في ذكراها الرابعة.. شهادات حية لأولى مجازر النظام بحق مدنيي جبل الزاوية 


مقبرة الشهداء التي دفن فيها ضحايا مجزرة «أبودمايا» في ريف إدلب

إدلب – عبد الرزاق الصبيح:

على الرّغم من مرور أربعة أعوام على أول مجزرة بهذا الحجم ترتكبها قوات النظام في جبل الزاوية وعموم سوريا، فإن أهالي كفر عويد ما زالوا يستحضرون ذكراها ويجددون رغبتهم بالانتقام من مرتكبيها وكأن دماء ضحاياها لم تجف بعد، وأقارب الضحايا مازالوا يعتقدون أن ما مرّ بهم كان كابوساً سيصحوا منه ذات يوم، فلا يمكن لعقلٍ أن يتصور حجم الظلم والبطش الذي ذاقته البلدة التي حاولت كغيرها من مئات المدن السورية الثورة سلمياً ضد هذا النظام.

صادف يوم الأحد الماضي (20 كانون الأول/ديسمبر) الذكرى الرابعة لمجزرة (أبودمايا) في بلدة “كفرعويد” التي ارتكبتها قوات النظام وعناصر أمنه بحق أبناء جبل الزاوية في ريف إدلب والتي راح ضحيتها ما يزيد على مئة مدني، واعتبرت حينها المجزرة الأولى لقوات النظام أثناء اقتحاماتها للبلدات الثائرة.

بدأت قصة المجزرة في العشرين من كانون الأول/ديسمبر من العام 2011، حين بدأت قوات النظام صباح ذلك اليوم باقتحام قرى جبل الزاوية من جهتي الجنوب والشمال، حيث توجه رتل مع أكثر من خمسين مدرعة برفقة عدد من السيارات التي كانت تقل عناصر الأمن، وسلك طريق مدينة “كفرنبل” باتجاه قرية “الفطيرة” و”السفوهن” وصولاً إلى قرية “كفرعويد” من الجهة الجنوبية لجبل الزاوية، وفي كل قرية تمر بها قوات النظام كانت تعيث فيها فساداً من سرقة واعتقال وهدم وتفتيش وإهانة للأهالي.

وبعد وصول قوات النظام إلى بلدة “كفرعويد” أقامت حاجزاً في مدخل البلدة الجنوبي، والذي يعتبر عقدة ربط الطريق الرئيس للبلدة باتجاه سهل الغاب، والطريق الرئيس لمدخل قرى وبلدات جبل الزاوية.

ولدى وصول قوات النظام للبلدة خرج عدد كبير من الشبان والشيوخ من البلدة خوفاً من الاعتقال والإهانة، فتوجه الجميع إلى وادٍ شمال غرب البلدة يعرف باسم وادي (أبودمايا)، وهو عبارة عن وادٍ عميق ومصب للسيول في المنطقة، ويبعد عن البلدة حوالي (5كم).

وفي هذه الأثناء كانت قوات النظام تحكم الطوق من جهة بلدة “إحسم” من الجهة الشمالية لجبل الزاوية، وكان رتل لقوات الأسد يتألف من العديد من المدرعات وسيارات الأمن يتقدم باتجاه قرى (بليون وعين لاروز) وصولاً إلى قرية “الموزرة”.

وكانت بلدة “كفرعويد” آخر بلدة تصل إليها قوات النظام، فحاصرتها من جهة بلدة “السفوهن” من جهة الجنوب ومن جهة مدينة “كنصفرة” وقرية “الموزرة” من جهة الشمال.

وبعد تفتيش البلدة توجه الرتل باتجاه وادي (أبودمايا) إثر معلومات وصلت لقوات النظام من عملاء له في المنطقة تفيد بتواجد عدد من الشبان هربوا من البلدة إلى الوادي.

فتوجه رتل لقوات النظام من الجهة الجنوبية من وادي (أبودمايا) من جهة طريق الغاب، وأصبح الوادي محاصراً من الشمال والجنوب بقوات النظام، وفور وصول قوات النظام فتحت النار على المتواجدين في الوادي، حيث تم استهداف المتواجدين بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة دون الاقتراب منهم والتدقيق في هوياتهم ومعرفة سبب هروبهم، واستمر إطلاق النار لساعات عدة.

