سوريا تعددت الأساليب ……. والموت واحد


يجلس أبو مصعب أمام ما تبقى من حطام منزله وهي الغرفة الوحيدة التي لم تنهار، يتدفأ على بعض الأخشاب التي جمعها من ركام المنزل وأضرم النار فيها، وقد نخرت عظامه الهرمة برودة الحياة ومآسي الفقدان، هكذا كانت حالة أبو مصعب بعد أن خسر جميع أفراد عائلته خلال الحرب السورية.

أبو مصعب رجل يبلغ من العمر 60 عاما من مدينة دوما بالغوطة الشرقية أنهجت قلبه هموم الدنيا، ففي أول مظاهرة خرجت من مدينة دوما الأبية كان مصعب يهتف خلالها بالحرية، وبعد ملاقاة قوات النظام للمتظاهرين بالرصاص الحي والضرب أخذت حنجرة مصعب تصدح بإسقاط النظام السوري، وبينما كان مصعب يهتف بالمتظاهرين اخترقت رصاصة قلبه أدت لاستشهاده على الفور.

وبعد مضي شهر على بدء المظاهرات السلمية، بلغت حصيلة المتظاهرين العزل الذين استشهدوا لأكثر من 100 متظاهر وعدد كبير من الجرحى.

وبعد استشهاد مصعب كانت الصدمة كبيرة جدا على والده ووالدته لكنهما لم يستطيعا فعل أي شيء حيال ذلك بسبب تقدمهما بالسن، على عكس أحمد الذي التحق بكتائب الثوار المسلحة للانتقام من قوات النظام، ومرت الأيام وبينما كان أحمد مرابطا على أحد الثغور على أطراف مدينة دوما قام طيران النظام المروحي بإلقاء برميل متفجر على نقطته مما أدى لاستشهاده مع زملائه على الفور.

وتحمل البراميل المتفجرة ما بين 200 و300 كيلوغرام من مادة “تي أن تي” المتفجرة، وتضاف إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق ، وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة المستخدمة في صناعة السيارات، لتكون بمثابة شظايا تُحدث أضرارا كبيرة في البشر والمباني، وتـُحدث دمارا كبيرا وضغطا هائلا مصحوبا بكتل كبيرة من اللهب داخل دائرة قطرها 250 مترا دون أي دقة في إصابة الأهداف.

قطف النظام ثمرتي فؤاد هذين العجوزين وحصد روحي ولديهما، وحصد معهما كل الجهد والمشقة التي بذلها الوالدين ليروا ابنيهما شبانا ولكن كل شيئ ضاع، ولم تكن الأم الهرمة قادرة على تحمل صدمتها الثانية، فقد جاءتها جلطة أدت لشلل أطرافها ولم يبقى من يرعاها سوى زوجها العجوز.

وفي أحد الأيام خرج أبو مصعب من المنزل بعد أن انتهى من خدمة زوجته المقعدة، وذهب إلى سوق المدينة دوما ليشتري بعض الطعام، ليسمع صوت الطيران الحربي يهدر في سماء المدينة ويلقي عليها بصواريخه القاتلة، انتاب أبو أحمد شعور بالخوف شعور بأن شيئا سيئا قد حدث وهرع أبو أحمد مسرعا إلى حيه ليجد منزله كومة حجارة ما عدا غرفة واحدة استطاعت البقاء دون الانهيار، اقترب أبو مصعب أكثر ليلمح بين الركام يد زوجته العجوز فأسرع بالحفر وإزالة الركام لينتشل ما تبقى من جسدها الهرم الذي فارق الحياة.

وبلغ عدد المنازل المدمرة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية في ريف دمشق أكثر من 500 منزل بين تدمير كامل وجزئي، دون استثناء الشوارع والمشاف والدوائر النقاط الإسعافية.

لم تكن قصة أبو محمد الوحيدة فقد قضى آلاف الشهداء منذ بدء الثورة السورية، منهم من استشهد تحت التعذيب ومنهم من استشهد بسبب القصف، ومنهم من استشهد برصاص قوات النظام ومنهم بسبب الجوع ونقص الغذاء والدواء ولكن النتيجة واحدة الموت.

محمد المحمود

المركز الصحفي السوري