برميل متفجر يكشف تفاصيل عن تهريب الآثار في سورية بدءاً بالتنقيب وانتهاءً بالبيع

15 ديسمبر، 2015

  • السورية نت

أنعش الفلتان الأمني تجارة الآثار في سورية، سواءً في مناطق نظام بشار الأسد، أو في مناطق المعارضة السورية، وأصبح رائجاً تهريب الآثار التاريخية إلى خارج البلاد، أو بيعها في السوق السوداء بمبالغ كبيرة جداً لجهات مجهولة لنا، ويحدث ذلك دون رقابة قانونية أو محاسبة.

وتحتضن المدن السورية كماً كبيراً من الآثار التي تعاقبت عليها الحضارات، وأثار وجودها رغبة التجار والجهات العسكرية للتنقيب عنها وبيعها، ومن المناطق التي تم التركيز عليها ريف حمص الشمالي، حيث تم البحث عن أساليب التنقيب وأهم أسواق التصريف وأين ينتهي المطاف بالآثار المستخرجة.

وقد تبدو قصة المواطن “م.ج” طريفة إلى حد ما بقدر ما هي مؤلمة، وهذا الرجل ذو الأربعين عاماً اكتشف وجود الآثار في منزله بعدما سقط عليه برميل متفجر من طائرات قوات نظام بشار الأسد، ويشرح في تصريح خاص لـ”السورية نت” أنه بعدما ألقي البرميل خلف دماراً هائلاً وحفرةً كبيرةً مكنت “م.ج” من العثور على الآثار في منزله.

ويقول: “بعد أن زال الغبار وانفضت فرق الإسعاف وذهب الأهالي، بدأ في جمع أنقاض منزله كي يسكن فيما تبقى منه، وتفاجئ بوجود فجوة ضمن الحفرة التي خلفها البرميل وكأنها مدخل لمغارة صغيرة، وانطلاقاً من شكشوكه بأنها تحوي على أثار بدأ الحفر بمساعدة أبناء أخيه، وبعد أيام من العمل المتواصل وصلوا إلى سرداب أوصلهم في نهايته إلى قناطر من الحجر المرصوف، وكأنه مدخل إلى قصر أو بيت، وفي وسط هذه الحجار يوجد قبر منقوش عليه كتابات ورموز غريبة لكن القبر كبير ولا يمكن إخراجه”.

يشير “م.ج” إلى أنه كتم وأسرته سر وجود الآثار في المنزل، وفي ذات الوقت بدأ يسأل أصحاب الخبرة في الآثار، ويشير مراسلنا في حمص يعرب الدالي، أن تجار الآثار أصبحوا منتشرين بكثرة، ويجهزون أنفسهم بأجهزة تكشف المعادن في جوف الأرض، أو تكشف الفراغات التي تشكل “المغر” التي تحتوي على الآثار.

وتمكن “م.ج” من الوصول إلى أحد تجار الآثار، ويروي أنه “سأله وتحدث له عما وجده فأبلغه بأن نقل القبر أو استخراجه حالياً صعب، وحتى إذا استخرجه يصعب نقله كي يتم بيعه، لكن في محيط القبر وحوله يوجد حصر فسيفسائية يمكن استخراجها وبيعها”، فقرر “م.ج” مواصلة الحفر للوصول إلى الحصر الفسيفسائية وعثر على اثنتين منها، حوت الأولى على نقش لفارس يركب جواداً ويحمل سيفاً بيد، وفي اليد الأخرى يجر فتاة من شعرها، موجودة بجانب الحصان، فيما ظهر على الحصيرة الثانية فارس يقف أعلى تل ويسحب قوساً نحو طائر يحجب ضوء الشمس عنه.

ويتحدث “م.ج” أنه لجأ إلى تاجر لبيع الآثار من محافظة حماه كان يعمل في متحف دمشق، وعلمت “السورية نت” أن التاجر عرف نفسه أمام الأهالي بأنه كان يعمل في المتحف فقط، وهناك شخص آخر يدعى “س.ح” هو من أدخل الأجهزة البسيطة إلى ريف حمص، وأنشئ ورشات حفر خاصة به، وطلب التاجر من “س.ح” أن ينقب له عن الآثار في منزل “م.ج” على أن يجري تقاسم الآثار إلى ثلاث حصص، حصة لصاحب المنزل، وحصلة للشباب الذين تولوا أعمال الحفر، وحصة لـ”س.ح”.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “السورية نت” في مدينة الرستن وحدها ومدن تلبيسة المحيطة يوجد أكثر من 120 ورشة للتنقيب عن الأثار، ويجد كثيرون في تجارة الآثار مصدر رزق لهم، لا سيما مع استمرار الحصار المفروض من قبل نظام بشار الأسد على المناطق الخارجة عن سيطرته. وتذكر مصادر لـ”السورية نت” أنه بعدما نجح كثيرون في العثور على الآثار، تحمس آخرون وبدأوا بجلب المعدات البسيطة واليد العاملة للبدء بعمليات الحفر التي قد تصل من 6 إلى 20 متر تحت الأرض.

