعبثون بفوارغ الطعام الذي توزعه عليهم الهئيات الإغاثية والخيرية، لم يكن هذا المشهد غريباً على أبو غياث بل إن المخيمات اللبنانية باتت تغص بعشرات القصص والحكايا لهؤلاء الأطفال الذي بات بعضهم من عمر المخيم ومن عمر الحرب.

يحكي سعيد قصة أطفاله الثلاثة في عرسال التي جاء إليها هرباً من الاشتباكات في القلمون الغربي، أكبرهم لا يتجاوز الثماني سنوات بينما أصغرهم عمره من عمر المخيم 3 سنوات، لا يتمكن سعيد من أخذهم إلى المدارس خشية الوضع الأمني والمضايقات التي تعرضوا لها أكثر من مرة بسبب كونهم سوريين، ووجهت أكثر من كلمة لطفله “أدهم” في المدرسة نُعِتَ فيها بأنه “إرهابي” حتى بات الطفل يخشى من الذهاب إلى المدرسة.

تنوعت قصص السوريين في لبنان، وتنوعت معها مآسيهم وكثرت مع تزايد أعدادهم فيها، ساهم في تصاعد هذه المأساة تخلي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن مسؤولياتها تجاههم يوماً بعد آخر بعد أن كانت قد حصرت المساعدات بالأكثر تضرراً أو كما يقول السوريون “يلي على شفا الهاوية أو الموت”!

وأطلق السوريون إزاء ذلك العديد من الحملات التي تهدف إلى تحسين أوضاع السوريين في لبنان، حتى باتوا ييأسون منها، لكن آخرها وأنجحها كان حملة “شكراً لاستضافتكم” لكن “أخرجونا من لبنان” حيث يقول عبد الحليم شمس الدين وهو أحد المنظمين للحملة أنها حملة شعبية عفوية يقودها الجميع احتجاجاً على الظلم والاضطهاد الذي تزايد للاجئين في الفترة الأخيرة، والتي باتت تفتقد لأدنى درجات التعامل الإنساني وخاصة لمن هم في الخيام، ويضيف عبد الحليم، “لجأنا إلى لبنان هرباً من ممارسات النظام والميليشات التي تقاتل بجانبه، واتخذنا موطئاً من لبنان لنا، ظناً أننا أصبحنا في ديار الأمن والأمان، لكن بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية باتت تمارس ضدنا كل أشكال الإهانات والضغوط وامتهان الكرامات، حتى وجدنا أنفسنا مضطرين لفضح هذه الجهات والكشف عن ممارساتها”.

ويتابع عبد الحليم “قبل شهر تم اختطاف الفتاة عبير الجاعور في بلدة ” العين ” اللبنانية من قبل شخص محسوب على حزب الله، في بداية الأسبوع الثاني من شهر تشرين الحالي أقدم أربعة من آل سويد، وهم من السُنّة الموالين لحزب الله على خطف الفتاة القاصر فاطمة العبد ابنة الـ14 عاماً، والتي تقيم مع أهلها في مخيم ” ضهر الحمى ” في مدينة زحلة، ومقتل الثلاث نساء في عرسال لم نعد نستطيع الصبر فصرخنا أخرجونا من البنان”.

وفي هذه النقطة تفاعلت العديد من الفتيات في لبنان مع قضية الفتيات المختطفات ونشرن “أنا وأمك وأختك معرضات للخطف والاعتقال والقتل بالرصاص، لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى التغريد ب أخرجونا من لبنان” “أعراضنا قيد الانتهاك في البلد الشقيق وعلى مرأى البشرية”.

وكشفت هذه الحملة عن عشرات القصص التي باتت تنضوي تحت استغلال الفتيات السوريات أو استهدافهن والإساءة لسمعتهن، سواء عن طريق اتهامهن بأنهن يبعن أنفسهن وساعد في ذلك وسائل إعلام لبنانية تابعة لحزب الله كان هدفها التحريض ضد السوريات، أو عن طريق خطفهن وبقاء مصيرهن مجهولاً، وتحكي غفران، كيف أنها وبعد الأحداث الأخيرة والقصص الأخيرة التي انتشرت عن خطف السوريات حرمت من الذهاب إلى مدرستها في منطقة البقاع ولا تزال تجهل إلى متى ستبقى محرومة من متابعة تعليمها، بينما تقول “ضحى” “أعمل في مؤسسة خيرية منذ سنتين بمرتب متدنٍ جداً لا يكاد يتجاوز 300 دولار أدفع نصفه أجار منزل لعائلتي بعد وفاة أبي ونصفه مواصلات وأحرم من أي شيء آخر، وبسبب كون مكان عملي قريب من الضاحية الجنوبية اضطررت أن آخذ إجازة مع تصاعد الأحداث لمدة أسبوع، وها قد انقضى الأسبوع وربما إن عدت سأخسر نفسي وأخطف، وإن لم أعد سأخسر عملي وراتبي، أنا في حيرة من أمري”

وعن أهداف الحملة يقول عبد الحليم أنها تتلخص في تأمين خروج آمن للراغبين من اللاجئين السوريين في لبنان، وتأمين الحماية بشكل عاجل لجميع اللاجئين السوريين فيها، وقف عمليات الاعتقال التعسفي بحق اللاجئين السوريين، محاكمة جميع من جرى توقيفهم من اللاجئين السوريين في لبنان بشكل عاجل سيّما هناك من تجاوزت فترة اعتقاله عام دون محاكمة، ,تسهيل شروط الإقامة في لبنان والتي أصبحت تعجيزية.

