عيسى الشعيبي يكتب: 100 يوم من التدخل الروسي



عيسى الشعيبي

من المرجح أن تكون القيادة الروسية العليا قد قامت، وراء أبواب مغلقة، بعملية مراجعة وتقويم صامتة لسير حملتها الجوية في سورية، ومن ثم إعادة تقدير الموقف بعد مرور مئة يوم، هي جل المدة المعلن عنها سلفاً لتحقيق الأهداف السياسية المرجوة من وراء أول تدخل عسكري يقوم به الكرملين خارج نطاق المجال الحيوي الروسي.
لم تصارح القيادة الروسية شعبها بالحقائق الصادمة، وهو أمر لم تعتده قبلا، ولم تطلع الرأي العام على مدى نجاعة غاراتها المكثفة، الأمر الذي أتاح للمحللين القيام عنها بهذه المهمة، بالاعتماد على الحقائق المتاحة عن سير العمليات العسكرية، وليس بالاستناد إلى “البروباغاندا” التي تصدح بها ماكينة الدعاية الروسية، بلغة خشبية بالية.
بداية، يسجل لهذه الحملة، التي لم تواجه باعتراض غربي أو عربي رسمي، أنها أوقفت حالة الانهيار في صفوف قوات الأسد، ورفعت من روحها المعنوية. كما أدت من دون ريب إلى خلق حراك دبلوماسي أفضى إلى صدور أول قرار دولي، بالإجماع، حول المأساة السورية، إلى جانب أنها عطلت الخطة التركية لإقامة منطقة آمنة.
غير أن هذه النتائج، على أهميتها، تبدو أخف بكثير من وزن الحملة الروسية الثقيلة، التي تضمنت استخدام الطائرات الاستراتيجية، والصواريخ الباليستية، والمدمرات البحرية، في مشهد بدا وكأنه حملة ترويجية للتقنيات العسكرية الحديثة، إن لم نقل إنه استعراض للعضلات أمام أميركا، أكثر من كونه حاجة تتطلبها مقتضيات المعركة، لاسيما بعد إدخال منظومة الدفاع الجوي “S400”.
وبالتدقيق أكثر في المحصلة غير النهائية، نجد أن روسيا بعد مئة يوم، ما تزال تراوح مكانها، بين إنجازات تكتيكية متفرقة، وضربات موضعية مدمرة، ولكن من دون قيمة عملانية حاسمة، ناهيك عن جملة من الاستعصاءات، وأحيانا بعض التراجعات على الأرض، جراء عجز قوات الأسد عن استثمار التغطية الجوية، الأمر الذي جعل الحصيلة متواضعة حقا، بمعايير حروب الدول الكبرى.
قبل أن تفقد الحملة الروسية زخمها بسرعة، كانت قد خسرت مفاعيل الضربة الجوية الأولى، خلال أول 24 ساعة كانت فاصلة لتحقيق المفاجأة، وكسرالمعادلة، وإحداث الفارق النوعي؛ إذ لم تتمكن الغارات الكاسحة من تغيير قواعد اللعبة، وتبديل مسار الحرب، على نحو يقلب الموازين والطاولة ومسرح العمليات، وفق الأداء العسكري المتوقع من دولة كبرى، تحدث الحسم الاستراتيجي بسرعة، وتملي نفسها قوة عظمى مقررة، وتضع الأطراف المعنية أمام حقائق نهائية.
وبمحاكمة النتائج السياسية الأولية لهذا التدخل ذي النتائج الكمية لا النوعية، نرى أن وقف الانهيار في قوات الأسد لم يمنح هذه القوات المنهكة القدرة على القيام بهجوم عكسي شامل، وتحقيق مكاسب ميدانية فارقة. فمحافظة إدلب ظلت خارج السيطرة مثلاً، ناهيك عن الغوطتين وريف اللاذقية، فيما بقيت الجبهة الجنوبية على حالها، رغم عشرات الغارات الجوية، يومياً، على بلدة الشيخ مسكين وجوارها.
حتى إن المكسب الدبلوماسي الروسي، وفق ما بدا عليه في فيينا ونيويورك، تحقق أساسا بفضل الرخاوة الأميركية، وخلق وهم الحركة، وأطال أمد الحرب، وعقد الأزمة؛ إذ من غير المرجح أن تؤدي العودة لمفاوضات جنيف، إلى تحقيق اختراق مأمول، طالما أن كل الأطراف ما تزال تراهن على الحسم العسكري، وأن الرؤية الروسية للحل لم تُقبل بعد من المعارضة وتركيا والسعودية.
وليس صدفة أن تتستر موسكو على الحصيلة المتواضعة للمئة يوم الأولى، وأن تستعيض عن ذلك بخطاب إعلامي يثير السخرية، يتحدث فيه الناطق العسكري عن 5500 غارة، قضت على آلاف مراكز التدريب للمقاتلين الأجانب، وعشرات آلاف مصانع القنابل، ودمرت “بدقة كاملة” مئات غرف العمليات التابعة لـ”داعش”، في الوقت الذي تبيّن فيه المقاطع المصورة أنها طالت عشرات المشافي الميدانية والمدارس والأسواق والمساجد.
لهذا كله، يتفق معظم المحللين على أن الحملة الروسية العالقة، باتت تواجه تحديين كبيرين؛ أولهما، تحدي عامل الزمن الذي يفلت من بين أيدي موسكو كالماء، ويهدد بجرها إلى حرب مفتوحة تعيد إلى ذاكرتها الورطة الأفغانية المميتة. وثانيهما، تحدي إنجاز ما عجز عن إنجازه التحالف الأميركي في العراق وسورية طوال نحو عامين، وهو أمر أدى على ما يبدو إلى خلو الخطاب الديماغوجي، مؤخرا، من النبرة الواثقة بتحقيق نصر سريع بضربة واحدة.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا