هدنة أم هدوء يسبق العاصفة
29 فبراير، 2016
أمين بن مسعود – العرب
لا يبدو أن الأطراف الإقليمية حققت أهدافها بالكامل أو قوضت مآرب مناكفيها من الأساس، وحتى دمشق لا يبدو أنها أجهضت مشروع أردوغان المتمثل في إقامة منطقة آمنة شمال حلب.
أن يتفق المجتمع الدولي بعد جهد جهيد ممثلا في الدول الأعضاء في مجلس الأمن على إعلان وقف إطلاق النار في سوريا دليل على عمق المعضلة الشاميّة، حيث أنّ سنوات الصراع الخمس لم تفض ميدانيا على الأقلّ إلاّ لإعلان هدنة مؤقتة هشّة قد تنتهك في أيّ وقت في ظلّ غياب أطراف مراقبة للقرار وتغييب إجراءات الردع للمنتهكين.
التعويل على اللاعبين الدوليين الكبار في المشهد السوري ونعني بهما واشنطن وموسكو لتثبيت الهدنة وبالتالي تحويلها من واقع ميداني إلى فرصة سانحة للحوار السياسي وللحلّ الشامل في سوريا، يبدو أنّه أمر غير مجانب للصواب وللواقع أيضا، ليس فقط لأنّ الإدارة الأميركية الحالية تستعدّ لمغادرة البيت الأبيض مع ما يعنيه هذا الأمر من أنّ الأولوية السياسيّة ستنصبّ على الملفات الداخلية في أميركا على حساب القضايا الإقليمية والدولية التي كثيرا ما يقلّ الاهتمام بها خلال الولاية الثانية للرؤساء الأميركان، وإنّما أيضا لأنّ الفاعلين الإقليميين يريدون تسجيل نقاط سياسية وعسكريّة في الميدان السوري قبل وصول الإدارة الأميركية الجديدة والتي يبدو أنّها ستكون إدارة يمينية الهوى والهوية معا.
فأنقرة تريد من المشهد السوري ألا يفضي إلى ولادة كيان كردي يكون رديفا مكمّلا لحزب العمّال الكردستاني، والرياض تبتغي دعم وجودها في الشام بعد القطيعة الواضحة مع لبنان الرسمي وشبه الرسمي أيضا، فيما تسعى طهران إلى الإبقاء على يدها الطولى السياسية والعسكرية والاقتصادية في الشام سيّما مع الإنجازات الجديدة للجيش السوري وحلفائه في الجبهة الشمالية والجنوبيّة.
إذن لا يبدو أنّ الأطراف الإقليمية حققت أهدافها بالكامل أو قوّضت مآرب مناكفيها من الأساس، وحتّى دمشق لا يبدو أنّها أجهضت مشروع أردوغان المتمثل في إقامة منطقة آمنة شمال حلب على الرغم من تطويق العناصر الأمنية لمناطق ريف حلب الشمالي وأعزاز، ما يشير إلى تحضير كافة الفاعلين لجولة ثانية من “الصراع العسكريّ السياسي” تكون مبنية على معادلة واضحة إمّا تكريس الغلبة السورية الروسية وبالتالي تغليب التفسير الروسي الإيراني لبيان جنيف 1 و2 والقرارات الدولية في هذا الشأن، أو تقلب السعودية وتركيا أساسا الطاولة على موسكو وطهران وفرض تفسيرهما للبيانات المذكورة والقاضي باستبعاد الرئيس الأسد وأركان نظامه من الفترة الانتقالية السورية أوّلا ومن مستقبل سوريا ثانيا.
وطالما أنّ الهوّة الإقليمية آخذة في الاتساع سيّما بين السعودية وإيران في أكثر من جبهة، وطالما أيضا أنّ مغناطيس الكيان الكردي الوليد لا يزال يوجّه المسلكية السياسية والعسكرية التركية، فلا يمكن التعويل كثيرا على وقف إطلاق النار كعامل تأسيسيّ يفضي إلى الحلّ العسكري والسياسي في الشام. مشكلة سوريا اليوم أنّها استحالت من دولة إقليمية كبرى إلى إقليم متصارع في دولة.
ولعلنا لا نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ المحنة السورية ليست بالمحنة المحليّة حتّى تسوّى عبر مصالحات وطنيّة شاملة على الطريقة الجزائرية أو الجنوب أفريقية في تسعينات القرن الماضي، وليست أيضا أزمة دولية محضة حتّى تفكّك في دوائر اتخاذ القرار الدولي وفق نموذج النووي الإيراني، ذلك أنّ المعضلة الشامية هي معضلة دامية في إقليم متناحر عسكريا ومتناقض استراتيجيا ومتنافر سياسيا ومتضاد ثقافيا وفكريا. مشكلة سوريا أنّها الفتنة الثانية الكبرى في العصر الحديث.
عجزت المصالحات الوطنية عن تعميم الحلّ وقصرت كافة القرارات عن تأمين التسوية، ذلك أنّ السلام موجود لدى الفاعلين الإقليميين المذكورين آنفا بعد أن قبلت الجامعة العربية أن تستقيل رسميا من دورها الجامع وأن تدير ظهرها لواجباتها القومية.
في ذات أياّم الهدنة، تتحدّث موسكو عن أسلحة “ذكية” للقوات السورية الخاصة وعن دبابات فلاديمير العاملة حاليا في حمص وريف دمشق، فيما تحضر تركيا نفسها لعمليات بريّة واسعة ضدّ أكراد سوريا في القامشلي تحديدا فيما تستقبل قاعدة إنجرليك سربا من الطائرات السعودية فيما تقود الرياض تدريبات “رعد الشمال” بمشاركة عشرين دولة استعدادا للحرب ضدّ التنظيمات التكفيرية في سوريا والمنطقة العربية والإسلاميّة.
إعلان الهدنة في سوريا قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالكلّ يتحدث عن السلام والكلّ يستعد للجولة الثانية من الحرب.
هدنة أم هدوء يسبق العاصفة الاتحاد برس.