تعديل الدستور الجزائري.. الشعب متفرجًا

لا ينتهي الجدل السياسي في الجزائر إزاء عديد التطورات السياسية الراهنة في البلاد، وآخر مثارات الجدل تدور حول قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طرح مسودة تعديل دستوري على البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني) و(مجلس الأمة) بدلًا من طرحه على استفتاء شعبي. لكن حسابات كثيرة تقف وراء لجوء الرئيس بوتفليقة إلى آلية التعديل الدستوري عبر البرلمان عوضًا عن الاستفتاء، برغم أن مسودة التعديلات تتضمن تغييرات جوهرية للدستور.
تضم مسودة التعديلات الدستورية في الجزائر، تعديلات بارزة مثل تعديل المادة 74 المتعلقة بالعهدات الرئاسية وتحديد الولاية الرئاسية بولايتين فقط
بعد ثلاث سنوات من إعلان عزمه تعديل الدستور، انتهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، نهاية شهر ديسمبر الماضي، إلى التوصل إلى مسودة التعديلات الدستورية كانت قد جرت بشأنها جولتا مشاورات مع القوى السياسية والمدنية والشخصيات الوطنية، تمت الأولى في أيار/مايو 2012 التي أشرف عليها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح وجولة المشاورات الثانية التي جرت في حزيران/يونيو 2014 والتي أشرف عليها رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحى، والتي قاطعتها أحزاب وقوات المعارضة السياسية والمدنية بسبب اعتراضها على آلية التعديل الدستوري وشكوكها في جدية السلطة بشأنها. مسودة التعديلات الدستورية تتضمن تعديلات جوهرية وعميقة أبرزها تعديل المادة 74 المتعلقة بالعهدات الرئاسية وتحديد الولاية الرئاسية بولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وإنشاء لجنة لمراقبة الانتخابات وزيادة ثابت من ثوابت الأمة المصالحة وتفويض جزء من صلاحياته إلى رئيس الحكومة ما يعني نقل صلاحيات من مؤسسة الرئاسة إلى المؤسسة الحكومية وتتضمن توسيع هامش المشاركة السياسية للمعارضة في البرلمان، وتفعيل المؤسسات الرقابة الدستورية على عمل الحكومة والمؤسسات الرسمية، وإلزام رئيس الحكومة بالمثول أمام البرلمان مرتين في السنة لمراقبة عمل الحكومة، وإلزام نواب البرلمان بالتفرغ كلية لممارسة عهدة البرلمانية، وتجريد كل نائب برلماني من عهدته النيابية في حال تغيير الانتماء السياسي الذي انتخب بعنوانه علاوة على اعتبار المصالحة الوطنية من ثوابت الأمة، ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية الصحافة مضمونة، ومنع كل أشكال الرقابة الردعية المسبقة ومنع الاعتقال الإداري وأماكن الاحتجاز السرية. الدستور الجزائري ينص على أنه في حال كان مقترح التعديل الدستوري له طابع عميق وجوهري ويمس بالتوازنات والعلاقات الوظيفية بين المؤسسات الرسمية للدولة فإنه يتعين على رئيس الجمهورية وجوبًا طرحها على استفتاء شعبي، لكن الرئيس بوتفليقة قرر طرح مسودة التعديل على غرفتي البرلمان في جلسة مشتركة (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، وبالآلية نفسها التي صادق فيها على التعديل الأول عام 2003 والذي تضمن تحديدًا ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، والتعديل الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، والذي كان يستهدف إلغاء المادة التي تحدد الولايات الرئاسية بولاية واحدة تجدد مرة واحدة فقط، والتي كانت تعيق ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات نيسان/إبريل 2009. اللافت أن التعديلين السابقين في 2003 و2005، لم يكونا على مستوى جوهري كبير، لكن التعديل المطروح حاليًا على البرلمان يتضمن تعديلات جوهرية كان يفترض وفق النص الدستوري طرحها على استفتاء شعبي ليظل السؤال الجوهري يتصل بالخلفيات التي دفعت الرئيس بوتفليقة إلى تجنب استفتاء شعبي حول التعديلات المقترحة. أبرز القراءات السياسية حول التعديلات المقترحة للدستور الجزائري تشير إلى أن مشكلات تتعلق بالغليان الاجتماعي، تقف وراء تجنب الرئيس بوتفليقة الذهاب إلى آلية الاستفتاء على التعديلات الدستورية عن طريق استفتاء شعبي، إذ تشهد الجبهة الاجتماعية غليانًا كبيرًا نتيجة ارتفاع الأسعار، وتدابير التقشف التي اتخذتها الحكومة المتضمنة في قانون الموازنة لسنة 2016.
