زوج يغطي زوجته بشماغه وتحولات الجدل العمومي
27 آذار (مارس)، 2016
لله درك يا شيخ تويتر، فلقد كسرت قيود النخبة الإعلامية التي جثمت على صدورنا عقودا طوالا، بأخبارهم ومقالاتهم التي لا تختلف عما كان يسميه الشعب الصابر « غصب واحد وغصب ثنين ». وجود الشيخ تويتر أعطى مساحة للشعب أن يتنفس وأن يكون حاضرا. وانعكس ذلك على تطور آداء النخبة الإعلامية.
فالشرطي الجيد (الشعب)، يصنع حراميا جيدا (النخبة الإعلامية).
جال هذا في ذهني وأنا أقلب صفحات تويتر، حتى أتيت على وسم يتحدث عن شخص في مطعم قام بتغطية كل منفذ محتمل ومتخيل يمكن أن يقود نظرة عابرة إلى محيط تواجد زوجته. وعلى الرغم من أن خصوصية هذين الزوجين قد انتهكت أيما انتهاك، إلا أنني سعيد بأن هويتهما لاتزال طي الكتمان. لكن شيوع الوسم استدعاني للتدبر في عدة نقاط وكتابة هذه السطور عن هذا الحدث.
أولا، صدع رؤوسنا شطر من الناس عن تعدي « المطاوعة »، في قضايا كثيرة، على حقوق هؤلاء الناس وحرياتهم الشخصية وخصوصياتهم. وكم من مرة انهالوا علينا باستشهادات العم بودلير وروسو وابن جيرانهم ليو ستراوس، حول الحداثة والحرية واحترام التعددية والعقد الإجتماعي. وهاهم الآن يقومون بنفس الإنتهاك الذي يقوم به الذي يسمون أنفسهم محتسبين. فكيف تطالبون غيركم باحترام خصوصياتكم وترك « اللقافة » وأنتم تقومون بالشيئ ذاته الآن؟ ما شأنكم أنتم وشأن هذين الزوجين؟ حتى ولو قام الزوج بإدخال خيمة كاملة إلى المطعم، ونصبها على طاولته هو وزوجته، ما شأنكم أنتم؟ يبدو أنهما مرتاحان يستمتعان بليلتهما وطعامهما معا، مالكم أنتم ومالهما؟
ثانيا، على الرغم من تقديري واحترامي العميق لمساحة هذين الزوجين الخاصة، إلا أنهما كان يجب أن يعرفا جيدا بأن خروجهما إلى الفضاء العمومي يحمل في طياته احتمال أن يكونا موضوع رأي عام. هذه هي القاعدة. (وياويلكم لو تطلعون مرة ثانية! معاهدكم بشديد العقاب لكتب فيكم عشر مقالات!). الخروج من المنزل يحمل الكثير من الإحتمالات، من ضمنها أنهما قد يكونا موضوع جدل عمومي. المدهش في الموضوع، أنه لا أحد يستطيع التحكم الآن في هذا الجدل. في السابق، كانت النخبة تتحكم في الجدل عبر قطع بث برنامج ما على قناة « غصب واحد » ووضع سباق هجن محله.
أما الآن، فلا مجال لسباقات الهجن في مضافة الشيخ تويتر.
ثالثا، لفت انتباهي ملاحظات شطر من المغردين، ومعظمهم من النصف الآخر للمجتمع، وقد ركزن في تعليقاتهن، حسبما رأيت، على علاقات السلطة بين الرجل والمرأة. يتسائلن: هل خروج هذين الزوجين هو قرار ثنائي، بالتضامن بينهما، أم أن أقصى ما يمكن أن يبلغه تضامن الرجل مع زوجته هو التقديم على قرض تضامني لشراء منزل؟ هل خرجا تلبية لرغبة الرجل لوحده، وفي هذه الحالة لاتصبح الزوجة سوى كائن تابع له وينفذ أوامره ويلبي رغباته، أم أن القرار ثنائي؟ وبالتالي، تأخذ عملية التغطية بالشماغ هذه بعدا سلطويا، إذ أن الرجل لم يكتفي بالجثوم على أنفاسها في المنزل، بل قام بـ « تلتلتها » إلى المطعم، ليجثم على أنفاسها بشماغه هناك أيضا.