وللإقامة حكاية أخرى في لبنان فعلى كل لاجئ أن يجدد إقامته بعد أن يدفع مبلغاً كبيراً 200 دولار ليتمكن من تسهيل أمور حركته فيها، ويتحدث “علاء” أنه منذ ما يقارب أربعة أشهر لم يخرج من منزله أبداً ولاحتى إلى المحلات المقابلة له لأن إقامته انتهت في لبنان ويخشى أن يتم إيقافه ومساءلته في حال ألقي القبض عليه لكنه لا يتمكن من ذلك بسبب كونه عاطل عن العمل ولا يملك هذا المبلغ، بينما تشعر “بيان” أنها تعيش في سجن حقيقي بعد انتهاء إقامتها وتواجدها في لبنان بطريقة غير شرعية، هذا السجن منع عنها أن تتابع أكبر أحلامها وهو دراستها! وشارك هؤلاء جميعهم في الحملة قائلين “رسوم إقامة ولاجئ؟ كيف؟”!

وتتراجع مع كل هذا أدنى مقومات الحياة الإنسانية في المخيمات التي جعلت النازحين هناك في خنق شديد منها، لا سيما بعد توقف طبية عرسال عن العمل ما اضطر الكثيرين منهم إلى مغادرتها والمرور على حواجز حزب الله والجيش اللبناني، وهذه هي قصة هاجر التي كادت الحواجز تودي بحياتها بعدما باغتتها لحظة الولادة في عرسال وخرج بها أهلها قاصدين مشفى البقاع إلا أن إيقافها على حاجز حزب الله في بلدة اللبوة الشيعية كاد يتسبب لها بنزيف ثم وفاتها وطفلها، وبعد مناوشات مستمرة مع الحاجز سمح لها بالمرور.

ولا تقتصر الحالات الطبية التي تحتاج إلى علاج على عرسال، بل باتت تشمل المناطق اللبنانية على امتدادها والتي يتوزع فيها جرحى حرب تخلت مفوضية الأمم المتحدة عن علاجهم كما تخلت عن إعادة توطينهم في الوقت ذاته، وآخرين رفضت متابعة علاجهم بعدما ياست من شفائهم وتركتهم ليلاقوا مصيرهم المجهول كالشاب خلدون سنجاب الذي أصيب منذ عشرين عاماً بشلل رباعي أقعده عن الحركة وجعل حياته مرهونة بالكهرباء التي تعمل عليها كل أجهزته، إلا أن الانقطاع المستمر في الكهرباء وإغلاق المفوضية لملفه ورفضها إعادة توطينه وضع حياته على المحك فيها.

وبعيداً عن الحالات الطبية التي لا يمكن حصرها وقريباً من الواقع التعليمي المؤسف لأغلب الطلاب السوريين، يجد الكثيرين منهم واقعهم بات مؤلماً خاصة بعد عجزهم عن إحضار وثائقهم الخاصة بمدارستهم وجامعاتهم لمتابعة تعليمهم إضافة إلى عجزهم عن سداد أقساط التعليم، كالشابة تسنيم التي كانت قد أتمت دراسة ثلاثة سنوات حقوق في سوريا ليستشهد والدها وتلاحق هي وأفراد عائلتها وتضطر للهروب إلى لبنان، وتقول “حاولت مراراً أن أجلب كشف علامات من سوريا يوضح أني كنت طالبة في جامعة حلب لكن عبثاً، الأمن السوري أصدر مذكرة بملاحقتي وبأني مطلوبة لمراجعة أحد أفرعه الأمنية، لكن ما يواسيني أكثر أني وإن تمكنت من إحضار هذه الوثائق من جامعتي فلن أتمكن من متابعة تعليمي بسبب عجزي عن سداد أقساط الجامعة”.

يقول عبد الحليم ربما يعود السبب في نجاح هذه الحملة أن الكثير من المشاركين بها هم من السوريين الذين عايشوا هذه القصص وخبروا الواقع، إضافة إلى بعض الناشطين في أوروبا وأميركا، ويعتقدون أنهم في حالة ثورة ثانية لكن هذه المرة الثورة ليس فيها تمرد على سياسة الدولة المقيمين بها فهي لا تتعدى ثورة على واقع هؤلاء المضطهدين ومطالبة الجميع بما فيهم المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته تجاههم.