خالد غزال يكتب: في البدء كان الإرهاب



خالد غزال

في حصار مدينة مضايا السورية من جانب النظام والميليشيات التابعة له، علت الصيحات مستنكرة هذا الإرهاب الذي يستخدم التجويع لتركيع السكان، شيوخاً وأطفالاً. إن وصم هذا النظام بالإرهاب في هذه الحادثة، امتداد لما ارتكبه نظام الأسدين، الأب والابن، على امتداد تاريخهما السلطوي منذ انقلاب الأب في 1970. فتاريخ هذا النظام مدموغ بشتى أنواع الإرهاب، منذ أن أبصر النور حتى اليوم.

الإرهاب بنيوي في النظام الأسدي، يستند الى أيديولوجيا مناقضة في طبيعتها للحريات السياسية ولحق العمل الحزبي المستقل، كذلك لحق المجموعات التي يتكوّن منها المجتمع السوري. منطق قومجي شوفيني يعتمد على القهر الطائفي والمذهبي، ويعطي لحكمه أبعاداً تتصل بادعاءات الصراع مع العدو الصهيوني، مبرراً مسلكه العنفي والقمعي بأولوية المعركة ضد الخارج، تحت شعار قومجي متناسل من أنظمة عربية أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

قد يكون هول الإرهاب والمجازر التي حصلت في السنوات الخمس الأخيرة، قد أنسى الشعب السوري مسلك النظام منذ قيامه. بدأ النظام عهده بتصفية من يراهم معارضين لحكمه من رفاقه في حزب البعث. فزجّ بهم في غياهب السجون، وقتل بعضهم اغتيالاً في الداخل، وطارد آخرين خارج الأراضي السورية. بعدها، سلّط أجهزة قمعه على الشعب السوري، فبثّ الرعب في أبنائه، ونشر أجهزته المخابراتية في كل مكان، وبات الأخ لا يثق بأخيه ولا الأب بابنه. فامتلأت السجون السورية بآلاف المعتقلين، الذين مات قسم كبير منهم تحت التعذيب، ومن خرج كان مصاباً بإعاقات دائمة. لم يقتصر إرهابه على الشعب السوري، بل طاول الشعبين اللبناني والفلسطيني على النسق نفسه الذي استخدمه مع مواطني بلده.

على رغم هول المجازر التي يراها المواطن يومياً، فالشعب السوري لم ينسَ حتى اليوم ما ارتكبه هذا النظام من مجازر في مدينة حماه وجوارها في مطلع ثمانينات القرن الماضي. كانت مجازر حماه «الهولوكوست العربية» بكل معنى الكلمة. دمرت الأسلحة السورية بمختلف أشكالها الأحياء والبيوت، ومسحت المدينة بمبانيها فسوّتها أرضاً، فقتل عشرات الآلاف من الصغار والكبار والشيوخ، وتجاوز العدد الخمسين ألفاً في أيام معدودات. أفاد النظام من التعتيم الإعلامي والتواطؤ الدولي على طبيعة المجزرة المنفذة، وهو الفارق بين زمننا الحاضر حيث يصعب إخفاء التدمير وضحاياه.

مع مطلع القرن الجاري، وبعد أن غيّب الموت الأسد الأب، وانتقلت السلطة بما يشبه انقلاباً الى الابن، أشيع أن «ربيعاً» قادماً على الحكم في سورية، مع رئيس عاش قسماً من حياته في بلد أوروبي يعتمد الديموقراطية أساساً للحكم. لكن الحلم بالتغيير سرعان ما تبدد، بل ظهر أنه أضغاث أحلام، فعاد الأسلوب القديم في التعاطي مع الشعب السوري الى سابق عهده.

مع انطلاق الانتفاضة في 2011، سيبدع النظام في إرهابه لشعبه. على امتداد أشهر، كانت التظاهرات الحاشدة ترفع شعاراً ثابتاً: «سلمية، سلمية»، فيما كانت أجهزة الأمن تطلق الرصاص على المتظاهرين، وفي كل تظاهرة كان القتلى يتزايدون. كان النظام مصمماً على قمع الحراك، وكان يخطّط لاستدراج المتظاهرين الى الرد بالسلاح، لتتحوّل التظاهرات ساحات احتراب غير متكافئة القوى. نجح في مخططه، فالدم يستسقي الدم، وأمام هول استخدام الرصاص، بدأت ردود الفعل الموازية. استكمل النظام مخططه بخلق منظمات إرهابية كان أبرز رموزها «داعش» الذي خصّص قتاله ضد المعارضة السورية. وبسرعة تحوّلت سورية أرض اجتذاب لمنظمات إرهابية من جانب النظام والقوى الإقليمية، هكذا باتت سورية أمام إرهاب الدولة ومعها الميليشيات التابعة لها، مقابل منظمات إرهابية تمارس الأسلوب نفسه.

مع تواصل الانتفاضة، استذكر الأسد الابن ما كان الأب لجأ إليه لقمع انتفاضة مدينة حماه، فسلّط على الشعب السوري البراميل المتفجرة، واستخدم كل ما في ترسانته العسكرية لتدمير سورية وبناها التحتية، ولم يتوان عن استخدام الأسلحة الكيماوية في أكثر من منطقة، ناهيك بالحصار المتواصل للمناطق الخارجة عن سيطرته. إذا كانت مجازر حماه حصدت عشرات الآلاف، إلا أن النظام تسبّب بمقتل ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف مواطن سوري، وشرّد نصف سكان سورية، بما يمكن وصفه بأنه جرائم ضد الإنسانية لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

بعد هذه الإشارات الى مسار حكم البعث، هل يأتي حصار مدينة مضايا ومحاربة أهلها بالتجويع خارج مألوف الممارسة المتّبعة؟ بالتأكيد لا. أما التحرك الدولي لمواجهة جريمة كالتي حصلت، فلم يكن مختلفاً عن سلوكه عندما استخدم النظام الأسلحة الكيماوية، أي اللامبالاة. فحقوق الإنسان لم تعد في الواقع حقوقاً، خصوصاً عندما يتّصل الأمر ببلد من غير بلاد الغرب.

المصدر: الحياة

أخبار سوريا ميكرو سيريا