حل سياسي وسط في سورية


منظر-عام-لمدينة-دمشق1-550x366

منذ بدء الأزمة السورية أجهضت روسيا أربعة مشاريع قرار في مجلس الأمن، ثلاثة منها بين عامي 2011 – 2012 والرابع عام 2014، فيما أصدر مجلس الأمن الدولي سبعة بيانات رئاسية غير ملزمة، وثلاثة عشر قراراً حول سورية، وجميع هذه القرارات يمكن وصفها بالإجرائية، أي لم تكن تصيب جوهر الأزمة السورية وآلية الحل السياسي، باستثناء القرار الدولي الأخير 2254.

لأول مرة يصدر قرار دولي يحدد تفاصيل آلية الحل السياسي مع سقف زمني، وإن كان السقف السياسي ما زال مفتوحاً (مصير الأسد)، ولم يكن في الإمكان صدور هذا القرار لولا التفاهم الروسي – الأميركي الذي تطلب تنازلات من كلا الطرفين، فروسيا ليست معنية بإطالة أمد الحرب والغرق في المستنقع السوري ذي التكلفة المادية الباهظة، والولايات المتحدة معنية بوضع خريطة طريق سياسية للحد من انتشار الإرهاب على مستوى العالم، ومعنية بإنجاز سياسي قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ليس القرار كما يذهب البعض مجرد تنازل أميركي لروسيا، فمن يمعن النظر فيه يجد أن التنازلات متبادلة: قبلت واشنطن بالرأي الروسي في ترحيل عقدة الأسد إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، ويترك أمره للسوريين في صناديق الاقتراع، وهذا تنازل أميركي معقول بلغة السياسة وليس بلغة الوجدان، شرط أن يكون المناخ السوري الداخلي مهيئاً لانتخابات ديموقراطية خارج سلطة الأمن.

تنازلت روسيا لأميركا في ما يتعلق بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملاً ببيان جنيف عام 2012، ومؤتمر فيينا الأخير، «يعرب مجلس الأمن في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية، على أن يدخل حيز النفاذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة»، والمعلوم أن النظام ظل على مدار السنوات السابقة يطالب بأولوية محاربة الإرهاب قبل الشروع في المسار السياسي، وهو الموقف الذي تبنته موسكو وطهران، والأخيرة قدمت في هذا الخصوص مبادرة من أربع نقاط في آب (أغسطس) الماضي.

تنازلت روسيا للولايات المتحدة عبر استبعاد عبارة «التسوية السياسية» فيما تنازلت الولايات المتحدة باستبعاد عبارة «التغيير السياسي» التي طالبت بها دول إقليمية وأوروبية، وتم اعتماد عبارة وسط «الانتقال السياسي»، وفي حين تحيل العبارة الروسية طرفي الأزمة إلى متساويين وفق منطق القوة لا منطق الحق، تؤكد العبارة التي طالبت بها دول إقليمية وأوروبية على ضرورة التغيير السياسي الكامل، ولما كانت موازين القوى الإقليمية والدولية في سورية لا تسمح باعتماد إحدى الصيغتين، تم اختيار عبارة «الانتقال السياسي» كحل وسط.

كما تنازلت موسكو للولايات المتحدة حول شكل المرحلة الانتقالية، حيث نصّ القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة، بناء على بيان جنيف والقرار الدولي 2018، وهذا انتصار للائتلاف ولمؤتمر الرياض، خلافاً لمقولة النظام وداعميه بتشكيل حكومة وحدة وطنية تخضع لسلطة الرئيس.

رفض المجتمع الدولي مطالبة موسكو بتخطي مخرجات مؤتمر الرياض، حيث أكد القرار على «… وإذ يلاحظ مجلس الأمن على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع».

تنازلت موسكو لواشنطن حول تسلسل العملية السياسية الانتقالية، فقد حدد القرار الدولي مسار العملية السياسية بهيئة حكم انتقالية، ثم التعديلات الدستورية، فالانتخابات الحرة خلال ١٨ شهراً، وهو ترتيب مخالف لما يطالب به النظام، الذي أصر على أن تكون بداية العملية السياسية بكتابة الدستور.

في كل الأحوال، ليس هذا القرار هو ما يرجوه الشعب السوري، أو بالخصوص أولئك الذين يطالبون بحكم ديموقراطي ينهي عهد الاستبداد والدولة الشمولية، لكن هذا القرار يضع نهاية لمرحلة وبداية لأخرى، وليس صدفة أن يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن القرار الدولي بأنه لن يعجب الأسد، وليس صدفة أيضاً أن تعلن طهران في هذا التوقيت توحيد موقفها السياسي مع الموقف الروسي حيال سورية.

هذا القرار يشكل اللبنة الأولى في بناء العملية السياسية وإنهاء الأزمة الأكثر تعقيداً في العالم، اللهم إلا إذا حدثت متغيرات جديدة، وقد علمتنا الأزمة السورية تحديداً أن هذه المتغيرات كثيرة.