نيويورك، نيولوك جنيف 2

23 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
7 minutes

  • حامد الكيلاني – العرب

ترحيل القرارات الحاسمة إلى مفاوضات سلام لن يكون حاسما أبدا وسيصطدم بعقدة من يمثل النظام.

استغربت الأوساط السياسية والإعلامية التصويت بالإجماع لأعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر على قرار يتبنى دعم خطة سلام في سوريا، وفعلا ربما هي المرة الأولى منذ خمس سنوات تقريبا على اندلاع الصراع نشهد فيها توافقا على إقامة محادثات سلام بين الطرفين ويؤيد وقفا لإطلاق النار.

تتلاشى الغرابة مع استخدام مفردتيْ “دعم” و“يؤيد”، وكلاهما دلالتان ليستا حاسمتين في مسار إنهاء الصراع، ولا ترتقيان إلى جلسة يفترض أنها لأعلى هيئة أمنية في العالم وفي قاعتها اتخذت أخطر القرارات ومنها توفير الغطاء لاحتلال العراق بالأكاذيب المعروفة وسبقها حصار الشعب وتجويعه.

مقاربة أميركية روسية بعد متغيرات الضربات الإرهابية في باريس، وما نتج عنها من مشاركة عسكرية فرنسية وبريطانية وألمانية في الحرب على تداعيات الواقع السوري والدخول الفاعل لروسيا وحادثة إسقاط الطائرة مثار الجدل مع تركيا، وتفاصيل حوارات فيينا، واجتماع المعارضة في الرياض، ثم التحالف الإسلامي وردود الفعل الإيرانية والروسية والعراقية والسورية عليه، صبت النتائج في لقاء نيويورك، وهي بالنتيجة، صورة مكبرة أكثر وضوحا تساعد في قراءة نسيج صناعة قرار من دون مخالب، يحاول أن يكون دبلوماسيا بما يشبه قراءة نص تمنيات لخطاب في الهيئة العامة للأمم المتحدة يتداول مفاهيم الإخاء وأهمية مواصلة تدعيم السلم العالمي.

لا ننكر أن اليأس، إنما هو سباق تتابع، كلما استهلك أحدهم يستبدل بآخر، وهكذا إلى أن يستهلك الجميع، ليعودوا إلى التقاط الأنفاس، والحالة السورية ازدادت تعقيدا إلى حد الهلوسة والإعياء والتخبط لأنها تشظت ومخاطرها توسعت، بما يدفعنا إلى القول إن استمرارها سيكون مستحيلا وليس العكس كما يبدو في خاطر اشتداد وازدحام وكثافة الأسلحة وتنوعها على الأرض.

تميل الكفة إلى النظام السوري، لأنها مالت إلى روسيا وإيران لانحسار التأثير الأميركي وانصراف باراك أوباما إلى تنفيذ برنامجه الانتخابي سعيا منه إلى تجديد الثقة في حزبه الديمقراطي ومرشحه القادم، ولأن فترته الرئاسية لم يتبق لها سوى عام آخر، فلا أمل في احتمالية تغيير الخطاب الأوبامي، على الرغم من المناوشات الطريفة في نهاية المؤتمر الصحفي بين جون كيري وسيرجي لافروف والتي لا يمكن تفسيرها إلا باختلاف وجهات النظر الحاد، لكن مع قبول الطرفين بحقيقة تجاذبات مصالحهما دون أن يفسد ذلك صبر الدبلوماسية في الحل السيـاسي المطروح من خلال محادثات السـلام بعد عطلـة أعياد رأس السنة الميلادية.

ترحيل القرارات الحاسمة إلى مفاوضات سلام لن يكون حاسما أبدا وسيصطدم بعقدة من يمثل النظام، وما يمكن أن يؤديه من قناعات تخضع للرفض والقبول والتنازل والإصرار، ومعلومة نوعية المفاوض الحكومي في نظام دكتاتوري، وتجربة جنيف 2 حاضرة في الأذهان، لأن الجدران مبنية بالخرسانة ولا يمكن حلحلتها بالسياسة والتفاهمات بما يخص مصير الحاكم ودوره في مستقبل سوريا.

ستمضي المباحثات لتقف في حاجز معلوم المسافة ونوع الشعارات والخطاب والعناد وربما تصل إلى الهتافات، لأن المفاوضين لا يمثلون رؤى المتغيرات والبناء عليها، إنما تلميحات وإشارات وابتسامات لنيل رضا النظام الذي مازال لا يحمل أي عقدة نقص أو ذنب تجاه ما حصل لسوريا من موت وتدمير مدن وهروب جماعي للشعب.

