‘على ضوء التحالف السني: علاقات أنقرة وطهران بين التوتر وتوزان الضرورة’
16 ديسمبر، 2015
المصدر | عبد الوهاب عاصي
في منتصف العام الحالي الذي واشك على الانتهاء، ناقش الباحث “محمد عوده آغا” العلاقات التركية الإيرانية في ظل الصراع القائم في المنطقة، لكن دون التطرق إلى التفاصيل على الإطلاق، مكتفياً بالإشارة إلى سياسة تصفير المشاكل التي يتبعها الطرفين في علاقاتهما الخارجية، بيد أن اللافت في المقال الذي حمل عنوان “مستقبل العلاقات الإيرانية-التركية تعاون أم صراع” هو الاقتباس التالي (سيبقى التنافس الإيراني-التركي في إطار التعاون، ولن يتطور ضمن المدى المنظور باتجاه الصراع، حتى وإن نشأ تحالف إقليمي “سُني” جديد تكون تركيا ضمن عضويته، وضَمِن هذا التحالف متطلبات السوق التركي من الطاقة، فمن وجهة نظري سيكون هذا التحالف الضامن لهدوء المنطقة وإعادة التوازن، وليس تصعيد المواجهة مع إيران).
حديثاً، بالفعل أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف سني عسكري لمحاربة الإرهاب مقره الرياض، يضم بالإضافة إلى الجمهورية التركية 33 دولة. وهذا الإعلان يطابق إلى حد بعيد التوقع الذي تحدث عنه “محمد عوده آغا” في الاقتباس أعلاه.
التحالف السني وأثره على علاقات أنقرة وطهران:
بالتزامن مع إعلان المملكة العربية السعودية عن عملية “عاصفة الحزم” في اليمن التي تكمن استراتيجية مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة كأحد أبرز أهدافها، اتهم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إيران للمرة الأولى بالسعي “إلى الهيمنة على المنطقة وأن هذا الأمر لم يعد يحتمل”، ودعاها إلى “سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق”، بالإضافة لـ “بتغيير عقليتها”، معلناً عن دعم تركيا لعملية “عاصفة الحزم” والاستعداد لتقديم دعم الدعم اللوجستي لها. لكن إيران وعلى لسان وزير خارجيتها “محمد جواد ظريف” وصفت موقف الرئيس التركي بالخطأ الاستراتيجي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة. وفي هذا التوقيت كان من المرتقب قيام “أردوغان” بزيارة إلى طهران، وبناءً عليه طالب العديد من النواب والمسؤولين الإيرانيين بإلغاء الزيارة.
وبالرغم من ردود الفعل السلبية بين الجانبين في هذا الصدد، لكن حصلت الزيارة ووقع على إثرها عدد من الاتفاقيات بين البلدين وصفت بالاستراتيجية. ويمكن أن يعزا هذا السلوك من الطرفين إلى الاحتياج المتبادل لكليهما في الجوانب الاقتصادية، خصوصاً مجال الطاقة، فالسوق التركي يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الطبيعية الإيرانية، ويشكل ذلك السوق المتنفس للاقتصاد الإيراني. وهذا النمط السياسي الخارجي تصفه أنقرة بدبلوماسية “تجزئة الخلافات”.
إذاً فرغم التأييد السياسي الذي أبدته أنقرة لعملية عاصفة الحزم الذي تقوده الرياض، إلا أن ذلك لم ينعكس سلباً على علاقاتها مع طهران. وكذلك لن يشكل دخول الجمهورية التركية مؤخراً، إلى التحالف العسكري السني ضد الإرهاب، على العلاقات مع إيران.
وحول مدى تأثير التحالف الجديد على العلاقات بين طهران وأنقرة، تحدث السياسي السوري “جميل عمار” بخصوص ذلك بقوله “منذ أن تولت حكومة حزب العدالة برئاسة أردوغان الحكم بتركيا وهي تسعى لتحييد الاقتصاد وتجنيبه التقلبات السياسية فلم تشترك مع المجتمع الدولي بتنفيذ عقوبات على إيران بل استغلت هذا الفراغ لتحقق نمو بالميزان التجاري مع تركيا قفز من مليار دولار عام 2000 إلى 30 ملياراً عام 2014 على الرغم من أن تركيا ليست على وفاق ساسي مع إيران”.
“وبذلك فإن انضمام تركيا إلى التحالف السني العسكري الجديد، لن يضر بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران وهذا ما يمكن استشفافه حين تأييدها لعاصفة الحزم، وعلى العكس يمكن أن تتوازن علاقات أنقرة الاقتصادية مع إيران أكثر، بالتوازي مع فرض روسيا عقوبات عليها”، طبقاً لقول المعارض السوري. الذي يضيف إلى ذلك “علينا ألّا نتوقع أن العقوبات الروسية ستنال من تركيا بل على العكس ربما ينقلب السحر على الساحر وتؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي الذي يعاني؛ بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الدولية إثر الأزمة الأوكرانية”.
ويؤكد “عمار” أنه يتوجب الالتفات إلى التحرك التركي نحو قطر عقب فرض أنقرة عقوبات اقتصادية والحديث عن تأثر سوق الغاز بذلك، إذ أن أي اندفاع روسي باتجاه فرض عقوبات تخص إيقاف توريد تركيا بالغاز الطبيعي، يمكن أن يجعل قطر وإيران على رأس الدول المانحة لتركيا في هذا الصدد، خصوصاً وأن هاتين الدولتين أبديتا استعدادهما لسد العجز.
مضيفاً، يجب التأكيد على أن إيران قادمة على مرحلة انكماش عسكري في منطقة الشرق الأوسط، من سوريا ومن العراق وحتى لبنان واليمن، وهذا بالمدى المتوسط على أقرب تقدير. وهو يأتي بالتوازي مع اقتراب رفع العقوبات التجارية عنها المفروضة من قبل المجتمع الدولي. ما يعني احتمال بحث إيران عن سياسة ناعمة لها في الشرق الأوسط، وقد يكون ذلك أيضاً من بوابة الاقتصاد في مراحل مقبلة.
ويشدد “عمار” في حديثه على لفت النظر إلى مدى قدرة الاقتصاد والعلاقات التجارية على ضبط العلاقات بين إيران وتركيا، لكن يعود ليرجح بأن روسيا تعلم أن أسواق الغاز الخليجية والإيرانية ستكون بديلاً عن سوقها في المدى المتوسط، وبالتالي فإن أمر تعرض مشروع “السيل التركي” لعقوبات هو مجرد استعراضات. ويلفت إلى أن العقوبات للحظة اقتصرت على “بعض المواد الغذائية والألبسة والكهربائيات”.
المصدر : الإتحاد برس