العار الأمريكي في سوريا


روجر كوهين

أصبحت سياسة الرئيس بوتين في سوريا واضحة للغاية في الوقت الذي تتقدم فيه عمليات تطويق مدينة حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة حاليا واندفاع عشرات الآلاف من المدنيين السوريين في اتجاه الحدود التركية. وسياسة بوتين مفادها ترسيخ النظام الوحشي لبشار الأسد من خلال السيطرة على الأجزاء المفيدة من الأراضي السورية، وقصف المعارضة السورية المعتدلة بهدف تركيعها، والحيلولة دون أي احتمال لتغيير النظام من جانب الغرب، واستخدام الثرثرة الدبلوماسية في جنيف كغطاء لتغيير الحقائق على أرض الواقع، إلى جانب تعزيز قوة الجيش الحكومي السوري حتى مستوى مواجهة المعقل المنيع لتنظيم داعش في يوم من الأيام.

والشيء المثير للقلق هنا هو أن سياسة بوتين بشأن سوريا أصبحت عصية على التمييز من سياسة أوباما حيالها.

وبالتأكيد، لا تزال إدارة أوباما تسدد الضرائب الكلامية الجوفاء لفكرة أن الأسد جزء من المشكلة السورية وليس جزءا من الحل، وأنه إذا كان الرئيس السوري مقدرًا له الاستمرار عبر الفترة الانتقالية السياسية فلن يمكن له أن يستمر في منصبه إلى ما بعدها. ولكن هذه ليست إلا كلمات.

أصبحت حلب الآن، مطوقة بواسطة جيش النظام السوري. والحرب التي أسفرت عن مصرع ربع مليون مواطن، و4.5 مليون لاجئ، إلى جانب نحو 6.5 مليون مواطن من المشردين داخل البلاد، وتسببت في زعزعة استقرار أوروبا من خلال موجة التدفق العارمة للاجئين المرعوبين، باتت على وشك أن ترى حلقة جديدة من الفظائع والفواحش مع اقتراب الهجوم على حلب.

أصبحت حلب قاب قوسين أو أدنى لأن تكون سراييفو السورية. وأعني بذلك أن المحنة الرهيبة التي تشهدها المدينة اليوم تأتي نتيجة للعجز والعشوائية من جانب إدارة أوباما خلال السنوات الخمس الأخيرة. فلقد اختبأ الرئيس الأميركي ومساعدوه في مختلف الأوقات وراء فكرة أن سوريا تمثل أهمية هامشية بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأميركية الأساسية.

أدى الألم السوري الذي ينتاب أوباما، وتساؤلات «ماذا لو؟» المستمرة وتساؤلات «ماذا بعد؟» المتكررة إلى هجمات مفزعة في باريس وأخرى مروعة في سان برناردينو. ولقد ساهمت بدورها في انهيار الأساس الذي يقوم عليه الاتحاد الأوروبي مع إعادة فرض الحدود الداخلية بين دول الاتحاد كرد على موجات اللاجئين المتتابعة دونما توقف، التي استجابت لها الولايات المتحدة باستقبال 2500 لاجئ سوري فقط منذ عام 2012، أو ما يقرب من 0.06 في المائة من إجمالي عدد اللاجئين في أوروبا.

أخبرني دبلوماسي أوروبي كبير قائلا: «أصبحت الأزمة السورية الآن أزمة أوروبية. ولكن الرئيس الأميركي لم يعد يعبأ بأوروبا». وذلك تقييم منصف لأول رئيس أميركي بعد الحرب العالمية الثانية يكون التحالف الأساسي عبر المحيط الأطلسي بالنسبة له شيئًا يمكن تأييده بكل إخلاص بدلا من تبنيه بكل عاطفية.

أصبحت سوريا الآن قضية الخزي والعار لإدارة الرئيس أوباما، والكارثة ذات الأبعاد الكبيرة والتي قد تلقي بظلالها القاتمة على المنجزات المحلية للرئيس الأميركي.

كان قرار أوباما في عام 2013، في الوقت الذي كان فيه تنظيم داعش فيه موجودًا بالكاد، بعدم الالتزام بـ«الخط الأحمر» الأميركي حيال استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية نقطة تحول محورية في المنهج الأميركي، تلك التي قوضت من الكلمة الأميركية المسموعة عالميا، وتسببت في حالة عارمة من الغضب الشديد لدى حلفاء الولايات المتحدة من السنة في منطقة الخليج، وضمنت للأسد عدم إمكانية تعرضه لضربات عقابية صارمة حتى لو لمرة واحدة، وفتحت الباب أمام بوتين ليقرر مصير سوريا وحده. أصبحت سياسة بوتين هي ذاتها سياسة أميركا بسبب أن الولايات المتحدة لم تقدم بديلاً جادًا للأزمة حتى الآن. وكما كتب تي. إس. إليوت بعد ميونيخ في عام 1938 يقول: «لا يمكننا مطابقة الإدانة بالإدانة، ولم تكن لدينا أفكار يمكننا من خلالها مواجهة أو معارضة الأفكار المقابلة لنا». لقد تحولت سوريا إلى مقبرة لعينة للإدانة الأميركية.

لقد فات الأوان، ومن الأوهام المحضة في ذلك أن نتوقع حدوث تغيير كبير في سياسة أوباما إزاء سوريا. ولسوف يطول أمد أوجاع وآلام حلب. ولكن ينبغي على الرئيس أوباما أن يفعل كل ما في وسعه، كما جاء في تقرير من إعداد مايكل اغناتيف من كلية كيندي بجامعة هارفارد، لزيادة أعداد اللاجئين السوريين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة خلال هذا العام إلى 65 ألف لاجئ من الرقم المقترح بـ10 آلاف لاجئ فقط. وكما يشير التقرير: «إذا سمحنا للخوف بالسيطرة على السياسة سوف ينتصر الإرهاب».

العار الأمريكي في سوريا الاتحاد برس.