إياد أبو شقرا يكتب: بأي شرق أوسط نحن موعودون عام 2016؟



إياد أبو شقرا

منظر رجل من أبناء بلدة مضايا – في محافظة ريف دمشق – ولقد مات جوًعا بعدما عرض سيارته القديمة للبيع لقاء الحصول على بعض الطعام، يعّبر أبلغ تعبير عن مسار محنة سوريا التي تدخل عام 2016 بمعطيات جديدة ­ قديمة تحمل الأسوأ لمنطقة الشرق الأوسط. أدرك أن هذه قد لا تكون المقدمة المناسبة في استشراف ما يحمله إلى المنطقة العام 2016 لكن أي كلام متفائل في الظروف الراهنة ضرب من الغباء. فالمنطقة الآن، شئنا أم أبينا، في حرب حقيقية متعّددة الأوجه. إن أي صاروخ باليستيُيطَلق من مخابئ الحوثيين وميليشيا علي عبد الله صالح في جبال اليمن مستهدًفا المدنيين في المدن والقرى في جنوب المملكة العربية السعودية يثبت أن التدخل العسكري الخليجي دعًما للشرعية كان أكثر من ضروري، بل ثمة من يقول إنه ربما تأخر قليلاً عن الوقت الأنسب. كذلك يؤكد تطبيق مخّطط التبادل السكاني بين ريف دمشق السّني وجيوب ريف حلب وإدلب الشيعية، الذي فرضه «الحرس الثوري الإيراني» المحتل مع شراذمه العراقية واللبنانية والأفغانية في أراضي سوريا، بالتنسيق مع احتلال الطيران الحربي الروسي سماءها، أن أي كلام عن تسوية سياسية ما عاد سوى شكل من أشكال ذّر الرماد في العيون. ثم إن الدور الذي يلعبه «الحشد الشعبي» في العراق، مشكلا العمود الفقري للقوة الميدانية المتكلمة باسم السلطة الشرعية، يوضح بما لا يدع مجالاً للشك دور إيران المركزي في القرارات السياسية والأمنية في بغداد. ولقد جاءت معركة «تحرير الرمادي» (من تنظيم داعش) بكل أبعادها المعلنة وغير المعلنة، وأيًضا إثارة قضية العسكريين الأتراك في شمال البلاد على مستوى جامعة الدول العربية، مؤشرات أخرى إلى أن «العراق الجديد» الذي صنعته واشنطن عام 2003 بحجة «أسلحة الدمار الشامل» في ترسانة صدام حسين لا يختلف عن «سوريا الجديدة» التي ترسم خريطتها واشنطن وموسكو وطهران عبر استخدام «داعش» واستغلاله. إيران، المحّررة من الحصارين العسكري والمالي الأميركي، تتصّرف اليوم كـ«إسرائيل ثانية» أكبر حجًما وأبعد طموًحا، متنّطحة لرسم حدود جاراتها، وتحديد سقوف سياداتها، و«فبركة» زعاماتها، ثم تتشّدق بعد ذلك بحقوق الإنسان، وتحتكر تعريف «الإرهاب»، وتصادر الإسلام، وتطرح نفسها وكيلاً إقليمًيا للدول الكبرى. وكان من أحدث النماذج التهديدات المرتقبة بعد الإعدامات التي نفذت في المملكة العربية السعودية بعدد من الُمدانين من السّنة والشيعة بالتحريض على الإرهاب والفتنة. وكان رّد الفعل مفهوًما لو جاء على صورة انتقادات من جهات لا تطّبق الإعدام – وبالذات بتهم سياسية ومذهبية – لكن أن تأتي من إيران التي تحتل المرتبة الثانية عالمًيا (خلف الصين) في عدد الإعدامات، والتي تتهم الرياض والعواصم الخليجية بدعم الإرهاب والتطّرف «القاعدي» ليل نهار، فهذا مسلك يؤكد أن السلطة الحالية في طهران تخوض حرًبا فعلية ضد جيرانها العرب. وقد لا يطول الوقت قبل أن يكتشف الكرد والأتراك أطماع إيران في أراضيهم أيًضا.

