قصص استغلال عابرة للحدود.. المهربون ومعاناة اللاجئين في رحلة الوصول إلى أوروبا


لم يمض وقت كبير منذ استقر الزورق الذي كان يحمل الأفغاني رحيم سلامي من تركيا إلى جزيرة لسبوس اليونانية، حتى استقل عبّارة تنقله إلى بيرابوس قرب أثينا، وبينما كان في منتصف الطريق فُوجئ برجل يرتدي سترة سوداء يقترب منه.

“الطريق من اليونان إلى ألمانيا مغلق، أعطني 2500 يورو وسأوصلك إلى هناك عبر إيطاليا”، هكذا أخبره الرجل الغريب موجهاً حديثه إلى سلامي وأصدقائه المهاجرين المتجمعين حوله. وفق ما جاء في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

 

الهارب من طالبان

 

سلامي ذو الـ23 ربيعاً، فرّ من طالبان بعد عمله مترجماً في شركة أمن أميركية بأفغانستان تُدعى “AMS Global”.

لم يكن مع المهاجر سلامي نقوداً كافية، فرفض العرض المقدم. لكن الآخرين خافوا أن يضلوا الطريق عندما يصلون إلى اليونان فوقفوا للاستماع إلى العرض المقدم من المهرب.

وقد أدى إغلاق الطريق الرئيسى أمام المهاجرين إلى قطع السبل بأكثر من 40 ألف مهاجر موجودين باليونان، وهم يحملون جنسيات مختلفة، منهم الأفغانيون والإيرانيون والعراقوين والسوريون، بالإضافة إلى آخرين من بلاد أخرى جاؤوا من الشرق الأوسط وإفريقيا. ويتوقع أن يؤدي الاتفاق الرسمي بين تركيا والاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل إلى الحد من تدفق اللاجئين أوروبا.

 

بحث المهربين عن طرق أخرى

 

ربما يكون موقف الاتحاد الأوروبي فرصة جديدة تلوح في الأفق بالنسبة للمهربين. ومع زيادة أعداد المهاجرين، سيبدأ المهربون في البحث عن طرق أخرى بديلة مهما بلغت خطورتها، ومهما كانت ستعرضهم للإيذاء البدني والاستغلال، فإنهم سيدرسون مسارات وطرقاً جديدة، واعدين طالبي اللجوء في اليونان بالمساعدة.

يقول ويل فانجيميرت، نائب مدير وكالة اليوروبول، وهي وكالة تطبيق القانون الأوروبية: “لا يزال المهاجرون يريدون السفر إلى أوروبا وسيبحثون عن طرق بديلة يقدمها لهم المهربون”.

الجديد الذي أضافه جيميرت أنه قال إنهم سيعملون في الخفاء أكثر، رغم المواجهة والصعوبة القوية التي سيلقونها، بل وسيختارون طرقاً أكثر صعوبة لا يمكن اكتشافها بسهولة.

 

عروض المهرّبين

 

في اليونان، يُقدم المهربون عروضاً لتهريب المهاجرين خلسة إلى إيطاليا، إما من خلال قوارب عبر البحر اليوناني، أو عبر طرق أكثر خطورة، حيث السير من خلال التضاريس الجبلية في ألبانيا ثم العبور بعد ذلك من البحر الأدرياتيكي.

وعلى الجانب الآخر، يقوم آخرون بالهجرة عبر طرق أقل رقابة من خلال الغابات المقدونية أو عبر بلغاريا للوصول إلى صربيا.

ففي مخيمات “أيدومني”، وهي قرية صغيرة في اليونان تقع على الحدود مع مقدونيا، يمكث أكثر من 13 ألف مهاجر في ظروف صعبة بعدما أغلقت مقدونيا حدودها.

يُشير المهاجرون إلى فندق يُدعي “Hara Hotel” ومحطات الوقود الموجودة على طول الطريق، حيث ينشط ويعمل المهربون.

