دلالة إسقاط الطائرة الروسية على مشروع المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا


48المصدر | عبد الوهاب عاصي

قبل يومين بالتحديد من إسقاط سلاح الجو التركي، الطائرة الروسية سوخوي24، كانت أنقرة قد صرحت عن عزمها إقامة “منطقة آمنة من داعش” تمتد من جرابلس إلى أعزاز الحدوديتين معها، في ظل تأييد فرنسي وإمكانية مشاركة في تنفيذ هذه الخطة؛ على اعتبار أن الأخيرة أعلنت عقب هجمات تنظيم داعش عليها في 13 من نوفمبر شن حرب لا هوادة فيها ضده سواءً في سوريا والعراق، وبالتالي فإن مشاركتها تعني الانسجام مع ذلك.

وعلى ما يبدو أن الظروف السياسية في التوقيت الذي سبق عملية إسقاط الطائرة، كانت تمهد لتقويض تنظيم داعش على الأرض من خلال جعل المنطقة الآمنة التي باشرت تركيا بخطها عبر المشاركة في سيطرة المعارضة على قرى حرجلة ودلحة. بينما حوّلت قضية إسقاط القاذفة الروسية أنظار أنقرة إلى مدى القدرة على الاستفادة من تفعيل مشروع الخطة الآمنة على الصعيدين الوظيفي والمعياري، حيث تطرق الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بعيد الحادثة إلى الحديث عن توسيع مساحة المنطقة لتصل إلى سواحل المتوسط، في إشارة واضحة إلى ضمها مناطق جبال التركمان في اللاذقية.

ومن الملاحظ أن مساعي تركيا لإقامة المنطقة لم تتغير، بالرغم من عدم وجود استجابة من الأطراف الدولية ومن حلفاء أنقرة، الأمر الذي يمكن أن يكون سبباً لتقليص صلاحيات المنطقة؛ لتشمل فقط الجانب المتعلق بأمنها القومي المتعرض للخطر من تنظيمي داعش وحزب العمال الكردستاني عبر فرعه وحدات حماية الشعب في سوريا، وهو ما يتبين بإعلان “المناطق الأمنية الأربع المؤقتة والتي تحولت لاحقاً إلى “منطقة خالية من المخاطر”، بيد أن تركيا أخفقت في تحقيق أهداف الأخيرة، ما دفعها إلى استئناف المطالبة بإقامة “منطقة آمنة” بنفس الامتداد، أي من جرابلس إلى أعزاز حيث أن أنقرة باتت تصر على التطبيق القانوني على المنطقة من الناحية الأمنية بما يدرأ مخاطر القوات الكردية وتنظيم داعش عن حدودها، لا سيما بعد التدخل العسكري الروسي، وقد تقدمت خطوات كبيرة في هذا الصدد بعيد التفجيرات التي حصلت في باريس، من خلال إقناع فرنسا بضرورة المشاركة معها في ترسيم خطوط هذه المنطقة.

ويعزو المعارض والسياسي السوري “رياض درار” إخفاق تركيا في تطبيق المناطق المذكورة إلى “أن الأماكن الحدودية لم تكن تحت سيطرتها وتوجيهها فهي لم تتدخل لحماية مبادرة رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة مثلاً، عدى عن تعدد الفصائل وتنوعها ما يمنع إقامة أي شكل رمزي لمنطقة آمنة”، مضيفاً في حديث خصه لشبكة “المصدر” إن “التحرك الروسي الفاعل وتهديد طائراتها لتلك المناطق المنشودة وكذلك السرعة التي استجلبتها موسكو في رسم الحلول بعد فيينا، كل ذلك دفع تركيا إلى فرض رؤيتها للحل مع السعوديين والقطريين من خلال استعراض القوة والردع، وما تحركات أنقرة بإقامة المنطقة الآمنة لا يتطلب إطاراً قانونياً ولكنه يحتاج إلى فرض أمر واقع وسيطرة عبر الأتباع وهذا ما يجعل التركمان رأس حربة لهم دفاعاً عنهم أو قيادة لعملياتهم”.

ويرى “ضرار” أن “تركيا تسعى لفرض المنطقة الآمنة، بحيث تؤسس لقوة ضغط سورية مدعومة منها؛ لمنع تمدد القوات الكردية على حدودها وتشكيل كانتون مؤثر على الكورد في تركيا وهي تعتمد على وجود أقلية تركمانية لبسط الحماية عليهم وهي أيضاً لديها ما يدعمها في حلف الناتو ولكسر حدة التمدد الروسي الذي يريد عبر القوة فرض إرادته على محادثات التسوية في سوريا”.

وبإسقاط الطائرة الروسية، التي لاقت تركيا مواقف دولية واسعة مصطفة إلى جانبها، أصبح الموقف التركي بإقامة مشروع المنطقة الآمنة أكثر مشروعية، على اعتبار الحفاظ على الأمن الحدودي، وقواعد الاشتباك الدولية، بمعنى أن المنطقة سيتم توسيع نطاقها جغرافياً وأمنياً، وهو الأمر الذي سترفضه روسيا، لما له من تأثير على طلعات سلاحها الجوي الذي سيمنع من التحليق ضمن حدود المنطقة.

وينظر مراقبون إلى أن روسيا ستسعى خلال الفترة التي ستسبق الشروع في إقامة المنطقة إلى تكثيف ضرباتها الجوية على المدن والبلدات التي تقع ضمن المناطق المنشودة، وذلك في اتباع سياسة الانتقام التي انتهجها النظام السوري على مدار السنوات السابقة.


المصدر : الإتحاد برس