 مشكلات تتعلق بالغليان الاجتماعي تقف وراء تجنب الرئيس بوتفليقة الذهاب إلى آلية الاستفتاء على التعديلات الدستورية عن طريق استفتاء شعبي
وفي السياق يعتقد المتابع للشأن الاجتماعي في الجزائر الإعلامي ياسين محمدي بأن "السلطة تتخوف من أن تكون نسبة المقاطعة كبيرة في الاستفتاء الشعبي على خلفية الغليان المجتمعي وعدم استعداد الجبهة الاجتماعية للتغييرات السياسية بسبب الزيادات في أسعار المواد الأساسية وسياسة التقشف والتسريح من الوظائف واستمرار مشكلات السكن والبطالة الخانقة في الجزائر بالرغم من الأرقام التي تتحدث عن إنجاز الآلاف من الوحدات السكنية وخلق الآلاف من المناصب". وأشار محمدي إلى أن "عرض التعديلات على البرلمان كآلية للتصويت ستكون في صالح السلطة في الجزائر، وتضع الرئيس بوتفليقة في أريحية حيث تملك أحزاب السلطة الأغلبية المطلقة في البرلمان وهو ما يعني أن المصادقة على التعديلات ستكون مطلقة". وعلاوة على المخاوف الاجتماعية بالنسبة للسلطة إزاء التعديل الدستوري، فإن المعوقات السياسية تبدو عامًلا آخر في التوجه نحو تمرير مسودة الدستور الجديد عبر البرلمان بدلًا من آلية الاستفتاء الشعبي، إذ تشهد الساحة السياسية تشنجًا كبيرًا بعد استعادة المعارضة السياسية لتوحدها على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية، والتي تكتلت في تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي لزمام المبادرة في الفترة الأخيرة وتطابق مواقفها مع مواقف القوى المدنية والشعبية إزاء إخفاق السلطة في تحسين الظروف الاجتماعية أو إنجاز إقلاع اقتصادي، وكذا فضائح قضايا الفساد التي باتت تنخر الاقتصاد الجزائري. ويعتقد أستاذ العلوم السياسية محمد السعيد الوافي بأن الرئيس بوتفليقة سيذهب بالتعديلات الدستورية المنتظرة إلى البرلمان لأن المناخ السياسي من منظور مؤسسة الرئاسة الجزائرية "لا يساعد" على فتح باب الاستفتاء الشعبي خصوصًا أن الساحة السياسية تعيش حالة شد وجذب كبرى لا تساعد ولا تشجع أيضًا على إجراء استفتاء شعبي حول تعديلات وثيقة الدستور. وأضاف الوافي بأن هناك عاملًا أساسيًا أيضًا دفع بالرئيس إلى اتخاذ قرار تمرير الوثيقة الدستورية الجديدة على البرلمان يتعلق بـ"المعارضة السياسية في الجزائر والتي أصبح موقفها أكثر وضوحًا بالنسبة للشعب الجزائري" مقابل تراجع وخيبة الخطاب السياسي لقوى الموالاة وأحزاب السلطة التي فقدت الكثير من نسب القبول لدى الشعب الجزائري. وأوضح المتحدث بأن "الرئيس بوتفليقة يريد كسب رهان التعديلات المنتظرة من خلال البرلمان بغرفتيه عوض الاستفتاء". وبالرغم من أن الرئيس بوتفليقة تعهد بتعديلات جوهرية تمنح إضافة جدية للفعل السياسي في البلاد، إلا أن هناك من يرى أن هذه التعديلات لن تأتي بجديد على صعيد التغيير السياسي والمشهد الديمقراطي في الجزائر، حيث يرى لخضر رزاوي إعلامي متتبع للشأن السياسي أن الدستور الجزائري لا يمكن أن ننتظر منه شيئًا لأنه شهد العديد من التعديلات على مدى فترات كثيرة قائلًا: "أصبح لكل رئيس جزائري دستور خاص به"، مضيفًا أن الرئيس بوتفليقة وعد بإصلاحات جذرية في التعديلات الدستورية المرتقبة الا أن تمريره على البرلمان دون عرضه على استفتاء شعبي سيكون خطوة استباقية لطرح دستور على المقاس. ما يحدث في الساحة السياسية في الجزائر يبدو أنه يتحرك في دائرة مغلقة بعيدة عن الشارع الجزائري، فالمواطن العادي وبحسب المتتبعين غير مهتم بالتعديل الدستوري لأسباب عديدة أهمها الشرخ الحاصل بين الفاعل السياسي والمواطن الذي فقد الثقة في كل ما له علاقة بالسياسة وانحصرت اهتماماته بالقدرة الشرائية والوضع الاجتماعي أمام توقعات بسنة عصيبة.