الصندوق الاسود حقيقة علمية دائمة التطور


b-w

عقاب مالك:

عندما تقع الكوارث والحوادث الجوية وتتحطم طائرة مدنية أو عسكرية على اليابسة أو في الماء يتم الحديث عن الصندوق الأسود كما حدث مؤخراً بعد إسقاط الطائرتين الروسيتين، الإيرباص 320 فوق سيناء والسوخوي 24 التي أسقطتها تركيا بتاريخ 24/11/2015، فما هو الصندوق الأسود وما تاريخه؟ ولماذا وجد وكيف يعمل ولأجل أي شيء؟

ما هو الصندوق الأسود؟

الصندوق الأسود هو مسجل المعلومات (مراقب العمل) على متن الطائرة سواء كانت تتعلق ببارامترات الطيران (سرعة ارتفاع زمن اتجاه تسلق نزول ميلان وغيرها) او بارامترات الاجهزة الدوارة في الطائرة كالمحركات وما يتبع لها من أجهزة ملحقة بالإضافة الى كل ماجري من محادثات في قمرة الطيار.

ويختلف شكل وأسلوب عمل مسجل المعلومات بين الدول الصانعة لكن يتشابه في طريقة العمل وتجهز به الطائرات المدنية والعسكرية على السواء بأشكال مختلفة ويكون ذو جزأين في الطائرات المدنية احمدهما متخصص بتسجيل ما يدور في قمرة قيادة الطائرة.

تاريخ الصندوق الأسود وسبب اختراعه

يعود سبب اختراع الصندوق الأسود (مسجل المعلومات) الى كثرة الكوارث الحوادث الجوية التي وقعت في خمسينيات القرن الماضي وعدم التوصل في الكثير من تلك الحوادث والكوارث الى الأسباب الحقيقية التي أدت اليها ومعلوم ان الحوادث الجوية تؤدي إلى خسارة أعداد كبيرة من البشر فضلا عن الاثمان الباهظة للطائرات سواء المدنية او العسكرية.

وهذا ما حدا بالعالم الأسترالي ديفيد وارن للعمل على اختراع جهاز تزود به الطائرات لمعرفة أسباب الكوارث الجوية على الاقل من اجل معرفة اسبابها وفرض تدابير تؤدي الى التقليل من اسباب الكوارث او تلافيها نهائياً وقد نجح ديفيد وارن في عام 1954 الى اختراع مسجل المعلومات الذي سمي ( الصندوق الاسود)  وقد اهتمت الحكومة ووسائل  الاعلام البريطانية آنذاك بهذا الاختراع مما ادى الى تبني هذا الاختراع والعمل على صناعته وتطويره و تركيبه على الطائرات المدنية والحربية لدى الشركات المصنعة للطائرات وذلك في مكان ما على جسم الطائرة  قليل التأثر بالتحطم اثناء الحوادث الجوية وهو الزعنفة العلوية للطائرة ( الذيل) إما على الجانب اليميني أو اليساري للزعنفة.

اهتمت كل الدول المصنعة للطائرات بهذا الجهاز وبدأت بتطويره في كل تلك الدول على حدى وخاصة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا حيث شهدت ستينيات القرن الماضي ظهور الصندوق الاسود على نطاق واسع وبأشكال متعددة على الطائرات المدنية والعسكرية.

ولم تقف شركات صناعة الطيران عند حد في المضي قدما في تطوير الصندوق الاسود حتى الآن، بسبب الفشل في تحديد أسباب الحوادث الجوية في الكثير من الحوادث الجوية نتيجة تحطمه أو احتراقه أو تلفه لسبب ما أثناء الحادث الجوي حتى وصل إلى شكله الحديث الان، حيث زود الصندوق الاسود بالميزات التالية:

– تحمل صدمات التحطم بقوة تحمل كرة معدنية وزنها 250 كغ تقع عليه من ارتفاع 3,5متر. 

– تحمل الحريق بدرجة حرارة حتى 1100 درجة مئوية لمدة ساعة كاملة وهي درجة حريق الكيروسين (وقود الطائرات)

– تحمل قوة انفجار تعادل 3500 نيوتن وأكثر

– يصنع من معادن قاسية جدا كالتيتانيوم على عدة طبقات لحماية الاجهزة الدقيقة بداخله

– يتحمل ضغط الماء على عمق 20 ألف قدم /7كم تقريبا/

– قدرة على تسجيل المعلومات لمدة 30 الى 120 ساعة متواصلة

– تزويده ببطاريات تستطيع ان تزوده بالطاقة لمدة شهر كامل بعد الحادث الجوي

– تزويده بجهاز بث لا سلكي بتردد 37,5 كيلو سايكل وعلى عمق حتى 3,5 كم ضمن البحر

الفوائد التي يقدمها الصندوق الأسود (البرتقالي)

1- مراقبة وتسجيل دقة عمل الاجهزة الدوارة في الطائرات المدنية والحربية من المحركات الى باقي الاجهزة الدوارة.

