الأعشاب وبقايا القمامة ولحوم القطط المتبقية طعام أهالي مضايا الذين يموتون جوعاً

المصدر – آدم ملحم

لأيام طويلة خلت لم يكن لدى عائلة أم محمد مايكفي أبناءها من الطعام، في تلك البلدة التي تدخل شهرها السابع من الحصار، والغافية قرب سهل الزبداني، راحت تسكب لهم ماتغليه من الحجارة والأعشاب في قدر صغير، فيأكل من أطفالها من لايعرف ماذا يأكل، ويأبى آخرون أن يأكلوا، ولأن العائلة لاتعيش في زمن الخليفة العادل الذي سيجوب شوارع المدينة بحثاً عن الجائعين، فيجدها ويطعمها، لم يكن لدى أم محمد أي أمل تلقي به على الأفق الصغير، سوى المزيد من البحث في القمامة عن قطع صغيرة من الخبز، تدفىء جوف أطفالها.

تقول أم محمد إن الحياة هنا تبدو مستحيلة، وجل مايمكن فعله هو انتظار الموت الرحيم في هذه البلدة المحفوفة بالقسوة وعلامات الجحيم، نعم إنه الحصار حيث ينتظر الجميع موتهم البطيء، ذاك الحصار الذي تفرضه قوات النظام والميليشيات التي تقاتل بجانبها، منذ الأول من شهر تموز، محولة البلدة إلى معتقل كبير تحيط به الأسلاك الشائكة والألغام، دون السماح لأي صنف من أصناف الطعام بالدخول إلى البلدة، ليجد الناس أنفسهم بلا طعام أو مساعدات طبية، ويتحول الأطفال إلى أشباح يجوبون شوارع البلدة بحثاً عما يمكن اكله.

وتعود قصة الحصار إلى إعلان النظام مدعوماً بميليشيا حزب الله اللبناني بدء الحملة الأمنية على الزبداني، وإخفاقه لشهور عديدة من إحراز أي تقدم هناك، مادفع به إلى فرض حصار خانق على مضايا، خاصة بعد أن هرب العديد من أهالي الزبداني إليها بمساعدة من الثوار هناك، ولم تكن مضايا هي البلدة الأولى التي تشهد مثل هذا الحصار الخانق، بل باتت سياسات الحصار هي السياسة الأولى التي يتبعها مع البلدات الخارجة عن سيطرته، بغية فرض هدنة على السكان هناك، غالباً مايكون هو الطرف الأقوى فيها.

وتروي شهادات حية جرى الاستحصال عليها من المحاصرين، كيف يمتنع العديد من الأباء والأمهات عن الطعام لأطول مدة ممكنة، لادخار الطعام لإطفالهم، وكيف بات السكان يعيشون على لحم القطط وكل مايمكن أكله من الأعشاب والقمامة، وكيف باتت النساء ترضع الأطفال محلول النشاء وأوراق الشجر.

ونقل ناشطون من الداخل صوراً قالوا إنها لأشخاص ماتوا بفعل الجوع والحصار، تبدو فيها علامات الموت جوعاً واضحة للعيان، مؤكدين على أن أكثر من عشرين لغم أرضي انفجروا مخلفين العديد من الوفيات عند محاولة بعض الأفراد الخروج من البلدة لتأمين العذاء وسط انتشار حالات الإغماء بسبب سوء التغذية وعدم تناول الطعام يوميا.

وقال الناشطون أن أسعار أقرب ماتكون إلى الخيالية تهيمن على السلع الغذائية الأساسية في البلدة، إذ وصل سعر كليو البرغل إلى 70000 ألف ليرة سورية، وكيلو السكر إلى 60000 ألف ليرة سورية، والزيت إلى 70000 ألف ليرة.

وكان ناشطون مدنيون قد أطلقوا حملة إغاثية كبيرة لإنقاذ المدنيين المحاصرين في بلدات مضايا والزبداني، وقالوا إنها الحملة الأولى من نوعها ولاتنتمي لأي فريق وتهدف إلى تأمين المساعدات المالية والغذائية لسكان البلدة.

بموازة ذلك طالبت العديد من التظاهرات المدنية التي أنطلقت في عدد من المدن والبلدات السورية، بفك الحصار عن البلدة المنكوبة وإنقاذها أهلها وأطفالها، داعين قوات النظام إلى استهداف قراهم مقابل وقف الجوع عن أطفال مضايا، مستنكرين بذات الوقت صمت الجامعة العربية والأمم المتحدة والمنظمات العاملة بحقوق الإنسان تجاه مايحدث في مضايا من هذا الوضع بالمأساوي .