لا جدوى من مرحلة انتقالية بدون عدالة


الرئيسان فلاديمير بوتين وباراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة. الصورة للأمم المتحدة لـ أماندا فويزارد
الرئيسان فلاديمير بوتين وباراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة. الصورة للأمم المتحدة لـ أماندا فويزارد

يبدو أن التوترات بين روسيا والولايات المتحدة قد بلغت ذروتها في الأسابيع الأخيرة، حيث تبادل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما تصريحات شديدة اللهجة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي حين امتدح بوتين دعم روسيا لبشار الأسد، وصف أوباما الرئيس السوري بأنه السبب الجذري للصراع وأزمة اللاجئين. وعلى الرغم من ثبات الزعيمين في توصيفهما للأسد، شاب التردد الموقف الأمريكي بشأن ما إذا كان يتعين أن يلعب الأسد دوراً في المرحلة الانتقالية ما بعد الصراع.

وفي نقض واضح لإعلان آب/أغسطس الذي نص على أن الأسد يجب أن يتنحى من أجل أن ينتهي الصراع، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد أعلن خلال مقابلة أجرتها معه شبكة CNN في 30 أيلول/سبتمبر إن دور الأسد سيكون محورياً في نجاح المفاوضات لإنهاء الصراع والانتقال إلى الديمقراطية الانتخابية. وعلى الرغم من أن أوباما خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه كيري، فقد قال إنه رغم تلطّخ يدي الأسد بالدماء، “تملي الواقعية بأنه سيكون هناك حاجة لمرحلة انتقالية مسيّرة بعيداً عن الأسد وتحت قيادة زعيم جديد”، مما يعني ضمنياً أن رحيل الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً لإجراء المفاوضات.

إلا أن السؤال الذي بقي عالقاً دون إجابة بعد كلمة أوباما في الأمم المتحدة هو: ما الذي تترتّب عليه “المرحلة الانتقالية المسيّرة”؟ هل ستشمل تحقيق العدالة لضحايا القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستخدام الأسلحة الكيميائية؟ هل سيرى السوريون العدالة تأخذ مجراها بحق أعضاء الحكومة السورية الذين أصدروا الأوامر بارتكاب هذه الفظائع؟ أم هل ستعمل المرحلة الانتقالية المسيّرة على تهميش العدالة في مقابل إنهاء فوري للصراع، مما يمنح حصانة للجناة رفيعي المستوى ضد التعرض للمساءلة في هذه العملية؟

بدأ السوريون يفقدون الأمل. ومن شأن وجود خطوط عريضة لما ستبدو عليه المرحلة الانتقالية المسيّرة إلى جانب وجود التزام صارم بالتقيّد بهذه الخطة أن يساعد في استعادة بعض الأمل ويعطي السوريين رؤية يصبون إلى تحقيقها بالتعاون مع شركاء دوليين. وقد أكّد كل من كيري وأوباما على أهمية وجود عملية انتخابية، غير أن العمليات الانتقالية ما بعد الصراع تنطوي على أكثر من مجرّد إجراء انتخابات. إذ تتضمن المرحلة الانتقالية الحقيقية خطة لنزع السلاح وإعادة إعمار البينة التحتية وإعادة الإعمار الاقتصادي وإعادة اللاجئين وتحقيق العدالة لقاء الفظائع المرتكبة والضرر الذي لحق بالممتلكات وإصلاح المؤسسات والالتزام بسيادة القانون.

وتتطلب هذه الخطوات استثمارات هائلة من حيث الوقت والموارد، وبدونها سيتم خلق فراغ يمكن أن يؤدي إلى التراجع إلى الوضع الذي كان قائماً ما قبل 2011، على نحو مشابه لما حدث في مصر، حيث كانت الثورة مجرد ومضة في السلسلة الاستبدادية للسلطة؛ بل والأسوأ من ذلك هو اليمن، حيث تجدّد العنف في نهاية المطاف بسبب عدم وجود قبول للعملية الانتقالية.

وبينما يصحّ القول بأن الواقع المرير للصراع قد يجبر السوريين في المعارضة على قبول مقترحات غير مرغوب فيها، فإن الاتفاق النهائي سيكون بلا مغزى إذا كان على حساب العدالة. وكما سبق وأن ناقش المركز السوري للعدالة والمساءلة، تبرهن الدروس المستفادة من العراق ولبنان بأن اتفاقات السلام التي لا تتناول مسألة العدالة لن تكون مستدامة، ويجب عدم النظر إلى العدالة على أنها عقبة في طريق السلام، وإنما شرط مسبق لتحقيق مصالحة دائمة طويلة الأجل. ودون وجود وضوح بشأن تفاصيل “المرحلة الانتقالية المسيّرة”، ستحرص روسيا على قيادة المباحثات والتي لن تكون نتيجتها في صالح الشعب السوري ولن تفضي إلى تحقيق استقرار على المدى الطويل في المنطقة.

لمزيد من المعلومات وتقديم الملاحظات والآراء، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]