يوجد في مدينة تلبيسة قلعة مسماة باسم المدينة، وفي الرستن يوجد منطقة يطلق عليها رأس التل، وهي عبارة عن تل بارتفاع 100 متر تنتشر فوقها منازل لأهالي الرستن يعود عمرها لمئات السنين، وأخبر سكان محليون “السورية نت” أنه في عام 2004 وصل إلى المنطقة بعثة من رومانيا قامت بأبحاث فيها واكتشفت وجود كنسية (راس مار مارون) أسفل التل، وأن الرمال على مر العصور تكدست فوق الكنيسة فشكلت هذه التلة، إلا النظام أوقف البحث ومنع اللجنة من المتابعة خشية أن يكتشف من خلال الكنيسة عن جذور لدولة معينة أو تكون سبباً في دخول لجان وهيئات من خارج سورية، وهذا ما كان النظام يمنعه منذ عهد الأسد الأب.

وفي تصريح لـ”السورية نت” يتحدث تاجر الآثار “س.ح” أن تجارة الآثار أًصبحت في سورية كأية مهنة أخرى، ولا يرى في استخراجها من باطن الأرض وبيعها أية مشكلة، وقبل التاجر أن يكشف لنا بعض التفاصيل عن هذه التجارة، وقال إن “الآثار غالبا تكون قطع صغيرة يسهل استخراجها ونقلها، إلا أن أسعارها تكون قليلة لا تتجاوز المليون ليرة، وأكثر ما يتم استخراجه هو الحصر الفسيفسائية لأن سعرها هو الأغلى، ويمكن نقلها بطرق بسيطة من خلال صب الصمغ فوقها بعد إفراغ كل التراب من فوقها، وبعد صب الشمع توضع قطع قماشية كي تلتصق كل الحجار بالقطعة وتبقى في مكانها ولا تتغير الرسمة التي على الحصير فإذا تغيرت فقد قيمتها المادية”.

ويضيف: “بعد وضع القماش وجفاف الصمغ الذي يصب بكميات كبيرة تنقل الحصيرة خارج الحفرة ويتم طرقها بمطارق صغيرة كي تلتصق جيدا ويتساقط ما تبقى من تراب من على الوجه الأخر له، ثم تدرج بكل بساطة وتحمل أين ما تشاء، وبعدها تفرد من جديد يسكن الصمغ (الشعلة) حتى يذوب وتنزع القماش من عليها فتبقى الحصى مكانها وتبقى الرسمة على حالها”.

ويؤكد “س.ح” أنه بهذه الطريقة استخرجوا مئات الحصر وبرسمات مختلفة وأشكال متعددة، وغالبا ما تكون الحصر في مدخل قصر أو بيت أو في محيط قبر وتكون على مسافات واسعة تمتد مئات الأمتار، لكن وبحسب ما أخبرنا به التاجر أنه يهمهم فقط الرسمة في وسط الحصير وتكون غالباً بمساحة متر أو مترين وهي التي يهتم بها التجار والباحثون عن الآثار. ويضيف أنهم يستخرجون أيضاً تماثيل ومجسمات وأواني منزلية من الذهب والفخار ولكن غالبها بأحجام صغيرة يسهل نقلها.

لكن أبرزها كان مجسم لقلعة صغيرة بكامل جوانبها من السور إلى الأسواق وحتى المنازل والقصر وكأنك تنظر إلى قلعة حقيقية، وقد أخبرنا “س.ح” أنه حتى الآن تأتيه عروض خيالية لبيعها أو استخراج شبيهاتها، فقد أخبروه أنها ربما وضعت في مداخل القلعة أو في قصر الملك كتعيبر عن القلعة الحقيقة ويمكنهم إيجاد تصور للقلعة الحقيقة وأساليب البناء في تلك الحقبة من خلال هذا المجسم. وبالتأكيد لم يبد التاجر أهمية لهذا الكلام، فما يهمه المردود المالي فقط، حسبما قال لنا. لكنه أردف: “أنا حريص على بيع الآثار إلى المتاحف المهتمة لتعرض هناك، حيث المكان الطبيعي لتواجدها، لا أن تبقى في باطن الأرض”.

