2015 .. عام التغيرات الكبيرة في سوريا


5683ca5cc46188e3798b45ec

ذا كان بالإمكان وصف الأعوام الـ4 السابقة من الأزمة السورية بأنها صراع القوى الإقليمية، فإنه يمكن وصف 2015 بالعام الروسي في سوريا، إذ إن البصمة الروسية واضحة في مسار الأحداث.

 

بدأ عام 2015 بدعوة روسية لعقد اجتماع للمعارضة السورية في نهاية يناير/ كانون الثاني، وسرعان ما ساهمت هذه الدعوة في تحريك المياه السياسية الراكدة في سوريا بعد توقف المسار السياسي لعام كامل، وبدأت موجة المؤتمرات الإقليمية والدولية حيال سوريا، وعقد لأجل ذلك اجتماعان في القاهرة ثم اجتماع ثان في موسكو واثنان آخران في آستانا عاصمة كازاخستان.

 

وإذا كان اجتماعا القاهرة قد خرجا بخريطة طريق للحل السياسي، فإن اجتماعي موسكو كانا بهدف تشكيل قوى معارضة خارج عباءة الائتلاف الذي أصدر في منتصف شباط / فبراير الماضي وثيقة المبادئ الأساسية التي حددت هدف المفاوضات بتنفيذ بيان جنيف وفقا لأحكام المادتين 16 و 17 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 بدءاً بتشكيل “هيئة حكم انتقالية” تمارس كامل السلطات والصلاحيات التنفيذية، بما فيها سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية على وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، ومن ضمنها المؤسستان العسكرية والأمنية.

 

ولم تمض أيام على إعلان الائتلاف لوثيقته السياسية حتى عقد اجتماع في دمشق ضم حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سورية.

 

تمخض الاجتماع عن ورقة سميت بـ “مبادئ دمشق للحل السياسي، توافقات الحد الأدنى” تدعو إلى اتخاذ موقف مسؤول عبر الانخراط في مسار سياسي تفاوضي يحمل تنازلات مؤلمة من الجميع، برعاية الدول المعنية بالأزمة السورية، ويفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية تشارك فيها السلطة والمعارضة، تعمل على تنفيذ الحل السياسي عبر آليات متوافق عليها وأهمها الحوار الوطني.

 

الحراك السياسي هذا، سرعان ما توقف مع التغيرات العسكرية التي حدثت في الميدان السوري لصالح المجموعات المسلحة التي ظلت لعام ونصف تتعرض لخسائر كبيرة، بدأت هذه التغيرات مع تشكيل “جيش الفتح” الذي استطاع في مدة سريعة السيطرة على محافظة إدلب، بعيد تفاهمات سعودية – قطرية – تركية.

 

وسمح هذا المتغير الاستراتيجي لما يعرف بـ “جيش الفتح” وقوى أخرى من الامتداد في محيط محافظة إدلب، فكان ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، عنوان المعارك بين الطرفين.

 

وفي جنوب سوريا، فتحت الفصائل المسلحة معركة “الجبهة الجنوبية”، وعلى الرغم من فشل هذه المعركة، فإن المسلحين استطاعوا السيطرة على مواقع مهمة في درعا والقنيطرة (مدينة بصرى، معبر النصيب، اللواء 52، مطار الثعلة العسكري قبل الانسحاب منه).

 

هذه التطورات، ترافقت مع تمدد لتنظيم “الدولة الإسلامية” في محيط تدمر وريف حمص الجنوبي – الشرقي (القريتين) ولاحقا في مهين، ثم في ريف حلب الشمالي والشرقي، ثم الحسكة والقامشلي.

 

ومع فشل التحالف الدولي في توجيه ضربات موجعة لـ “داعش”، كان البرنامج الأمريكي لتدريب المعارضة المسلحة يتعرض للانهيار مع تسليم جنود مدربين لدى الولايات المتحدة بتسليم عتادهم لـ “جبهة النصرة”، وقبلها قضاء النصرة على الفرقة “30” المدعومة أمريكيا.

 

أمام هذا الواقع بدأت الجهود السياسية الروسية – الأمريكية تعمل من جديد، وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في منتصف أيلول / سبتمبر خطته للحل السياسي التي تزامنت مع تفاهمات روسية – أمريكية للتحرك في سوريا.

 

وفي زحمة هذه الجهود كانت سوريا في نهاية شهر أيلول / سبتمبر على موعد مع حدث كبير، روسيا تتدخل عسكريا في سوريا، وتبدأ بتغيير قواعد اللعبة، وما هي إلا أيام حتى أطلق الجيش السوري في 7 تشرين الأول / أكتوبر معركته العسكرية الكبرى في الشمال الغربي لسوريا، مستغلا الغطاء الجوي الروسي.

 

وفي حين كانت الضربات الروسية توجه لـ “داعش” والنصرة، كانت الولايات المتحدة تعيد ترتيب خططها العسكرية، وجاء تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” في 12 تشرين الأول / أكتوبر، ثم “جيش سوريا الجديد” في العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر، انعكاسا للمخطط الأمريكي الهادف إلى محاربة تنظيم الدولة فقط، وترك الفرقاء الإقليميين والدوليين يتقاتلون في سوريا.

 

انقسم الصراع إلى جبهتين: الأولى في ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الجنوبي، في حين كانت الجبهة الثانية في الحسكة والرقة وريفي حلب الشمالي والشرقي بين الأكراد وقوى عربية والجيش ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي بدأ يشهد لأول مرة انكسارات عسكرية واضحة.

 

ومع شدة المعارك، اشتدت الجهود السياسية في اجتماعين لمجموعة العمل الدولية في فيينا، أثمرا عن تفاهمات سياسية وعسكرية ترجمت لاحقا في القرار الدولي 2254 الذي وضع آلية للحل السياسي في سوريا هي الأولى من نوعها، وكلف الأردن بوضع قائمة بالمنظمات التي يجب إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية، لكن المؤتمر الذي دعت إليه الرياض وضم جماعات وتنظيمات مختلفة وصفت بالمعارضة لم يعكس موازين القوى العالمية، بقدر ما عكس مطالب القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة.

 

وعلى الرغم من أن القرار الدولي قد أجل مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد إلى ما بعد المرحلة الانتقالية في تنازل أمريكي صريح لروسيا، وما يعنيه ذلك من بقاء بنية نظام الحكم قائمة، إلا أن القرار حدد سقفا زمنيا لهذه المرحلة، وحدد الصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، كما حدد شكل المرحلة الانتقالية، حيث نصّ القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة، بناء على بيان جنيف والقرار الدولي 2018.

 

عكس القرار التفاهم الروسي – الأمريكي، حول مجمل المسألة السورية، على أن يقوم كل طرف بالضغط على حلفائه الإقليميين لقبول هذه الصيغة السياسية، وليس صدفة تأكيد إيران لتطابق سياستها مع روسيا، وليس صدفة أيضا أن تعلن واشنطن أن مقررات مؤتمر الرياض بحاجة إلى تغيير في بعض بنوده.

 

شكل عام 2015 فاصلا مهما منذ اندلاع الأزمة السورية، وكان للروس الدور الأبرز في صناعة أحداثه، فهل يكون لهم أيضا اليد الطولى في أحداث العام المقبل، التي ستبدأ باستحقاق “جنيف 3”.