“أطباء بلا حدود”: سوريا هي المكان الأكثر دموية


منذ 40 سنة، تدخلت منظمة “أطباء بلا حدود” لأوّل مرة في لبنان. ويوم الجمعة أقام “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” في “الجامعة الأميركية” في بيروت محاضرة بعنوان “أطباء على الجبهات الأماميّة: التحديات الإنسانية الطبية في المنطقة”، ألقتها الرئيسة الدولية للمنظمة الدكتورة جوان ليو، وتخلّلتها مداخلات من قبل أطباء لبنانيين وأساتذة في الجامعة.

إستهلّت ليو جلسة النقاش بالحديث عن إستقلالية منظمة “أطباء بلا حدود”، مشيرةً إلى أنّ هذه الإستقلالية تخدم هدف المنظمة بتأمين الرعاية الصحية لكلّ من يحتاجها من دون تمييز، كما “تمنحنا القدرة على التدخّل بسرعة من دون إنتظار التمويل المناسب”. وأفادت بأن “أطباء بلا حدود” تنشط في 63 دولة، ويتركّز الجزء الأكبر من عملها في القارة الأفريقية. أما في ما يخصّ لبنان، فقد كانت أولى نشاطاتها فيه في العام 1976، لتعود إليه بزخم في 2006 مع اندلاع “حرب تمّوز”، كما شهدت نشاطاتها تزايداً منذ العام 2013 بسبب الأزمة السورية”.

ثمّ انتقلت ليو إلى الحديث عن التحديات التي تواجهها المنظمة نظراً إلى أنها تخصّص “52% من نشاطاتها لمناطق النزاع”، ما يؤدي إلى إستهداف منشآت المنظمة الصحية بإستمرار. وفي هذا الإطار، أشارت ليو إلى ما تصفه بـ”اليوم الأسود”، وهو يوم 3 تشرين الأول 2015، عندما استهدفت المقاتلات الأميركية مشفى “أطباء بلا حدود” في قندز- أفغانستان، ما أسفر عن مقتل 14 عضواً في المنظمة. وأشارت إلى أن “أربعة من أصل خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن هم أعضاء في التحالفات العسكرية التي تنفذ ضربات جوية استهدفت المستشفيات التي تديرها اطباء بلا حدود في مناطق النزاع، وتحديدا في سوريا واليمن وأفغانستان”.

وأحد التحديات التي تواجهها المنظمة هو عدم إلتفات المجتمع الدولي إلى الواقع الصحي لبعض البلدان في حال لم يمسّه هذا الواقع مباشرةً. ولفتت ليو إلى أن وباء “الإيبولا” في أفريقيا لم يحصل على إهتمام الدول الغربية، بالرغم من محاولات المنظمة المتكرّرة إلى لفت إنتباهها إليه، وعندما ذهب ضحيته مواطن أمريكي، “تحوّل الأمر فجأةً إلى قضية”، على ما تقول ليو. وأضافت “لا يفترض أن تكون الرعاية الصحية أمراً مرحّباً به عندما يخدم الأمن القومي لدولة ما فحسب، وحين لا يخدمه يتمّ وضع قيود عليه”.

وقد كان لسوريا الحصة الأكبر من حديث ليو، ولفتت إلى أنّ ما تواجهه المنظمة في سوريا هو “صعوبة الوصول إلى جميع المناطق والعمل فيها، إذ تمّ استهداف 63 من اصل 153 منشأة طبية تديرها المنظمة في سوريا، ما أدى إلى حرمان نحو 40 الف شخص من العناية الطبية الاساسية”. كما عرّفت ما يحصل في سوريا على أنه “حرب على المدنيين جعلتنا نعتاد على ما لا ينبغي علينا التعوّد عليه”. وتطرّقت إلى حادثة قصف مشفى إدلب التابع لها منذ نحو الأسبوعين، والذي تعرّض إلى غارات متعاقبة، “لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فبعد نقل الجرحى إلى مشفى آخر تمّ قصفه هو الآخر، لتجرّد المنطقة من أي منشأة طبية”. وأضافت ليو: “أصبح من الممنوع إنشاء المشافي في بعض المناطق السورية التابعة لسيطرة المعارضة وذلك خوفاً من أن يتمّ إستهدافها”. وإستنكرت قيام العديد من الدول بالتغاضي عن مصير المرضى السوريين في سياق السرديات المناهضة للإرهاب.

من جهته، لفت الدكتور غسان أبو ستة إلى أن “ما نشهده اليوم ليس مجرّد أزمات وواقع صحي مؤقت، إنما تغيّر في الواقع الصحي ما يتطلّب منّا اعتماد طرق وتدخّلات جديدة في مقاربتنا للأزمات”. وفي السياق نفسه، قال الدكتور عمر الديواشي “علينا التفكير في العواقب طويلة الأمد للحرب ومنها الهجوم الممنهج على الرعاية الصحية، كالعقوبات الدولية على العراق التي منعت دخول أنواع كثيرة من الأدوية إليه ما كان له آثار صحية خطيرة”. وتحدّث الدكتور شادي صالح عن “مشاكل على المستوى المنهجي للرعاية الصحية، ما يدعو إلى إيجاد سبل مبتكرة لإرساء العلاج مثل وضع برنامج للصحة الإلكترونية، وقد بدأت منظمة أطباء بلا حدود العمل عليه”.

بدوره، اقتبس الدكتور فؤاد فؤاد قول المنظمة إن “سوريا هي المكان الأكثر دموية على وجه الأرض”. وتحدّث عن تعذيب وقتل أكثر من 700 طبيب في سوريا منذ بدء الأزمة، ما أدى إلى فرار الكثير من الأطباء، وذلك لأن تقديم العناية الطبية أصبح بحد ذاته جريمة.

المدن


المركز الصحفي السوري