وأثناء وجودنا مع “س.ح” تمكنا من الوصول إلى شاب يعمل معه وهو مقتنع بخطورة هذا الأمر أكثر من “س.ح”، ويريد مساعدتنا في جمع المعلومات، وأخبرنا أنهم يقومون ينقل القطع الكبيرة من حصر أو تماثيل أو قبور وحتى المجسم على شكل القلعة الذي أخبرنا عنه “س.ج”، وبيّن أنهم نقلوا القطعة الأثرية إلى حماة عن طريق سيارة خاصة، حيث تم دفع رشوة للحواجز المحيطة بالمنطقة.

وعلمت “السورية نت” أنه عادة تتلقى هذه الحواجز التي يشرف عليها عناصر من قوات النظام مبالغ مالية مقابل السماح لسيارات الخضار أو المازوت بالعبور، وذلك مقابل الحصول على 200 ألف ليرة على كل سيارة، وأكدت المصادر أن عناصر الحواجز لا يهمهم ما تحمله السيارات من حمولات. ويؤكد الشاب الذي تحدث لنا ورفض ذكر أي شيء يدل على اسمه أنه لا يعلم إلى أين تذهب الآثار، لكنه أشار إلى تورط ضابط في مخابرات النظام له دور بتصريف الآثار.

قادنا البحث إلى سائق إحدى السيارات التي تنقل الآثار بين المدن السورية، وبعد انتظار طويل عاد من مهمة نقل، ليتحدث لنا عن الخلافات التي تحصل بين قوات نظام الأسد على من يستلم قيادة الحواجز الممتدة على الطريق بين حماه وحمص، وذلك بسبب الأموال الكبيرة التي يجنونها من فرض  الأتاوات على السيارات، وبحسب تصريحه لـ”السورية نت”: “غالباً ما تقوم جماعة كل فرع باعتقال جماعة الفرع الأخر وغالبا الصراع يكون بين أحمد درويش قائد الدفاع الوطني في ريف حماة الجنوبي وهو من قرية الخوين، والمسؤول عن حواجز الشبيحة هناك، ومن جهة أخرى ينافسه العقيد أحمد سلامة مدير فرع الجوية في حلب سابقاً وقد تقاعد قبل الثورة إلا أنه عاد كقائد جماعة شبيحة في حماة”.

وبحسب السائق فإن أحمد سلامة هو من يشرف على نقل الأثار ضمن حماة وعلى الطرق من ريف حمص الغربي وصولاً إلى حدود لبنان، وهناك يتولى المهمة شقيقه مساعد في جمارك الحدود، “وبعدها لا نعلم مصير الأثار داخل حدود لبنان”، يقول السائق.

أما عن طرق التواصل مع الزبائن فقد علمنا من “س.ح” ومن خلال متابعة نشاطه أنه يتواصل عبر “فيسبوك” مع أشخاص مهتمين بالآثار خارج سورية، ويرسل لهم صوراً للقطع الأثرية التي بحوزته، وفي حال نالت إعجابهم غالباً يؤمنون له طريقاً خارج سورية، أما إذا كان الزبون داخل سورية تبقى مهمة إيصال الآثار على “س.ح”. ويشير إلى أن بعض الآثار خصوصاً الصغيرة منها يجري تهريبها إلى تركيا عبر السماسرة، ولكن غالبا يكون المصدر المرسل واحد والمستلم شخص واحد.

وعن الأضرار التي تعود على سورية بشكل عام جراء تجارة الآثار، يقول الناشط الإعلامي من حمص، “أبو ريان الحمصي” لـ”السورية نت” إنه كثيراً ما تم تحذير السكان وتوعيتهم من هذه التجارة، لكن لا توجد استجابة منهم، “لأن الناس البسطاء همهم المال، والسماسرة لا يوجد من يردعهم”، وأكد “الحمصي” أنهم حاولوا التواصل مع اليونيسكو لحثها على محاربة تجارة الآثار، لكن يبدو أن المنظمة الأممية ذاتها عاجزة عن تقديم أي من الحلول.

المصدر : الإتحاد برس