العراقيون يبحثون عن مصادر ثقة للأخبار


عشرات المحطات التلفزيونية ومثلها صحف محلية وعشرات المحطات الإذاعية أيضاً، تنتشر في العراق، وتعمل على رصد ومتابعة التطورات على الساحة العراقية، في مختلف المجالات، لكنها وبرغم كثافتها العددية، بات العراقيون يرونها مصادر لا تنقل الحقيقة إليهم. وبات العراقيون، وسط الأحداث المرتبكة أمنياً التي يمرون بها، ثم اقتصادياً حيث دخلوا في تقشف اضطراري، نتيجة هبوط أسعار النفط وما ترتب عليه من ضعف الموازنة، التي تؤكد التقارير المختصة، أنها ستُدخل العراق في انهيار اقتصادي كبير، يبحثون عن مصادر أخرى ناقلة للخبر، يتقصون خلالها الحقائق.

تطور التكنولوجيا ساهم كثيراً في ولوج العراقيين إلى المواقع الإلكترونية، التي تنقل الكثير منها أخباراً تنافي ما تطرحه وسائل الإعلام المحلية، وهو ما يبحث عنه العراقيون، فما يعيشونه واقعاً يخالف كثيراً ما يطرحه الإعلام المحلي الذي يتهمونه بـ”الموالاة للحكومة”.

ويقول الصحافي خالد سلمان، الذي يعمل في الصحافة المحلية، إنّ مبيعات الصحف انخفضت بشكل كبير، وهو ما يؤكد ابتعاد المواطن عن متابعة وسائل الإعلام المحلية، مشيراً في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أنه في استقصاء شارك في إعداده، تبين أن “المواطنين بدأوا يفقدون الثقة بوسائل الإعلام المحلية، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية”. ويقول سلمان إن “الآراء كشفت عن عدم مقاربة ما تنقله تلك الوسائل الإعلامية للحقيقة” لافتاً إلى أن المستطلعة آراؤهم “أكدوا أنهم يثقون أكثر بالمواقع الإلكترونية لمعرفة ما يدور في الساحة العراقية”.

مواطنون بينوا لـ”العربي الجديد” أن ما يرونه من قتلى يستمر تشييعهم بشكل يومي محمولين من ساحات القتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ينافي ما تعلن عنه القوات الرسمية في وسائل الإعلام المحلية، من أن “داعش تكبد خسائر وأن القوات الحكومية لم تفقد سوى أفراد قلائل” وهو ما لفت إليه سليم عناد الذي قُتل ولده وثلاثة من أبناء إخوته في غضون شهرين بمعارك في تكريت وبيجي (محافظة صلاح الدين شمال العراق). وقال عناد لـ”العربي الجديد” إن ولده كان جندياً في الجيش وأبناء إخوته كذلك، مبيناً أن “عدداً كبيراً من الجنود قتلوا في إحدى معارك تكريت منذ نحو عام، وهو ما لاحظته في المقبرة حيث شيع حينها العشرات من الجنود خلال يومين” متسائلاً “كيف لنا أن نثق بالإعلام الذي يقول خلاف ما يجري؟”.

مجيد السعدي من جهته، يؤكد أن ولده المقاتل في صفوف الحرس الوطني العراقي، هرب من إحدى المعارك، والسبب بحسب قوله، كان هجوماً قوياً ومباغتاً من قبل “داعش”، وذلك في معركة بالأنبار-غرب العراق-منذ نحو ستة أشهر. ويواصل السعدي حديثه بأن ولده “أكد مقتل عدد كبير من زملائه، وهروب الضباط من أرض المعركة” لكن، والحديث للسعدي، “ذكرت وسائل الإعلام أن القوات العراقية تمكنت من صد هجوم لداعش وتكبيدهم خسائر بالأرواح والآليات” في إشارة للهجوم نفسه، وأردف متعجباً “هل يعقل هذا! هذا ما يجبرنا على تقصي الأخبار من مصادر أخرى”. وأشار السعدي إلى أن “بعض المواقع الإلكترونية المعارضة للحكومة العراقية تنقل أحداثاً واقعية، هي قريبة للمعقول، ربما بعضها لا يذكر الانتصارات التي تحققها القوات الحكومية، لكنها توضح حقائق تغض عنها القنوات المحلية الطرف”.

وأشار مواطنون إلى أن ما تقوله الحكومة العراقية حول وضع خطط لمنع حصول انهيار اقتصادي بسبب تدهور أسعار النفط، “كذب يراد به إسكات الشارع” وهو ما ذهب إليه فهد عبد الحميد (48 عاما)، والذي يقول لـ”العربي الجديد” إن بعض الصفحات الشخصية لإعلاميين عراقيين وعرب، على “فيسبوك” و”تويتر” وأيضاً مواقع إخبارية تدار من قبل شخصيات معارضة للحكومة “تنقل الكثير من الحقائق، وتبين المصير الذي سيذهب إليه العراق، خاصة ما يؤكده خبراء في مجال الاقتصاد والسياسة على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يراها “أكثر مصداقية من وسائل الإعلام المحلية”. لكن وبالرغم من متابعته لها، يؤكد عبد الحميد أنها “تبث أحياناً بعض الأكاذيب، فالمواقع الإخبارية، وبعض الشخصيات تعمل لصالح سياسات معينة”.

فيما يتأكد صالح رشيد (34 عام) من صحة الأخبار بالاعتماد على مواقع صحافية يتابعها عبر “تويتر”، لافتاً في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن “الكثير من العراقيين صاروا يدركون جيداً الأخبار الكاذبة من الحقيقية؛ فنحن نعيش وسط الأحداث ونعلم جيداً ما يجري”. ويضيف: “ربما ما جرى في المقدادية (قضاء في محافظة ديالى شمال شرق العراق) خير دليل على ما أقول”، موضحاً أن “الحكومة العراقية كذبت ما تناقلته جميع وسائل الإعلام التي تبث من خارج العراق، ونفت صلة المليشيات بعمليات قتل وتفجير مساجد”. لكن رشيد يؤكد أن له أقارب وأصدقاء في المقدادية “تعرضوا لتلك الانتهاكات”، موضحاً بالقول “كنت على اتصال بهم، وأكدوا أن المليشيات فرضت عليهم الحصار وكانت تقتحم المنازل وتعتقل وتقتل الشباب لأسباب طائفية”.

المصدر: العربي الجديد