د. عبد المالك خلف التميمي يكتب: التطرف مرض العصر



د. عبد المالك خلف التميمي

التطرف هو الغلو فكراً وممارسة، وعنوانه استخدام العنف وسيلة لتحقيق الغاية التي ينشدها المتطرفون، وقد يكون التطرف فردياً أو جماعياً يقوم به الأفراد أو الجماعات أو الدول، ويختلف كثيرون في تفسير ظاهرة التطرف، فالبعض يعتبره إرهاباً وآخرون يعتبرونه واجباً ومشروعاً للحصول على الحقوق، فالفلسطينيون يعتبرون أن إسرائيل واجهتهم بالعنف والتطرف، وأن من حقهم أن يعاملوها بالمثل، وذلك نضال من أجل الحقوق الوطنية، وإسرائيل تعتبر الكفاح الفلسطيني عنفاً وتطرفاً لا بل إرهاباً ضد دولتها وقانونها، فما حدود التطرف الذي قاد ويقود إلى الإرهاب؟
عندما تتضح حدود حقوق الإنسان والجماعات والشعوب يمكن معرفة الخروج عن تلك الحدود تطرفاً وإرهاباً، وتمر مسألة أو إشكالية التطرف بعدة مراحل، حيث تبدأ بالتعصب، وهو الانكفاء على الذات وتضخمها والاعتداد بها والدفاع عنها، سواء كانت شخصية أو إثنية عرقية أو طائفية أو طبقية أو سياسية، ويؤدي ذلك إلى رفض الآخر ورفض التعامل معه ويعد ذلك تطرفاً. ويتطور التطرف إلى الإرهاب، إذ لا يقف عند الحدّ الذي هو في مقدمة ملامح وسمات تاريخنا المعاصر، والحرب ضده عالمية، وهي نوع من الحروب القديمة الجديدة.
ونحن نتحدث عن التطرف فإن الأمر يحتاج أن نشير إلى أنواعه، فهو ليس نوعاً واحداً بل هو ألوان وأنواع، فهناك التطرف الفكري ويمارس أحياناً متخفياً يتسلل إلى حياتنا وتعليمنا وثقافتنا كمرض عضال يكاد الشفاء منه يكون مستحيلاً، وتكون نتائجه قاتلة، وتشخيص المرض مبكراً قد يقي صاحبه من الهلاك، والتطرف الفكري أخطر أنواع التطرف ويؤدي إلى الإرهاب، وإن للتطرف ثقافة لها حجمها ومبرراتها في مواجهة ثقافة الحوار والاعتدال والاعتراف بالآخر واحترام رأيه.
والنوع الثالث هو التطرف الديني الذي تعيشه جماعات من العرب والمسلمين في هذه المرحلة التاريخية من حياتنا، وهو ليس وليد اليوم إنما كان في كل مراحل تاريخ الأديان السماوية والدنيوية مع الآخر أو فيما بينها أو في داخلها. فالحروب الصليبية الأوروبية في العصور الوسطى ضد المسلمين كانت تطرفاً وإرهاباً لأن الدين كان مسيساً، وكذا اليوم ما تفعله بعض جماعات الإسلام السياسي ضد الآخر وضد من تختلف معهم من المسلمين يعد تطرفاً وعنفاً وإرهاباً.
إن المشكلة ليست في الدين ولا في الإسلام بل في المسلمين، وإن تطرف الإسلام السياسي يهدف إلى السيطرة والتسلط ورفض الآخر، فالغاية لديه تبرر الوسيلة، فتكون النتيجة ضررا بالناس والدين بحجة الدفاع عن الدين، وإن ثقافة ذلك الاتجاه المتطرف تقوم على تبريرات ونصوص دينية مجتزأة وعلى تفسيرات وفتاوى نحتها وصممها متطرفون، ونظراً لأن كثيراً من التعاليم الدينية وجدانية وتؤخذ كمسلمات فإنها تؤثر على عامة الناس، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ظواهر الأمية والضعف الثقافي في مجتمعاتنا النامية، وعندما نتطرق إلى الآثار التي تترتب على شيوع التطرف فإنها كثيرة ومتنوعة، وقد تصل إلى كوارث إنسانية يدفع ثمنها الأبرياء، وهو يعطل لا بل يهدم كل ما بناه الإنسان في قرون وعقود في أيام وساعات.
وقد مر التطرف بأنواعه في مجتمعاتنا ولا يزال، ولا يرى فيه المتطرفون إلا حتمية لتحقيق أهدافهم السياسية والدينية. وإن التدمير لا يقتصر على جهة أو فئة إنما سيشمل تدمير الآخرين ثم سيقود حتماً تلك الجماعات إلى تدمير نفسها، وهذه تجارب التاريخ شاهدة على ذلك.
فآثار التطرف إذاً هي:
القضاء على ثقافة الحوار، وحرية الآخر، وتدمير للآخر، ومن ثم تدمير الذات، وغرس ثقافة الكره والعداء التي تقود إلى الإرهاب، أضف إلى ذلك تدمير إنجازات الإنسان في النهضة والتطور، ولا ننسى أن ذلك النهج يؤدي كذلك إلى تدمير فكر الإنسان ونفسيته، وإلى تفكك اجتماعي.
تبقى أهمية القول إن كل ذلك يؤدي إلى الضرر بالدين بطغيان التسييس على القيم الإنسانية فيه، بالإضافة إلى تدمير الإنسان والعمران.
أما كيفية مواجهة التطرف فلا سبيل غير نهضة التعليم والثقافة، والمفارقة هي أن المجتمع التقليدي الذي كان متهماً بالأمية والجهل كان أكثر تسامحاً وتوافقاً من مجتمع اليوم المتعلم، ذلك يعني أن هناك أزمة وخللاً في ثقافتنا وتعليمنا يحتاجان إلى وقفة جادة لتحل ثقافة الحوار محل ثقافة التطرف والإرهاب، وأن حماية الشباب تكمن في تثقيفهم وإشغال فراغهم.
وقد أصبحت واجباً وطنياً ودينياً إزاحة المتطرفين عن قيادة التعليم والمؤسسات الدينية، فقد انكشف أمرهم، ولم يعد نشاطهم غير معروف، حتى نشاط خلاياهم النائمة كما أوضحنا في مقال سابق.

المصدر: الجريدة

أخبار سوريا ميكرو سيريا