حزب الله يقود العمليات والإعلام الحربي للانقلابيين.. و14 رحلة أسبوعيًا لصنعاء لنقل الأسلحة


مع سقوط العاصمة صنعاء بيد ميليشيات الحوثي وقوات المخلوع علي صالح، كانت مدينة طهران والضاحية الجنوبية في بيروت تحتفلان بنجاح مشروعهما في تصدير الفوضى والإرهاب إلى جنوب غربي الجزيرة العربية التي تمكنوا خلال السنوات الماضية من تكوين جماعة مسلحة إرهابية على غرار حزب الله في لبنان، لتدخل اليمن في عواصف من الاضطرابات والعنف المضرجة بالدماء. وجاء الرد السعودي، حيث أطلقت المملكة تحالفًا عربيًا لمساعدة الحكومة الشرعية التي استنجدت بالجامعة العربية ودول الخليج بعد انقلاب الحوثي وصالح على مؤسسات الدولة وسيطرتهم على معظم المحافظات، لتبدأ في مارس (آذار)، العاصفة التي كسرت المشروع الإيراني في اليمن. ونجح التحالف العربي في إحباط مخططات السيطرة على البلد عبر ذراعها المحلية التي أسستها ودعمتها منذ عقود لإيصالها إلى سدة الحكم.

ولم تكن علاقة اليمن مع إيران ولبنان قائمة على التعاون الاقتصادي والتنموي كما هي الحال مع دول الخليج، إذ اعتمدت إيران على حزب الله كوسيط لتدريب وتأهيل خلايا الموت في ضاحية بيروت ومدينة قم الإيرانية، وخلال السنوات العشر الماضية جند حزب الله المئات من المقاتلين اليمنيين التابعين للحوثي، إضافة إلى تأهيل طواقم إعلامية وصحافية عبر دورات تدريبية استضافتها بيروت، واعتمدت على تجنيد العشرات منهم لاستخدامهم في عملية الانقلاب.

في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، وهو شخصية مقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي: «إن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية»، وإن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة للالتحاق بالثورة الإيرانية.

واعترف محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني، في يناير (كانون الثاني)، بوجود 200 ألف مقاتل مرتبطين بـ«الحرس الثوري» في خمس دول بالمنطقة، هي: اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، يضاف إلى ذلك حزب الله وميليشياته الإرهابية، وقال إنها تعمل من أجل حماية ودعم «الولي الفقيه» والجمهورية الإسلامية في إيران، وهو الاعتراف الأول الذي يؤكد أن إيران تعمل على زعزعة استقرار المنطقة.

وأكدت الحكومة اليمنية في أكثر من مناسبة أن هذه التصريحات هي إقرار رسمي منهم بالعدوان المباشر على اليمنيين وانتهاك سيادة اليمن، وذكرت أن دور طهران في اليمن، يعد مؤشرا خطيرا على مدى تغلغل الإرهاب الإيراني السافر بحق اليمنيين، وذكرت أنها استطاعت أن تزرع وتدعم أدواتها في اليمن، وهم الحوثيون وحليفهم صالح، بإشراف حزب الله، لنشر الفوضى والدمار وإلحاق الضرر بالأمن القومي للمنطقة بأكملها.

وأكدت الحكومة اليمنية، أن إيران وحزب الله، لم يقدما لليمن سوى الدمار والإرهاب والقتل، حيث زودت الحوثيين بالأسلحة النوعية والمقاتلين والخبراء لتنفيذ انقلابهم على الشرعية والسيطرة على العاصمة صنعاء، ومن أبرز ما ضبطته الأجهزة الحكومية السفينة «جيهان1 – 2»، وأخيرا التسجيلات والوثائق التي كشفت بالصوت والصورة خبراء حزب الله وهم يدربون خلايا إرهابية من جماعة الحوثي.

ويعد لبنان واليمن متشابهين في وضعهما الاقتصادي من حيث الاعتماد على الدعم الخارجي من الدول المانحة التي تأتي على رأسها السعودية، ورغم الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلدان، إلا أن حزب الله ومن خلفه إيران حاولت استغلال الفقر بين المواطنين اليمنيين البسطاء وعملت على تجنيدهم خلال العقد الماضي، وعملت على إقامة جسر جوي بين صنعاء وبيروت، حيث استقبلت معسكرات حزب الله المئات من مجندي الحوثي، إضافة إلى فتح قناتين لهما هما «المسيرة» و«الساحات» الناطقتين باسم الجماعة الانقلابية، وسخرت كل وسائلها الإعلامية لمصلحة الفكرة الطائفية التي تبنتها طهران وسعت لنشرها في الدول العربية.

وأشارت المصادر الرسمية إلى أن حزب الله وخبراءه هم من يقودون ويخططون لجميع العمليات العسكرية للحوثيين، إضافة إلى الإعلام الحربي المصاحب للحوثيين، وأظهرت التسجيلات الأخيرة لقيادات من حزب الله الدور المباشر في التخطيط لعمليات في مدينة حرض الحدودية، وكذا تدريب المجندين لعمليات الاغتيالات والسيطرة على المدن اليمنية.