لن تغيب عن بالنا الإحراجات الإنسانية واللياقة الدبلوماسية التي فاقت التصور في كلمة وزير الخارجية السوري في افتتاح جنيف 2، عندما أوقفه رئيس الجلسة “العلنية” الأمين العام للأمم المتحدة، منبها الوزير إلى تجاوزه الوقت المحدد لأكثر من مرة وطلب منه تأجيل التفاصيل والآراء إلى جلسات المباحثات، لكن الوزير استمر في إلقاء خطاب مكتوب ومعد سلفا، وكان مجبرا أن يكمله تحت كل الظروف، وذلك يؤكد أن لا قرار ولا استجابة أو رفض إلا بمواصفات نظام، كل المتمسكين به يدركون أن لا حياة لهم إلا بإبادة خصومهم.

ولا بد من حقيقة ينبغي أن نفهمها أن رئيس النظام أولا وأخيرا سيكون خطا أحمر فاقع اللون وعليه لن تكون مساومة، لكن ستحدث مماطلة وأرباح يحققها النظام في إطالة أمد المباحثات وهو ضامن بقاءه طيلة فترة وجود أوباما في الحكم أولا، وطيلة المدة الباقية من دورة النظام الانتخابية والتي تنتهي بحلول صيف 2017.

روسيا تلعب على دس السم في العسل، عندما تعمم أن الحل لن يكون إلا سوريا، وهي مقولة فيها من المنطق ما يبسّط الرؤية للوصول إلى حل مقنع بنظر دول العالم، لانسجامه مع المفاهيم السياسية العامة.

المعارضة السورية وهي تهيئ أوراقها وشخوصها عليها ألا تقع في مطب المباحثات المفتوحة والتأجيلات المستمرة، سوريا وشعبها أولا، وحدة سوريا أرضا وشعبا، لا خطوط حمراء، سحب البساط من الإرهاب أمام العالم، توحيد المواقف، القبول بالقرارات الدولية المنسجمة مع إنقاذ سوريا، المطالبة بتعهدات وضمانات من الفرقاء الدوليين، تحديد توقيتات للانتقال السياسي والالتزام بها، الابتعاد عن التصريحات العدائية تجاه مواقف الدول، السعي إلى بلورة الرأي العام أن لا مكان لكل القوى غير السورية على أرض سوريا، ابتكار الأفكار لإعادة الثقة بأن مستقبل سوريا يضمن الأمن والأمان لكل أطياف الشعب السوري، لبناء تجربة منسجمة توازي المعاناة.

الأهم في كل مفاوضات الشعوب التي مرت بتجارب الحروب الأهلية، هو صدمة الحقيقة بأننا من وطن واحد نتقاسم الحياة والموت، وعلينا أن نختار الحياة طبعا.

في مباحثات السلام تعلو نبرة الخلافات، وتبدأ معاول هدم الآخر لكنها تستقر على انفعالات إنسانية ساذجة، وذلك بسبب رغبة الانتصار على الخوف بغياب العقل.

ولكي لا تكون نيويورك مجرد “نيولوك” لجنيف 2، نستثمر المتغيرات في الموقف العربي والتحالف الإسلامي لترديد أصداء الظلم الكبير الواقع على المعارضة المعتدلة وفصائلها المسلحة من مصدر القوة، وترسيخ رؤاها في بناء نظام مدني يحفظ لسوريا كرامتها ويدافع عن أرضها ضد كل دعاة التطرف رافضا الانسياق خلف الاصطفافات الطائفية والمذهبية في المنطقة.

عقبات المباحثات معلومة، وخارطة التلاعب الدولي بها معلومة أيضا، لكن الصادم هذه المرة، أن البشرية تتطلع إلى منظومة الأخلاق الحاكمة في العالم، وما تمثله الدول الكبرى والأمم المتحدة من ضمانة نجدة لإنقاذ الإنسانية من مخاطر اليأس، وإعادة مفاهيم حق الشعوب في الحياة، وخلاصها من العنف والإرهاب متعدد المصادر، والانتقال إلى خطوة يُجبَر فيها النظام على رمي المنشفة البيضاء في صالة المباحثات من أجل سوريا جديدة ومختلفة.