داعش والأسلحة الكيمائية


ثائر الزعزوع

واشنطن اعتبرت أن نظام الأسد وداعش مرتبطان بشكل كلي، لكنها لم تحرك ساكنا لتغيير هذا الواقع، وقد تكتفي بإجبار داعش على تسليم أسلحته الكيمائية مقابل السماح له بالبقاء والتمدد.

لا يعلم أحد حتى الآن السبب الذي دفع الإدارة الأميركية لإبداء شكوكها في أن يكون تنظيم داعش قد استخدم، ولمرات عديدة، الأسلحة الكيمائية سواء في سوريا أو في العراق، ولتذهب في شكوكها إلى أبعد من ذلك حين قال مدير المخابرات الأميركية إن بلاده لا تستبعد أن يكون التنظيم قادرا على تصنيع كميات محدودة من الكلورين وغاز الخردل.

وقد أتى هذا الكشف الأميركي بالتزامن مع تقرير قدمه فريق خبراء تابع للأمم المتحدة يشير إلى احتمال وقوع هجمات كيمائية في سوريا بين عامي 2014 و2015، لكن الفريق الأممي لم يحدد الجهة التي تقف وراء تلك الهجمات، معتبرا أنها مهمة صعبة ومعقدة، ومع أن ترتيب الأحداث وتسلسلها في سوريا يشير بسهولة إلى أن النظام السوري هو أول من استخدم السلاح الكيمائي بدءا بمجزرة الغوطة المروعة في شهر أغسطس من عام 2013 والتي أعقبها الاتفاق الشهير والذي قام النظام على إثره بتسليم أسلحته الكيمائية في مقابل السماح له باستمرار قتل السوريين بباقي صنوف الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فإن طرح واشنطن لفرضية أن تنظيم داعش هو من يقوم باستخدام الكيمائي في هذا الوقت بالتحديد يفتح الباب لجدل من نوع مختلف حول ما إذا كانت واشنطن لديها النية، حقا، في إزالة التنظيم والسماح بشن الحرب البرية عليه، أم أنها ستماطل وتأخذ الوقت الكافي في تحليل المعطيات والبحث عن “حقائق” تريد من خلالها إشغال الرأي العام أطول فترة ممكنة، وصولا إلى الخروج بتصريحات عن استحالة القضاء على داعش، الذي بدأت أوروبا تدق نواقيس الخطر منه بعد أن صار قريباً منها وبات يشكل خطرا مباشرا عليها خاصة بعد أن انتقل عدد من قادته ومقاتليه إلى ليبيا وفق تقارير أميركية وأوروبية.

مع العلم أن هذه التقارير جاءت متأخرة كثيرا فالتنظيم استطاع خلال سنتين تقريباً، من غض الطرف عنه، توسيع قواعده وبسط سلطته داخل أراضي ليبيا، حتى تحول من مجموعة من الإرهابيين إلى إمارة كاملة متكاملة تتخذ من مدينة سرت مقراً لها وتتحكم بمصادر نفطية، وتفرض شروطها وقوانينها، وهي تترك بكل تأكيد آثارها السيئة على العملية السياسية والأمنية المتعثرة أصلاً في ليبيا.

وإذا كانت واشنطن المتهمة من قوى المعارضة السورية وعدد من القوى الإقليمية بأنها كانت السبب وراء تعطيل عملية الحسم في سوريا، من خلال ترددها أو من خلال محاولاتها تصوير قيام النظام في دمشق بتسليم أسلحته الكيمائية، أو حتى توقيع الاتفاق النووي مع إيران على أنها انتصارات حققتها، فإن ذلك لا يعفيها من مسؤولية أن تتحمل لاحقاً نتائج هذا الخلل الكارثي الذي تمر به المنطقة بأكملها والذي سيكون إصلاحه معقداً، وبحاجة إلى جهود جبارة.

وبدأت العديد من دول المنطقة تتقدمها المملكة العربية السعودية، التي لا تريد الإعلان صراحة عن خيبة أملها بالحليف الأميركي وتهافته على ترك المنطقة لكل من إيران وروسيا، تلك الجهود والتي ستترتب عليها تضحيات وخسائر تبدو تلك الدول مستعدة لتحملها، قبل أن تجد نفسها وقد أصبحت نهباً لاحتمالات لا تريد التفكير بها في الوقت الحالي، وهي تفضل درهم الوقاية حتى وإن كان متأخرا، إذ أن ترك داعش يسرح ويمرح بتلك الطريقة سوف لن يلبث أن يصل بشكل أو بآخر إلى كافة الدول، كما أن السماح للنظام السوري بممارسة عملية القتل المنظم بمساعدة الميليشيات الطائفية التي تسانده سيؤدي إلى تفشي الظاهرة الداعشية وتمددها، علماً أن واشنطن نفسها وفي تصريحات لعدد من مسؤوليها اعتبرت أن نظام الأسد وداعش مرتبطان بشكل كلي، وأن زوال أحدهما يعني زوال الآخر، لكنها بطبيعة الحال، لم تحرك ساكنا لتغيير هذا الواقع، ولا يبدو أنها ستحرك ذلك الساكن، وقد تكتفي، على سبيل الدعاية، بإجبار تنظيم داعش على تسليم أسلحته الكيمائية مقابل السماح له بالبقاء والتمدد.

داعش والأسلحة الكيمائية الاتحاد برس.