نظام بشار الأسد في دير الزور.. صديق الموت وشريك التجويع


8732d437-1620-4f80-b2cd-bbdc9d2e38ef

سامر العاني:

“ينظرون إلى مظلات المساعدات التي تلقيها الطائرات مؤخّرا، ينتظرون متى يعلن الهلال الأحمر عن توزيعها، يريدون أيّ شيء يسكت بكاء أطفالهم الجياع الذين لم يتذوّقوا شيئاً منذ أيام، لم يعد لديهم ما يسدون به رمقهم، والموت جوعاً ينتظر الجميع”.

بهذه الكلمات بدأت “منى” المقيمة في حي الجورة حديثها، عن حياة الجوع التي يعيشها المدنيون في مناطق سيطرة النظام، بعد أن أعلن تنظيم «داعش» عن حصار مناطق سيطرة النظام بدير الزور بدئاً من الخامس من كانون الثاني/يناير من عام 2015 وحتّى الآن.

منى التي تعيل ثلاثة أطفال بعد أن قتل زوجها تحت التعذيب في معتقلات النظام في عام 2013، وآثرت البقاء بانتظاره على الرحيل مع أهلها إلى الحسكة، ترى أنّ النظام لا يريد توزيع أيّ من المعونات على الأهالي من أجل دفعهم لحمل السلاح إلى جانب جيشه ضدّ تنظيم داعش، وسخّر منظّمة الهلال الأحمر المنضوية تحت حكمه والمتعاملة معه لهذا الهدف، وسانده في ذلك ميليشيا «جيش العشائر» الذين انضمّوا إليه في عام 2014 بهدف الثأر من «داعش» بعد أن بسطت سيطرتها على مناطقهم.

أبو خالد أيضاً يرى ذات الأمر، “فلا مبرّر للنظام بمنع توزيع المعونات، سوى تجويع الأهالي واتّهام داعش بذلك، لفرض حمل السلاح إلى جانبهم، والحجّة في ذلك هي فكّ الحصار لإطعام أطفالهم، أو فالموت جوعاً بانتظارهم” بينما تعيش عوائل جيش النظام وجيش العشائر وميليشيا الدفاع الوطني في سخاء ورخاء، وكل ما يريدونه متوفّر من أحسنه.

يؤكّد السكّان في مناطق سيطرة النظام، بعضهم استطاع الخروج إلى مناطق سيطرة داعش ومنها إلى تركيّا، أنّ المدنيين لا يريدون القتال إلى جانب النظام، فهم يعلمون أنه يزجّ بهم في الصفوف الأولى في معركة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويرون أن من أوصلهم إلى ما هم عيه الآن هو النظام ذاته، وتلك المعارك –بالرغم من تخوّفهم من مجازر تطالهم على يد داعش إذا استطاعت السيطرة التامّة- لن توفّر الخبز لأطفالهم في النهاية، وكل ما سيقومون به هو الموت دفاعاّ عن المستفيد الأكبر من حصارهم.

455

 تجّار الأزمات، كيف يدخلون المواد الغذائية

مظلّات المساعدات ليست وحدها طريقة دخول الطعام، فالتجّار في حيي الجورة والقصور يتوفر لديهم ما يبيعونه من مواد غذائيّة، وإن قلّت في الآونة الأخيرة، ولكن تدخل عن طريق طائرات الشحن الجوّي إلى مطار دير الزور فبقّالة العموري في دير العتيق وبقّالة أبو طلاس بحارة الأرامل والتاجر رشيد الشعاري ومتجر السراوي بشارع الوادي، كلّهم يدخلون البضائع عن طريق طائرات الشحن، ويتم بيعها بأسعار باهظة، بحجّة تكلفة النقل الجوي.

أكّد ذلك، منشور كتبه الصحفي في إحدى مؤسسات النظام “فراس القاضي” مخاطباً تجّار الأزمات، «حجتكم القذرة هي تكاليف الشحن، مع أن غالبية الناس سألت وحصلت على الجواب الحقيقي، وهو أن تكلفة نقل الكيلو غرام الواحد جواً 165 ليرة للكميات التي تقل عن 10 طن، و150 ليرة للحمل الذي يتجاوز هذا الوزن، وبالتالي فإن كل ما شحن كانت تكلفته 150 ليرة لكل كيلو، لأن البضائع التي شُحنت تتجاوز الوزن المذكور دوماً».

يقول أبو خالد، من السهل على النظام إدخال المعونات الغذائيّة إلى مناطق سيطرته عن طريق مطار دير الزور، وطائرة اليوشن تنقل تلك البضائع بالفعل، ولكن للتجّار فقط وبمقابل مادّي، ولا رقابة من قبل مدير التموين “كمال الضللي” على الأسعار، فهذا ما يريده النظام، بل ويتحكّم بالكميّة الداخلة إلى دير الزور لكيلا تغرق الأسواق، وبالتالي ينخفض السعر من خلال زيادة العرض.

8f0fc8ec-3f58-4e3d-9791-b451eb095ad5

هرابش ليست ببعيدة

منطقة “هرابش” تقع تحت سيطرة النظام أيضا، في الجهة الشرقيّة من المدينة، لكن بعكس حيي الجورة والقصور، لا تتواجد فيها كثافة سكّانية وليست لها أيّ جبهة مباشرة مع تنظيم داعش.

ويؤكّد “الحاج أمين” أنّ سكّانها –وهو منهم- لم يعانوا في بداية الحصار، مستوى الجوع الذي عاناه أهل الجورة والقصور، إذ تتواجد فيها بعض الخضروات المزروعة محليّاً، وكان من الممكن تغطية منطقة الجورة والقصور بجزء من المحصول، نظراً لقلّة الكثافة السكّانيّة الموجودة فيها نسبة لهم، ولكن النظام منع بتاتاً عبور أي مادة غذائيّة حتّى لو كانت رغيف خبز واحد، فالحواجز الموجودة على الطريق العسكري تصادر كلّ ما يحمله العابرون إلى هناك من أطعمة.