علامات الاستفهام حول مصير المنطقة ومعادلاتها كثيرة في مطلع العام 2016. وكذلك الحقائق على الأرض. لكن مع استمرار الجدل حول ما إذا كان التدّخل الروسي في سوريا جاء لكبح إيران أم أنه أتى للتكامل مع مشروعها المواَفق عليه أميركًيا وإسرائيلًيا وأوروبًيا، من الواضح أننا أمام حقيقتين مهمتين: الحقيقة الأولى، أن الوجود الروسي السياسي والعسكري في شرق المتوسط أضحى حقيقة واقعة مع كل ما يستتبعه ذلك من تأثير سلبي على دور تركيا. ثم إن في سياسات واشنطن وإيحاءاتها مؤّشرات قوية إلى أنها تقف جدًيا ضد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وتسعى لإضعافه، بالتوازي مع مباركتها الصعود الإيراني والسعي الاستقلالي الكردي. هذا على الأقل ما يمكن قراءته من موقف حلف شمال الأطلسي (الناتو) البارد إزاء دعم أنقرة بعد واقعة الطائرة الحربية الروسية، وهذا ما يستشّف أيًضا من الدعم الأميركي السخي المستمر للأكراد.. الذي لا يقارن بالنزر اليسير الذي قيل إن المعارضة السورية المعتدلة حصلت عليه. والحقيقة الثانية، أن في الولايات المتحدة، المنخرطة في حملة انتخابات الرئاسة المقبلة، جهات متخّصصة منهمكة بإطلاق «تسريبات» – أزعم أنها مدروسة بعناية – لها حساباتها السياسية، بل حتى الحزبية. ولا شك أن تسريبات جريدة «وول ستريت جورنال» عن محاولة واشنطن «ترتيب» انقلاب على بشار الأسد مثيرة وقد تخّفف الضغط على الرئيس باراك أوباما كشخص وعلى مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. إلا أن تسريبات سايمور هيرش (صديق الأسد وحزب الله) عن «التنسيق الأمني» الاستخباراتي الأميركي مع الروس والإسرائيليين والألمان دعًما للأسد من دون علم البيت الأبيض أكثر إثارة بكثير.. ولعل ضمن اعتباراته تبرئة أوباما من تهم التخاذل والترّدد وخيانة السوريين والاستسلام لموسكو وطهران كما يتهمه خصومه الجمهوريون. السؤال المنطقي حيال مثل هذه التسريبات، بجانب التساؤل عن هوّية المستفيد منها، هو لماذا الآن؟ في ضوء الواقع على الأرض في سوريا، معظم ما ورد في رواية هيرش صحيح بغّض النظر عن «وجود مؤامرة» أم لا، لكن لماذا يكشف المستور الآن بعد تغّير الواقع على الأرض؟ وكيف استمرت لمدة سنتين التصريحات والمؤتمرات والمناورات ودورات التدريب والتسليح الخادعة؟ في أي حال، الشرق الأوسط يواجه ما نرى من مصاعب وأزمات.. وكلها حاد ومصيري، تستوجب التعاطي الواقعي من دون أوهام. وستوفر «النقاط الساخنة» كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، بجانب فلسطين طبًعا، اختبارات مبكرة للقدرات بعد انكشاف النيات. وإذا ما واصل الروس ضرباتهم العسكرية في سوريا لتغيير المعادلات قبل مباحثات التسوية الموعودة، واستمر الرهان الأميركي على حكومة حيدر العبادي في العراق كطليعة لـ«مكافحة الإرهاب»، وولغت إيران عبر الحوثيين وأدواتها المحليين أكثر فأكثر بدماء الأبرياء في اليمن والخليج والعراق وبلاد الشام.. فإن حسم المعركة ضد الإرهاب سيطول ويغدو أعلى كلفة.

المصدر : الشرق الأوسط

أخبار سوريا ميكرو سيريا