وقال الدكتور نجيب علاب رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات، لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله أساء لعلاقة لبنان مع اليمن، عبر إنشاء جماعة إرهابية لنشر الفكر الطائفي»، مضيفا: «شعب لبنان حرّ، وتربطه باليمن علاقة قوية تاريخية، وهناك فئات لبنانية من مختلف الطوائف تعود أصولهم إلى اليمن، وكان هناك علاقات تجارية، حيث استفاد اليمن من الخبراء اللبنانيين».

وأوضح غلاب: «أسهم حزب الله في إنشاء وتكوين حركة فاشية انقلابية، دمرت اليمن، فالطريقة التي اعتمدها حزب الله في بناء أفكارها وأذرعتها الأمنية وكتائب القمع وفرق الاغتيال جعلت من الحوثية وحشا شرسا يلتهم الدولة ومؤسساتها، كما استغل الأزمة الاقتصادية لبناء منظومة وشبكات تجارية على غرار حزب الله في لبنان».

ولا يستبعد غلاب وجود مخطط لنقل الإرهاب إلى السعودية عبر حركة الحوثي وحزب الله، عبر عمليات إرهابية متقطعة، بعد قرب انتهاء مشروعهم وانقلابهم، مؤكدا أن لبنان مثل اليمن ضحية لسلطة الملالي التي حولته لمستعمرة إيرانية، لكن الفرق بينهما أن في اليمن ثورة ومقاومة ضد الحوثية، أما في لبنان فإنه مختطف شعبا ودولة، بأيدي عصابات ثورية، تشبه مافيا الاستبداد التي تقتل الشعوب وتمتص دمها وتحكمها قهرا وبقوة السلاح، وتصبح دولة الشعب ذراعا لخدمة العصابة الثورية.

ولفت الدكتور غلاب إلى أن إيران خططت لتحويل اليمن إلى منطقة نفوذ لإدارة حروبها ضد دول مجلس التعاون الخليجي واستهداف السعودية ومحاصرة مصر، بدأت منذ من منتصف الثمانينات العمل الفعلي في الواقع، وتابع: «مثل نمو قوة حزب الله بداية لتوظيفه في هذا الملف، ومع نهاية الثمانينات شُكّلت الخلايا الأولية التي ارتبطت عضويا بالولي الفقيه، وهذه النقلة كانت هي البداية، بعدها وجود حزب الله، وكان له علاقة سابقة بصعدة التي أصبحت مركزا لمافيا الأسلحة والمخدرات قبل نمو الحوثية وتأسيس التنظيم».

وأكد رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات، أن حزب الله، عمل على دراسة عميقة للواقع اليمني وجغرافيته السياسية والمذهبية والخلفية التاريخية وطبيعة النظام والقوى المؤثرة، وتنامت هذه الدراسات في النصف الأول من التسعينات، موضحا أنه شكل خلية مختصة بالملف اليمني، وبدأ في بناء شبكات متعددة يمنية ولبنانية وعراقية.

ولفت غلاب إلى أنه خلال الحروب الست، تنامت قوة الحوثيين بفعل التناقضات في المنظومة السياسية اليمنية وتقنيات الحروب اللامتماثلة التي أدارها حزب الله دون أن تكشف أوراقه بالكامل، ناهيك بأنه تمكن من بناء علاقات مع رموز من النظام ومع شخصيات يمنية، ولعب نظام دمشق دورًا في هذه اللعبة، كما شكلت خلايا عراقية دورًا خطيرًا في هذه الشبكات التي كانت تعمل بانتظام.

من جانبه، يرى سمير الصلاحي، محلل سياسي، أن لبنان تحول لمركز إقليمي لإيران، يعمل كوسيط ومركز تدريب للميليشيات الطائفية في المنطقة، حيث لعبت بيروت دورا محوريا في تشكيل جماعة الحوثي الإرهابية باليمن.

وذكر الصلاحي لـ«الشرق الأوسط»، أن بيروت كانت محطة سفر للمئات من أتباع الحوثي، تحت أسماء مختلفة، دورات تدريب، وندوات، ودراسة، ومن بيروت يجري إرسالهم إلى إيران دون تأشيرة ومن ثم العودة لليمن لتنفيذ المشروع الفارسي فيها.

ويؤكد الصلاحي أن دور حزب الله، تعاظم مع بداية الانقلاب، حين تحالف صالح مع الحوثيين، حيث تمكنوا من استغلال شبكة صالح المنتشرة في كل أجهزة الدولة. وأضاف: «عملوا خلال الفترة الماضية على تزوير آلاف الجوازات والهويات اليمنية لمقاتلين من حزب الله ليتمكنوا من دخول اليمن بسهولة».

وأوضح أن ميليشيا الحوثي ما هي إلا قفاز تستخدمه إيران وحزب الله، لتصدير ما يسمى الثورة الإيرانية لليمن، وتحقيق حلم الخميني بتحويل اليمن إلى ساحة تدريب وتجهيز وإعداد لزعزعة أمن المنطقة وتهديد دول الخليج، وبدا ذلك جليا عقب الانقلاب مباشرة بالرحلات الإيرانية لليمن، بواقع 14 رحلة أسبوعية تحت حجة العلاقات التجارية وخلافه، رغم أنها كانت مخصصة لنقل السلاح والمقاتلين لتحقيق الحلم الفارسي في المنطقة العربية.

المصدر: الشرق الأوسط