يروي “الحاج أمين” قصّة عسكري النظام على حاجز الطريق العسكري، الواصل بين هرابش والجورة، وكيف صادر من امرأة كانت تحمل بعض أرغفة خبز التنّور لابنها الذي يدرس في إحدى الكليّات، إذ لم تجد نفعاً كل التوسّلات ودموع المسنّة للإبقاء على الخبز معها، أصرّ العسكري أن يصادر الخبز والخوف واضح في كلامه «يا خالتي هاتيها بلا ماتجيبيلنا بهدلة».

ممّن خائف هذا العسكري؟؟ ومن سيؤنّبه بسبب الخبز؟؟ ولماذا ممنوع نقل المواد الغذائيّة؟؟ ومن له مصلحة بذلك؟؟ رأيت كلّ تلك الأسئلة وأكثر في عيون ركّاب السرفيس، ولكن الكلّ خائف أن يجاهر بها، يقول “الحاج”.

يجمع الكثير من سكّان حي هرابش على ما قاله “الحاج أمين”، ولكن أكّدوا أنه في الأشهر الستة الماضية، بدأ الخناق يضيق على حي هرابش، حتّى غدت حاله كحال حيي الجورة والقصور، انقطع الطعام، وشحّت المواد الغذائيّة، وأصبحت المضايقات الأمنيّة والاعتقالات تتزايد يوماً بعد يوم.

اليوم أصبحت جميع الأحياء في الهمّ سواء، شحٍّ في الغذاء والماء والدواء، ناهيك عن الاعتقالات والتجنيد الإجباري، تساوت المصيبة، وتساوى الحصار.

 كليجة مالحة، والنظام يفضح نفسه بنفسه

كليجة مالحة، هي ليست معجّنات العيد الأكثر شهرة في دير الزور، بل هو برنامج بثّه التلفزيون الرسمي للنظام السوري، والذي عرض تقريراً عن غير قصد، يفضح الوضع الحقيقي للمناطق المحاصرة، ويروي الناس من خلاله شهادات، ثتبت بالدليل القاطع أن النظام يضيّق الخناق على الأهالي، مما دفع رئيس حكومة النظام “وائل الحلقي” لإصدار قرار بوقف البرنامج وإلغاء عرضه نهائيّاً.

ففي إشارة واضحة للمقرّبين من النظام، وببراءة الأطفال المعهودة، يقول طفل في التقرير مستنكراً «مايصير ناس تاكل وناس جوعانة».

أمّا في بداية التقرير فكلّ ما قاله الرجل الخمسيني «ظلام دامس فأين نذهب»، ولم تنفع محاولة المراسل أن تستنطق هذا الرجل، تحدّث باقتضاب، والخوف من الكلام واضح عليه وضوح الشمس، قال: «الباقي أنتم تعرفونه جيّدا».

وبالرغم من سعي مقدّم التقرير إلقاء تهمة الحصار بالكامل على “تنظيم داعش”، إلّا أن برنامج «كليجة مالحة» فضح جهاراً نهاراً، شراكة النظام إلى جانب التنظيم بحصار أبناء دير الزور، أو على الأقل تضييق الخناق أكثر للاستفادة من الحصار.

ناجون يتحدّثون

عدد من الذين نجوا من الموت جوعا التقيناهم على الحدود التركيّة السوريّة وفي مدينة غازي عينتاب التركيّة، ورووا لنا شهاداتهم عمّا يحدث في مناطق الجوع.

محمود السّيد: جئت هنا للعلاج، فقد أنهكني الجوع إلى حدّ المرض، ولم تفلح كلّ استجداءاتي للهلال الأحمر والمحافظة في أن أحصل على معونات بشكل شهري.

عبد الحميد العلي: نرى المساعدات تأتي بكثرة، وبيوت عناصر الجيش الوطني وجيش العشائر لا تخلوا من الطعام، إنهم يحملون الطعام إلى منازلهم أمام أعيننا، وأطفالهم يأكلون الفواكه والطعام الفاخر أمام أطفالنا الجياع، دون أدنى حسّ بالمسؤوليّة.

أم خالد: الطبيب قال لي أن طفلي يعاني من سوء التغذية، ويجب أن يتناول الفيتامينات، بعتُ منزلي لأتمكن من الخروج، دفعت مبالغ طائلة على حواجز النظام حتّى سمحوا لي بالخروج علماّ أنني أحمل موافقة دفعت عليها الكثير.

يوسف: قال لي ضابط الأمن على باب مقر الهلال الأحمر “تعال قاتل معنا، ونحن نؤمّن لعائلتك كل ما يريدون من طعام وشراب، ونعطيك راتبا مغرياً”، خرجت من الجورة بعد أن دفعت 200 ألف ليرة، وبقينا محتجزين لمدّة أسبوع لدى داعش، قبل أن أصل إلى تركيّا.

هنادي: مازالت مقيمة في حي الجورة، وتقول إنهم يرون مظلّات المساعدات تسقط من الطائرات ويأخذها النظام، ولكن لا توزيع إلّا بالواسطة، أو لعناصرهم، اغلب المدنيين يريدون الخروج، ولكن يمنعهم الخوف من إعدامات داعش التي تكررت أكثر من مرّة، أو ضيق ذات اليد إذ أن الخروج يحتاج لمبالغ طائلة.

أخبار سوريا ميكرو سيريا