المسؤولون من وكالة اليوروبول وإيطاليا قلقون من أن الطرق القديمة للهجرة عبر مصر وليبيا – التي أصبحت أقل جاذبية بعدما أعلنت ألمانيا ترحيبها بالساعين لطلب اللجوء الشرعي العام الماضي – قد تنشط من جديد للوصول بالمهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

 

رصد المهاجرين

 

في شمال أوروبا وفنلندا ترصد الحكومة الإسكندنافية إذا ما كان المهاجرون سينشطون من جديد للسير عبر روسيا مروراً بالبحر الأسود في تركيا أم لا.

تترقب السلطات موجة جديدة من اللاجئين، لكنها تقوم بالاستعداد لمواجهتها عندما يصبح المناخ أكثر دفئاً في فصل الربيع.

فقد نشرت ألبانيا مئات من أفراد القوات الخاصة هذا الأسبوع على الحدود مع اليونان ومقدونيا، في حين قالت إيطاليا، الجمعة الماضي، إنها تنوي إرسال 20 ضابطاً إلى ألبانيا للمساعدة في حماية حدودها. كما أعلن ماريو موركوني.

المسؤول المكلف ملف الهجرة في وزارة الداخلية الإيطالية تحدث عن وجود مباحثات مع الحكومة الألبانية حول سبل التعاون المشترك في قضية تهريب اللاجئين، بما يشمل تقديم مساعدات تكنولوجية. وقال إن ثمة إشارات ملموسة لتدفق وشيك للاجئين عبر البحر الأدرياتيكي (أحد فروع البحر المتوسط)، وإن إيطاليا قد تحركت بالفعل من خلال نشر دورياتها في مياه هذا البحر.

 

بناء سور على حدود بلغاريا

 

بلغاريا أعلنت من جانبها عن نيتها بناء سور على حدودها، وتكثيف دوريات الشرطة في المنطقة في حالة حدوث زيادة في أعداد المهاجرين، حيث تسلّمت الحكومة 40 سيارة من طراز لاند روفر تبرعت بها بريطانيا هذا الأسبوع، من أجل المساعدة في إعادة اللاجئين المتسللين عبر حدود البلاد مع تركيا وصربيا.

أضف إلى ذلك التدابير التي اتخذها “الناتو” من خلال تأمين ونشر الدوريات في مياه تركيا واليونان، التي استطاع قرابة 100 ألف مهاجر عبورها منذ يناير/كانون الثاني الماضي رغم كون الرحلة محفوفة بالمخاطر. وفي محاولة لإيقاف المهربين الذين ينظمون رحلات المهاجرين عبر البحر يعمل حلف الناتو على تطوير وتحسين طرق تبادل المعلومات بين الدول من جهة، وبين وكالة حماية الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) من جهة أخرى.

 

سوق إجرامي ينمو

 

رغم الجهود المبذولة في مكافحة المهربين، أصبح التهريب أكثر الأسواق الإجرامية نمواً في أوروبا، وذلك وفقاً لتقرير حديث صادر عن وكالة تطبيق القانون الأوروبية “اليوروبول”، حيث يحقق المهربون عائدات تتراوح بين 3 إلى 6 مليارات يورو، كما حذرت الوكالة من أن تلك القيمة مرشحة للتضاعف مع زيادة أعداد المهاجرين وتفاقم الأزمة المتوقع هذا العام.

يقول إيوانيس كاراغورجوبولوس، مسؤول الأمن في خفر السواحل اليونانية: “هؤلاء المهربون خطرون للغاية، إذا قطعت رأس أحدهم يظهر اثنان آخران في الحال”. ويضيف “الطريقة الوحيدة للقضاء على المهربين تكمن في أن تتركهم بلا عملاء”.

تحاول أوروبا تطبيق هذا الحل بشكل جزئي من خلال محاولة إقناع المهاجرين بأن رحلتهم المنشودة للوصول إلى دول بعينها قد صارت مستحيلة حالياً، حيث يتخذ أغلب المهاجرين طريقاً يبدأ من اليونان ويمر عبر مقدونيا ودول البلقان في محاولة للوصول إلى النمسا ومن ثم ألمانيا في نهاية المطاف.

