أم حاسب.. أم الشهداء

23 ديسمبر، 2015

خالد عبد الرحمن:

أم حاسب أمٌ لثلاثة شهداء رأيتها جبلٌ وجبهة صمود “أهلاً بصديق الغالي” هي كلماتها الأولى لنا عند اللقاء، بلغت من العمر بحجم جروح الوطن وآهاته، يداها حكاية حزن على مرّ السنون.

لم أعلم كيف أتحدث إليها كيف ألملم دموعاً سقطت حين رؤية رفيق ولدها أبو سفر “أنت من ريحة الغالي” بدأت تتحدث والحزن يملأ وجهاً اشتاق لمن فارقها وعينان تغصان بالدمع حيناً وبالزهد أحياناً.

“لقد استشهد ولدي الأكبر حاسب في أول معركة بكفرزيتا معركة المخفر” ابتسمت بألم يخدّر الوجد والروح تركتني حائراً اتخبط بأحاسيس عاصفةً للوجع المحفور في قلبها.

أحضرت صحناً فيه بعض رؤوس الثوم وعيناي تتابعها بحرقة وألم تابعت حديثها وتلك العينان تفيضان بدموع ربما الشوق وربما الحنين ” كان ولدي همّام بطل لا يهاب شيئاً يقول لي قائده العسكري، لم يكن ولدك شهيدًا فقط هو بطل هو بطلنا، كان الثاني من أولادي الشهداء “.

عيناها تسرد ذكريات فلذات كبدها “لقد مضى على زواجه فقط أربعة أشهر يا بنيّ ولدي همام رجل، أحب هذا التراب الطاهر حتى أنفاسه الأخيرة” تستقيم بجلستها وتنظر في الأفق وترتسم على ثغرها ظلال ابتسامة، “صباح عرسه مرّ رفاقه ليحيوه فقد كان موعد مع معركة، لقد سألهم إلى أين يا شباب أجابوه لدينا معركة نظر إليهم وقال انتظروا أنا قادم ودخل بسرعة البرق ليحضر عتاده ويلتحق بالرفاق لم ولن يثنيه عن الواجب أي ظرف سوى الموت”.

تلتفت إليَّ وتكمل بحرقة “كنت اتمنى أن تكون زوجته حاملاً كي يبقى من ريحته من يحمل اسمه هي مشيئة الله يا بني لم تحمل زوجته، فبعد أربعة شهور جاء عريساً ليزف إلى مثواه الأخير، احترق قلبي يابني لقد بقي من أولادي الستة ثلاثة أولاد وأربع بنات أصبحت أخاف أن أفقدهم “.

هنا أذن الظهر للصلاة تركتني ومعي ابن ولدها الثاني وقد سميّ على اسم عمه همام أحضرت سجادتها وبدأت تصلي وحين انهت الفرض نظرت إلي وقالت “ابني محمد شهيد بقذيفة برميل” ثم كبرت وصلت ركعتين وتابعت “لقد أخرجونا من اللطامنة وبقي الرجال كنت أزور ابنتي في حماه والوقت رمضان” ..قامت وطوت سجادتها وتابعت “كنت اكلمهم كل يوم لأطمئن عليهم وفي يوم الوقفة قالوا لي تعالي إن ولدك مريض وهنا تقول استغربت فمنذ قليل حدثتهم الكل بخير أحسست أن قلبي يشلع من مكانه سألت زوجة ولدي وهي ابنة أخي فضل الله بخير أجابت بخير وخطاب بخير أجابت بنعم ومحمد “هنا انهارت وأخذت تبكي” نعم لقد كان محمد ولدي الثالث كان في المنزل حين سقط برميل وكان نصيبه شظيةٌ أدت لموته”.

تذرف عيناها دموعاً أكثر “الناس يقفون للعيد ونحن نقيم العزاء بولدنا محمد أي عيد هذا وأبناء قلبي ثلاثة شهداء” وهنا تضيف ” اثنان أبطال والثالث شهيد ناشدتهم لم يعد قلبي يحتمل الفقد نزحنا من اللطامنة إلى خان شيخون ثم إلى معرة حرمة لقد كان الآجار غالياً لم نحتمل نفقته فلجئنا إلى قرية الهبيط “لم أكن أستطيع أن أعبر عن مشاعري، جبلٌ صامد أم الشهداء أي تعبير يناسب.

هي قصة من قصص ثورتنا الجريحة هي أم الثوار لم يثنيها حزنها ولا فقدها عن كرم المرأة السورية واستحضار كلّ ما ارتبط بأولادها فقد أعدت الغداء لرفيق ولدها البطل لتقول له ها هو رفيقك هنا وكما كنت تكرمه سأبقى كذلك ودعتها وفي روحي همسات روحها الحنون وبقلبي غصة ألم على أمي سورية أم حاسب إحدى ثكالى ثورة الكرامة والعزة.

أخبار سوريا ميكرو سيريا