"أنا ما بدخل جوا الطوق" ، قد تكون هذه الجملة هي من أكثر الجمل التي رددتها بسذاجة أيام التظاهرات السلمية ! دعوني أفسر ما هو الطوق! الطوق هو مجموعة من الناشطين الذكور يمسكون بأيادي بعضهم البعض ويحيطون النساء في المظاهرات ! وتختلف التفسيرات حول ذلك ابتداءً من أن ذلك منع للتحرش والتزاحم وحفاظا ً على خصوصية النساء، أنتهاء لحمايتهن وتسهيل هروبهن أولا ً لدى قدوم الأمن ! او حتى لمجرد منع الاختلاط بينهن وبين الذكور المشاركين في المظاهرة !
وبأحسن التفسيرات وأسوأها رفضت أنا وعدد من النسوة الخضوع لهذا القانون، كنا تلك الكريهات اللواتي نصّر كل مرة على أن نقول " ما بندخل جوا الطوق"
ومع ازدياد عدد المظاهرات، اصبحت مظاهرات يوم الجمعة تحديدا ً أكثر دموية، النظام يطلق ناراً ليقتل لا ليفرق المظاهرة فحسب! وأصبح الأصدقاء يقولون " بلا ما تنزل النساء عمظاهرة يوم الجمعة "
كانت جمل كتلك تلعب دورا ً معاكسا ً مع عدد من النساء أحداهن أنا، كلما قالوا أن هذا الاجتماع ليس للنساء ، ذهبنا .. كلما قالوا ان هذه التظاهرة " خطيرة على النساء" كلما ازددنا عناداً! كنّا مزعجات في أصرارنا الفج على أن نكون هناك !
في التحقيق يسألني المحقق بلهجته المتعالية : "وليه شحوارو .. شكلك حابة واحد سني؟"
كان ذلك المفهوم مهينا ً ويلخص عقليته الذكورية الطائفية الفجّة !
يستحيل ان أكون كأمرأة معنية في هذا الثورة أنا في خلفية الصورة لرجل ما هو يتصدر السبب وراء معارضتي للنظام !!
في المناطق المحررة، هناك من يقاتلن بشراسة لينضموا للاسعاف على الجبهات وعلى الخطوط الأمامية ! وأخريات يتحدين احتكار الرجال لفرص العمل في الشأن العام، يفتتحن ويدرن المراكز والمدارسّ
كل ذاك العناد والإصرار على المشاركة، لم ينبع فقط من كوننا جزء من هذا الوطن ويصيبنا ما يصيبه ويعنينا ما يعنيه وأن لا محمية طبيعية تفصلنا عمّا يلم به، لا كنا نزداد عناداً لأننا خائفات أنه مع تقدم الوقت سيقال أنها ثورة "الذكور" وان لا دور لنا في مستقبل سوريا ..
في الحقيقة، تعددت معارك النساء السوريات، بين انتهاك الصحافة لخصوصياتهن وبين زملاء الثورة الذين حاولوا تحييدهن مروراً إلى الاهتمام الايجابي المصطنع من المجتمعات المدنية البيضاء ! لنصبح "محجبات " في مقابلة " غير المحجبات" .
منذ سنتين تقريباً، قرأت مبادرة النساء من أجل السلام ! لم تذكر كلمة ثورة ولا مرة واحدة !! شعرت بالصفعة ! بعد كل تلك المعارك اليومية المنهكة لنقول أننا هناك
يأتي أحد ليحيلنا إلى "حمامات السلام " التي علينا أن نحضر جميع " الأطراف " إلى الطاولة ! والأطراف طبعا ً هم الذكور !
متى أصبحنا لسنا طرفا ً في الثورة ؟ ومتى استحال نضالنا إلى حياد مقيت ؟
رفضت طبعا ً وقتها المبادرة جملة وتفصيلا ً، قيل لي يومها أن المبادرة تهدف لاستقطاب الجميع !
ولكنني كضحية مباشرة وكـ"طرف " في الثورة ضد النظام ! شعرت بالإهانة ! لقد فشلوا في استقطابي على ما يبدو !!
وتفاقمت الأمور لاحقاً لتصبح "حزبية" الطابع! علينا كنساء أن نتفق حول موقف من الهدنة ! وموقف من المفاوضات وموقف من الانتخابات الأميركية ربما !
اجتماع سفراء الدول مع النساء السوريات ! اجتماع المبعوث الأممي للنساء السوريات !
صورة تذكارية للنساء السوريات !
أصبحنا بلا اختلافات بلا تناقضات، كتلة بلا ملامح، نحن النساء السوريات ! لا نشبه البلد بانقسامها ونضالها لأجل حقوقها ! لا نحن لدينا مواقف توافقية "كنساء سوريات"
وأصبح عليّ أن أتفق مع ريم تركماني ورجاء التلي " لاسمح الله " أكثر من اتفاقي مع من كنت معهم في ثورة حلب ! لمجرد أننا نساء ولمجرد أنهم ذكور !
وعوضا ً أن ينصب جهدنا على زيادة فعاليتنا ضمن الوفد المفاوض، نريد أن نعود إلى الوراء إلى معركة ممارسة السياسة بمعزل عن الرجال وكأن الرجال هم العدو في مقابل النساء الضحايا !!
حتى جاء المجلس الاستشارة للمرأة السورية ! فأصبحن مستشارين للرجل الأبيض الذي طلع إلينا ليحدثنا عن مخططاته عن تمكين المرأة "السورية "
يا للقرف !
وعوضا ً عن التركيز عن استخدام العنف الجنسي ضد النساء كأداة حرب تم الحديث المائع عن كل الأطراف وعن كيف تمنع العقوبات وصول المساعدات " وكأن النظام لا يحاصر مناطقا ً بأكملها" ! وعوضا ً أن يستغل امتياز قدرتهن على السفر والوصول وتحدث لغة الآخرين للتعبير عن شجاعة النساء السوريات في مواجهة ألف وألف معركة يوميا ً على امتداد الأرض السورية ، خرجن بصورة النساء اللواتي لا يهتممن بالموقف من الاستبداد ولا يشرن إليه علانية ! بل يتجاهلن ذكره وكأن ما أصاب سوريا هو زلزال من الذكور المتنازعين على السلطة !
يا للقرف مجددا ً !
أنا لا أمثل إلا نفسي، ولكنني أرفض جملة وتفصيلا ً أن يتم اختصار مطالبتنا بحقوقنا كنساء على أنه مطلب فاشي لا يهتم بمعاناة الآخرين، ولا يطالب بالديمقراطية ! وأرفض جملة وتفصيلا ً أن يتم اختزالنا بنساء لم نخترهن لتمثيلنا ! ليخجلن من أن يشيروا إلى دورنا في الثورة
أنا لا أمثل إلا نفسي، ولكنني لا زلت أرفض أن أدخل في "الطوق" ، سواء اعدّه من حولي المتظاهرين ! أو أطبقه حولي ديمستورا !