2- مراقبة وتسجيل عمل الاجهزة الالكترونية المساعدة في الطائرة كالمنظومات الملاحية واجهزة التسديد واجهزة الاطلاق والاجهزة اللاسلكية والالكترونية

3- مراقبة وتسجيل بارامترات الرحلات الجوية المدنية والعسكرية من لحظة تدوير المحركات على الارض الى الاقلاع والطيران على المحاور الملاحية وحتى الهبوط واطفاء المحركات والقوابس الكهربائية

4- تسجيل كل المحادثات اللاسلكية بين الطواقم مع بعضها داخل الطائرة ومع مراكز التوجيه الخارجية

5- منع المخالفات الجوية من قبل الطيارين وخاصة (الحربيين) من ارتكاب المخالفات الجوية وذلك للحد من حدوث الكوارث والحوادث الجوية، حيث يعلم الطيار ان الصندوق الاسود يسجل كل ما يقوم به وان ذلك سيتم تحليله بعد كل طلعة او رحلة جوية

6- التقليل من الحوادث والكوارث الجوية ما امكن  نتيجة المعلومات التي يقدمه الصندوق الاسود وذلك من خلال التدابير التي يتم اتخاذها بعد معرفة سبب أي حادثة جوية  وذلك بتلافي النواقص التي تؤدي الى الحوادث الجوية

7- سهولة التحقيق في الحوادث الجوية والوقوف على اسبابها نتيجة تقديم كم هائل من بارامترات الطائرات التي تعرضت للحوادث

8- مقاضات شركات الطيران المصنعة للطائرات في حال حصول كارثة جوية ناتجة عن اعطال فنية نتيجة سوء الصنع

9- الوقوف على الاسباب الحقيقية  المؤدية الى الحوادث الجوية

أسباب تسميته بالصندوق الاسود

هناك تسميات عديدة رافقت هذا الجهاز منذ نشأته عام1954 مع العلم أن لونه برتقالي اللون وفي بعض الاحيان اصفر اللون وذلك من اجل سهولة العثور عليه بين حطام الطائرات بعد الكوارث الجوية، ومن التسميات التي أطلقت عليه:

– الاخ الكبير (لانه يرافق الطيارين في كل الرحلات) ويريحهم من تسجيل معظم بارامترات الطائرة اثناء الرحلات الجوية

– الجاسوس (وخاصة في الطائرات الحربية لأنه حد من المخالفات التي يرتكبها الطيار اثناء تنفيذ الطلعات التدريبية) وهي التسمية التي أطلقها الطيارون الحربيون عليه اذ صار بالإمكان مراقبة عمل الطيار من خلال واسطة مراقبة موضوعية لا يمكن ان تكذب وذلك للحد من حوادث الطيران الحربي اتي يكون سببها الطيار من خلال مخالفته لبرنامج الطلعة المخطط كالطيران على ارتفاعات منخفضة جدا قد تؤدي إلى اصطدام الطائرة بالعوائق الطبيعية والاصطناعية للأرض.

– الصندوق الأسود، وهي التسمية الاشهر (وذلك لاحتوائه على اسرار الطائرة ضمن حجيرة صغيرة معتمة سوداء لا يجب ان يصل اليها الضوء حتى لا تفسد المعلومات التي يحتويها وخاصة في البدايات عندما كانت المعلومات تخزن على شريط ممغنط ضمن علبة صغيرة ما كان يجب فتحها الى في غرفة التحميض المعتمة

– مسجل المعلومات، وهي التسمية العلمية الحقيقية للصندوق الأسود (البرتقالي) وذلك لأنه يحتوي على البارامترات الحقيقية للرحلة أو الطلعة الجوية منذ وضع مفتاح البطارية على وضعON قبل تدوير المحركات في الطائرة غلى إطفاء المحركات واطفاء كل قوابس الطائرة ووضع مفتاح البطارية بوضع OFF

