لا تلوموا أوباما على الحرب الكارثية في سوريا


كمفاوض سابق في الشرق الأوسط ومستشار لوزراء خارجية أمريكان من كلا الحزبين, شاهدت وساعدت في ارتكاب العديد من الأخطاء وحالات الفشل في سياسة الشرق الأوسط على مدى سنوات طويلة. وليس هناك أي ادنى شك في ذهني أنه عندما تخطئ الولايات المتحدة أو تتعدى فإن ذلك يزيد من مصداقيتها ولا ينقص منها.
ولكن لا ينبغي علينا أن نجلد أنفسنا دون داع, خاصة لأن هناك العديد من الجهات في الداخل والخارج تنتظر هذه الفرصة.
وليس هناك أي مكان أكثر وضوحا من الجهود التي تبذل لتحميل إدارة أوباما المسئولية الكبرى عن أم الكوارث في الشرق الأوسط – الحرب الأهلية السورية.
فكرة أن في وسع الرئيس أوباما أيقاف النزيف أو أن لديه القدرة الآن أو واجب أن يعيد جمع الشتات السوري مرة أخرى ليس أمرا مضللا فقط, ولكنه يتجاهل عددا كبيرا من كل الحقائق المزعجة. عليك النظر في هذه الأمور قبل أن تطلق الأحكام على الإدارة.
أولا, الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد والحرب الأهلية السورية التي تلت ذلك لم تحدث من فراغ. الأحداث في سوريا كانت جزء من موجة عربية واسعة ولدت حالة من التشرذم والاضطراب اجتاحت العالم العربي. في الواقع, هذا الشعور بالتملك أعطى ما أطلق عليه الربيع العربي شرعيته وقوته.
فكرة أن في وسع واشنطن وضع استراتيجية شاملة لتشكيل هذا التحول الهام لصالحها, دعك من “الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ”, على حد تعبيرات الرئيس الطموحة التي لا معنى لها, فكرة سخيفة.
في الأماكن التي كان لأمريكا تأثير فيها – مصر وتونس واليمن- لم تكن لدى واشنطن الفرصة الكافية للتأثير على مخرجات الحكام الاستبداديين الذين فقدوا كل الشرعية والسلطة للحكم. في بلد مثل سوريا, حيث تفتقر الولايات المتحدة إلى النفوذ والمصداقية, كانت الفرصة معدومة تماما هناك.
في الواقع, إذا كان هناك أي أمل في صحوة عربية محكوم عليها بالفشل فقد كانت تلك التحركات الداخلية التي انطلقت دون أن يكون عليها أي بصمات أمريكية أو غربية.
ثانيا, المسئولية الرئيسة عن الفظائع التي شهدتها سوريا وشعبها, التي تشمل ظهور الدولة الإسلامية هناك وازمة الهجرة, تقع كلها على عاتق الأسد والنظام السوري وداعميه ومساعديه متمثلين في إيران وحزب الله وروسيا.
مثل مرض الإيبولا, إن حقيقة أن المريض نجا من الموت واستمر في العيث فسادا بين أبناء شعبه (يشمل ذلك استخدام الغاز السام وصواريخ السكون والبراميل المتفجرة والتجويع والتعذيب والقتل الجماعي للمدنيين والتسبب في مقتل حوالي 250000 شخص من بينهم متمردين ومقاتلين تابعين للنظام) أمر أدى إلى فداحة حجم الجريمة.
ثالثا, إن الأسد وأنصاره هم من أشعل الحرائق في بداية الأمر وهو أمر هام جدا. فهو جزء أساسي من السلسلة المنطقية التي أدت إلى أن يقول منتقدو أمريكا إن أمريكا هي المسئولة عن إشعال النيران أو على الأقل السماح لها بالتمدد.