وصل الخبر إلى أهالي بلدة “كفرعويد” والقرى المجاورة لها بأنه قد تم تصفية كل المتواجدين في الوادي، فخرجت البلدة عن بكرة أبيها، خرج الرجال والنساء والأطفال باتجاه الوادي لمعرفة مصير أبنائهم وذويهم، وعند مشاهدة قوات النظام تدفق الأهالي باتجاه الوادي أطلقوا عليهم الرصاص الحي لتفريقهم ولكن دون جدوى، فاضطرت قوات النظام لترك المكان، وعادت لنصب حواجز في مداخل بلدة “كفرعويد” وعلى الطرق الرئيسية فيها، وأحكمت حصارها بشكل كامل.

وعاد الأهالي إلى البلدة مصطحبين معهم جثث أبنائهم والتي كان قسم كبير منها مشوه بأبشع الصور، فكانت بعض الجثث مقطوعة الرأس وبعضها مبتورة الأطراف وبعضهما عليها آثار الطعن والنحر.

وضع الأهالي الجثث في مسجد البلدة حتى يتم التعرف عليهم من قبل أقربائهم، وقدم من القرى المجاورة أهالي الضحايا لرؤية أبنائهم، حيث كان من بين الضحايا أشخاص من (كنصفرة وسرجة والموزرة وكرناز من ريف حماة وعين لاروز وأرنبة)، كانوا قد فرّوا قبل وصول جيش النظام إلى نفس الوادي بعد حصارهم من أكثر من محور.

كان المنظر مروعاً في المسجد، والقسم الأكبر من الضحايا من بلدة “كفرعويد” حيث سجل سقوط ثلاثين قتيلاً من أبناء البلدة لوحدها، من آل المغلاج وآل الضاهر وخنوس وغريبي وآل ددو.

وقال “أحمد المغلاج” وهو ابن عم لثلاثة ضحايا قضوا في المجزرة لـ “ ”: “وصل إلى مسجد القرية أكثر من مئة قتيل، وقسم كبير من الجثث التي تم التمثيل بها من قبل قوات النظام، ولدى حمل بعض المدنيين، حدثت عدّة حالات إغماء، وكانت مادة بيضاء على ثياب عدة ضحايا، وتبين فيما بعد أنها مادة الفوسفور الأبيض، حسب ما أكده أطباء في البلدة، كانت قد استخدمتها قوات الأسد في وادي “أبو دمايا”.

وأضاف “بعد التعرف على جثث الضحايا، تم التوجه إلى مقبرة البلدة، ولكن قوات النظام منعت المشيعين من تشييع الضحايا في البلدة، مما اضطرهم إلى أخذهم إلى مكان بعيد خارج البلدة، وتم دفن أكثر من مئة جثة في مقبرة استحدثوها، وسميت باسم مقبرة الشهداء فيما بعد”.

وقال “عبد الله الضاهر” ابن عم أحد الضحايا لـ “ ”: “لم يكن مع الشباب الذين خرجوا من بلدة كفرعويد أي سلاح، وهم من المدنيين، وليست لديهم أية علاقة مع أي جهة، فبلدة كفرعويد خرجت فيها مظاهرات سلمية كباقي قرى وبلدات ريف إدلب في ذلك الحين”.

هذه المجزرة كانت تعتبر من أولى مجازر قوات النظام بهذا الحجم بحق الشعب السوري والتي راح ضحيتها أكثر من مئة مدني، غالبيتهم من بلدة “كفرعويد”، ولم تكن آخر مجزرة تشهدها البلدة، فقد شهدت أكثر من عشرة مجازر راح ضحيتها العشرات من المدنيين قسم كبير منهم من الأطفال والنساء.

وكانت أكبر المجازر التي ارتكبتها قوات النظام بحدق أبناء البلدة هي عندما استهدفت طائرات حربية تابعة لقوات النظام في شهر رمضان الماضي الشارع الرئيس وسط البلدة بغارتين جويتين بالقنابل الفراغية، قتل خلالها أربعة وثلاثون مدنياً.

تتعرض قرى وبلدات جبل الزاوية وبشكل متكرر لغارات جوية روسيّة بالإضافة إلى القصف الصاروخي من معسكر “جورين” في سهل الغاب، ما أجبر عدد كبير من الأهالي على النزوح إلى المخيمات على الحدود السورية التركية.

تبع مجزرة (أبودمايا) عشرات المجازر في سوريا والتي راح ضحيتها الآلاف، منها ما ارتكبتها قوات النظام، ومنها ما ارتكبتها الميليشيات الموالية للنظام، وأخرى كان الجلاد فيها الطائرات الروسية، تعدد الجلادون والضحية واحدة، ويبقى السوريون مجرد أرقام تتداولها وكالات الأنباء العالمية لتكمل نشرات أخبارها، كما يقول السوريون.

أخبار سوريا ميكرو سيريا