كيفية تخزين المعلومات في الصندوق الاسود عبر تاريخه

في بدايات استخدامه على الطائرات سواء المدنية او العسكرية كانت تخزن المعلومات على شريط بلاستيكي ممغنط عرضه يتراوح بين 5سم الى 8 سم حسب الدولة الصانعة  يشبه الى حد كبير جدا بشريط الافلام السينمائية وكانت تتمثل بارامترات الطائرة بالكامل على ذلك الشريط من خلال خطوط تظهر بشكل متصل او متقطع او اضافات على الخطوط بعد تحميض ذلك الشريط الممغنط في غرفة معتمة خاصة وخلال دقائق بعد التحميض تظهر هذ الاشارات الخطية ثم يصار إلى تحليلها من خلال فنيين مختصين بذلك على اجهزة تحليل ضوئية يتم تركيب هذا الفيلم عليها  ويتم معرفة البارامترات الحقيقية من خلال مقارنة الاشارات على الشريط الممغنط بالطائرة بالمعلومات الابتدائية على جهاز التحليل الضوئي.

أما الآن ومنذ بداية الثمانينات اصبح الصندوق الاسود متطور جدا ويخزن البيانات على شرائح مغناطيسية كومبيوترية  ويتم استخراج المعلومات منه من خلال  فلاشة كومبيوترية تنقل كل المعلومات والبارامترات في هذه الرحلة اليها عن طريق فنيين مختصين ثم يصار الى وضع تلك الفلاشة في جهاز كومبيوتر خاص بهذه الفلاشة في مكان خاص عن طريق فنيين مختصين ويتم مشاهدة كل البيانات والبارمترات على شاشة عرض تلفزيونية وتحليلها بشكل علمي دقيق بالإضافة الى ان هذا الجهاز يستطيع ان يمثل طيران الطائرة على كامل خط الرحلة بطائرة شكلية ويظهر ما تعرضت له الطائرة بشكل دقيق من خلال البيانات التي تظهر بشكل رقمي وخطي بالإضافة الى عرض كافة المحادثات التي دارت بين افراد طاقم الطائرة

تاريخ الصندوق الاسود على الطائرات الروسية

اهتم الروس بهذا الاختراع بالتوازي مع الغرب وقد تمكنوا في عام 1965 من صناعة اول صندوق أسود (برتقالي) وقد أسموه SARB-11 وقد زودوا به كل الطائرات الروسية المدنية والعسكرية حيث كان يسجل على شريط ممغنط 11 بارامتر الاشهر في الطائرة ومنها السرعة والارتفاع ودوران المحرك والحمولة العمودية والافقية والزمن وبعض الأوامر الأخرى وذلك على شكل خطوط بعض تحميض الشريط الممغنط.

وفي عام 1970 وبعد وقوع حوادث وكوارث كثيرة لم يتم معرفة الكثير عن أسبابها تم تطوير جهاز SARB-11 إلى نسخة أكثر حملاً للبيانات وهي SARB-12 الذي بات يحمل 16 بارامتر رئيسي وثانوي مما غطى بعض النقص أثناء تحليل الحوادث الجوية ورغم ذلك لم يقف الروس عند SARB-12 من اجل معرفة المزيد اثناء تحليل الحوادث الجوية.

وفي نهاية السبعينات اخترع الروس جهازالـ TESTR وهو نسخة مطورة جدا عن جهاز الـ SARB لكنه جهاز الكتروني متطور يتم تحليل بياناته عن طريق كومبيوتر خاص به على الارض بعد نقل البيانات منه عن طريق فلاشة كومبيوترية  حيث اصبح باستطاعة هذا الجهاز تسجيل حوالي 50 بارامتر رئيسي بالاضافة الى مئتي بارامتر ثانوي في الطائرة وقد زوت فيه معظم الطائرات الروسية  المدنية والحربية فيها.

ومع زيادة الطلب على المعلومات عن أسرار الرحلات الجوية والكوارث والحوادث الجوية زاد الروس من تطوير الـ TESTR الى ان وصلوا الى النسخة الأحدث في بداية العقد الأول من الألفية الثالثة حيث أصبح بمقدور الـ TESTR تسجيل 4000 أمر (بارامتر) في الطائرة، حيث يستطيع الخبراء في هذا الجهاز تحليل كل شيء عن الطائرة بعد تنفيذ الرحلات الجوية وبشكل دقيق للغاية، وحاليا كل الطائرات الروسية المدنية والحربية مركباً عليها هذا الصندوق الاسود المسمى بالـ (TESTR)

هل سيقف تطوير الصندوق الأسود؟

طالما ان عالم الطيران في حالة من التطور والتعقيد ووقوع حوادث الطيران سيكون هناك حاجة ماسة الى ان يتم الحصول على المعلومات بشكل وبطرق أفضل من سابقاتها ولن يقف تطور الصندوق الاسود عند حد ما.

أخبار سوريا ميكرو سيريا