الغربيون – وبالطبع أمريكا أيضا- كانوا يستصغرون من شأن القضايا العربية لعقود, معتقدين أنه وبطريقة ما فإنه في وسعنا إصلاح ما يعانون منه؛ وحل القضية الفلسطينية ونشر الحرية وتحويل العراق وتحويل إيران إلى بلاد معتدلة أو التخلص من نظام الملالي.
سوريا أولا وقبل كل شئ مشكلة سورية؛ ومشكلة عربية أيضا. في الواقع, دعم السعوديون ودول الخليج عائلة الأسد لسنوات طويلة, ونظروا إليه بمزيج من الخوف والاحترام. وبالطبع هناك 40 عاما من العلاقات الاستراتيجية بين إيران وعائلة الأسد, مدفوعة بحاجة إيران إلى الدخول إلى لبنان وعمل جدار ضد تطويق السنة.
حتى تركيا, التي تأثرت كثيرا بسحر الأسد في البداية, أكثر اهتماما الآن في التخلص من قضية الأكراد بدلا من سقوطه.
وبالطبع هناك بوتين, المسئول حاليا وأكثر من أي شخص آخر عن نجاة الأسد. ألقو اللوم على الولايات المتحدة إن كنتم تريدون. ولكن تذكروا عندما يتعلق الأمر بالتورط المباشر في جرائم الأسد, فإن واشنطن ليست موجودة على رأس القائمة.
رابعا, لو أن أمريكا سارعت إلى تقديم السلاح للمتمردين عام 2012 ووضعت الخط الأحمر على استخدام الكيماوي وأنشأت منطقة حظر الطيران ونشرت قواتها, ألم من يكن من شأن ذلك أن يوقف الأزمة أو على الأقل أن يخفف من عواقبها الكارثية؟
للأسف ليس بوسعنا أن نعرف الآن. لكن لم يكن هناك ما يشير في تلك السنوات إلى أن هذه الأمور لا تعدو أقل من أنصاف للحلول, وخطوات انتقالية مؤقتة أو برامج تدريب يمكن أن تستغرق وقتا طويلا لتطبيقها.
أولئك الذين أوصوا بسياسة أكثر صرامة خلال فترة رئاسة أوباما الأولى – هيلاري كلينتون ودافيد بتراوس وليون بانيتا- لم يقتربوا حتى من طرح فكرة التدخل العسكري المباشر ضد نظام الأسد الذي ربما يؤدي إلى تغيير التوزان على أرض المعركة وإسقاط الأسد أو خلق رافعة كافية لتحريكه.
في الواقع,مناطق حظر الطيران والمناطق الآمنة لم تعد في السابق والحاضر أكثر من مجرد أفكار بحاجة إلى استراتيجية شاملة. ظهور داعش أدى إلى أن تحجم الولايات المتحدة عن مهاجمة الأسد مباشرة خشية من أن زواله بالقوة ربما يفتح الباب أمام آفاق جديدة للجهاديين.
وأخيرا, ما من شك أن سياسة الولايات المتحدة في سوريا كانت عقيمة والهدف منها تجنب المخاطر. جوقة أن الأسد يجب أن يغادر وعدم إنفاذ وعود الخطوط الحمر على استخدام الأسلحة الكيماوية وبرامج التدريب الضعيفة, والاستسلام لضربات الروس الجوية كلها ساهمت في الإضرار في مصداقية أمريكا في سوريا.
ولكن وعوضا عن عزو هذه الإخفاقات إلى نوع من إخفاق القيادة أو الاسترضاء, تشير الإدارة إلى غياب الخيارات الجيدة أو محدودية الروافع والخيارات المؤلمة.
لننظر فقط إلى الخيارات التي طرحها المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون لمنصب الرئاسة. الأمور التي طرحوها إما أنها نفذت فعلا (الضربات الجوية)؛ أو أنها غير مجدية (مثل تشكيل جيش سني لهزيمة داعش والأسد)؛ أو منطقة حظر جوي ليس لها أي فائدة.
سوريا –كحال الشرق الأوسط- لم تشكل خسارة أو كسب للولايات المتحدة. والرئيس الجديد القادم – هو أو هي- سوف يواجه مجموعة من الخيارات والبدائل التي لن تكون أفضل من القديمة.

المركز الشرق العربي


المركز الصحفي السوري