 

الهروب إلى الجحيم

 

يأمل المهاجرون الفارون من جحيم الحرب والأوضاع الاقتصادية القاتلة بأن يجدوا في أوروبا ملجأً، وهذا يجعلهم ضحية للمهربين الذي يعرضون عليهم رحلة الوصول والإقامة بالإضافة إلى مستندات مزورة للمرور نظير أسعار باهظة.

من المرجح أن تكون أي طرق جديدة محفوفة بالمزيد من المخاطر. في بيرايوس (مدينة يونانية)، يقول المهاجرون إن بعض المهربين تحدثوا معهم عن نقلهم عبر شاحنات إلى إيطاليا أو شمال أوروبا، وهو ما قد يؤدي إلى مآسٍ جديدة كما حدث العام الماضي، عندما اختنق 71 مهاجراً داخل شاحنة تهريب في النمسا، بالقرب من الحدود مع المجر.

منظمات حقوقية رصدت مؤخراً تعرّض مهاجرين مرّوا عبر بلغاريا إلى الضرب المبرح من قبل قوات الشرطة وبعض المجموعات المحلية المؤيدة للعنف، كما تُركوا فريسة لكلاب الشرطة في مقدونيا.

 

طريق صربيا

 

أما صربيا، التي ربما تظل جزءاً من الطريق الذي يسلكه المهاجرون إن اتخذت أعداد المهاجرين المتدفقة من ألبانيا وبلغاريا ورومانيا طريقاً لها، فإن غلق الحدود تسبب في إعادة إحياء شبكات المهربين القديمة بعد سنوات من مداهمات الشرطة لأعضائها.

هذا الأسبوع ساعد المهربون 45 كردياً على دخول صربيا من خلال استخدام الطريق القديم الذي يمر عبر بلغاريا، وذلك حسبما قالت إيلنا هرنجاك، مديرة برنامج لمساعدة اللاجئين، وهي مجموعة تتعاون مع المجتمع الدولي للإنقاذ IRC.

أما المهاجرون الذين لم يعد لديهم أموال، خاصة القصّر ممن لا يصحبهم أحد، فإن المهربين يخضعونهم في أغلب الأحوال إلى نوع من أنواع “عبودية سد الدين”. وتقول هرنجاك إن مجموعتها وثقت عديداً من حالات الاستغلال الجنسي لصبية باكستانيين، بما في ذلك وضع صور عارية لهم على شبكة الإنترنت وابتزاز أهاليهم مالياً.

وفي ميناء بيرايوس، حيث يمكث أكثر من 3000 مهاجر داخل خيام صغيرة ومستودعات بضائع أمام بحر إيجة، يجد المهربون فيهم غنيمة سهلة. ويقول سلامي إنهم بعد أن غادروا القارب عرض عليهم مجموعة من الرجال إمدادهم بتأشيرات مزورة تصلح للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي المشتركة في منطقة “شنغن”، التي لا تحتاج إلى جواز سفر للانتقال بين بلدانها مقابل 4500 يورو، “وهو ما يمكننا من التحرك بحرية في أي منطقة داخل أوروبا”، وذلك حسبما قال.

أما مرواس محمودي، أحد المهاجرين الأفغان والبالغ من العمر 21 عاماً، فلم يجد بُدّاً من بؤسه سوى من خلال الاستماع إلى شخص وعده بأن يعطيه هوية مزورة تُمكّنه من دخول ألمانيا بالطيران “بصورة شرعية” إن دفع له 8000 يورو. لكنه عندما أخبرهم بأنه لا يمتلك تلك الأموال، عرضوا عليه أن يساعدوه على استكمال رحلته إلى الشمال عبر غابات مقدونيا مقابل 1000 يورو.

ويوضح قائلاً: “أخبروني بأن الحدود أُغلقت للأبد، وأنني لن أدخل إلى أوروبا أبداً دون مساعدتهم”.

 |  ترجمة