رابعا، كان هنالك شطر من المعلقين، الذي يغلب عليهم صفة « الشرعيين ». ولبعض هؤلاء كلام لم يخرج عن المعقول والمنطقي. لكن المعقول والمنطقي لا يصنع الحدث الإعلامي، بل ماهو غير معقول وغير منطقي. ولفت انتباهي بين تعلقيات هذه المجموعة أن بعضهم أيد قرار التغطية، وهذا حق مشروع لمن أراد التأييد. لكن الإشكال يكمن في بعض التعليقات التي صنفت من يخالف قرار التغطية بالشماغ على أنه نابع من كون المخالف غير كاملة الأهلية « ماهو برجال » وغير كامل الإنسانية. حتى أن بعض التعليقات (وهي قليلة جدا، حسبما رأيت) قامت بتجريد المختلفين من دينهم وثقافتهم وعروبتهم وإنسانيتهم. وهذه كارثة.
مدهش جدا هذا التحول في بنية الجدل الإجتماعي وآلياته، وفي مفهوم المشروع وغير المشروع، وعن مسألة التساوي في القدرة على الطرح والأخذ والرد. لم يكن بمقدور أحد من عامة الناس أن يبدي رأيا ويرفض ويقبل ويناقش المختلفين معه، على هذا المستوى وبهذه الطريقة. كما أنه في السابق، وبحكم أن معظم الجدالات العموميه تحدث وجها لوجه، وفي ولائم « النزايل والشديد »، فإنه كثيرا ما كانت تعانق فناجيل القهوة جباه المختلفين بآرائهم، في مشهد بديع لايستطيع وصفه إلا واحد من ثلاثة: رافاييل أو ديستايوفسكي أو نيتشه! أما الآن، فبلمسة الإصبع، يختفي الضجيج!
لله درك يا شيخ تويتر، فلقد كسرت قيود النخبة الإعلامية التي جثمت على صدورنا عقودا طوالا، بأخبارهم ومقالاتهم التي لا تختلف عما كان يسميه الشعب الصابر « غصب واحد وغصب ثنين ». وجود الشيخ تويتر أعطى مساحة للشعب أن يتنفس وأن يكون حاضرا. وانعكس ذلك على تطور آداء النخبة الإعلامية.
فالشرطي الجيد (الشعب)، يصنع حراميا جيدا (النخبة الإعلامية).
جال هذا في ذهني وأنا أقلب صفحات تويتر، حتى أتيت على وسم يتحدث عن شخص في مطعم قام بتغطية كل منفذ محتمل ومتخيل يمكن أن يقود نظرة عابرة إلى محيط تواجد زوجته. وعلى الرغم من أن خصوصية هذين الزوجين قد انتهكت أيما انتهاك، إلا أنني سعيد بأن هويتهما لاتزال طي الكتمان. لكن شيوع الوسم استدعاني للتدبر في عدة نقاط وكتابة هذه السطور عن هذا الحدث.
أولا، صدع رؤوسنا شطر من الناس عن تعدي « المطاوعة »، في قضايا كثيرة، على حقوق هؤلاء الناس وحرياتهم الشخصية وخصوصياتهم. وكم من مرة انهالوا علينا باستشهادات العم بودلير وروسو وابن جيرانهم ليو ستراوس، حول الحداثة والحرية واحترام التعددية والعقد الإجتماعي. وهاهم الآن يقومون بنفس الإنتهاك الذي يقوم به الذي يسمون أنفسهم محتسبين. فكيف تطالبون غيركم باحترام خصوصياتكم وترك « اللقافة » وأنتم تقومون بالشيئ ذاته الآن؟ ما شأنكم أنتم وشأن هذين الزوجين؟ حتى ولو قام الزوج بإدخال خيمة كاملة إلى المطعم، ونصبها على طاولته هو وزوجته، ما شأنكم أنتم؟ يبدو أنهما مرتاحان يستمتعان بليلتهما وطعامهما معا، مالكم أنتم ومالهما؟
ثانيا، على الرغم من تقديري واحترامي العميق لمساحة هذين الزوجين الخاصة، إلا أنهما كان يجب أن يعرفا جيدا بأن خروجهما إلى الفضاء العمومي يحمل في طياته احتمال أن يكونا موضوع رأي عام. هذه هي القاعدة. (وياويلكم لو تطلعون مرة ثانية! معاهدكم بشديد العقاب لكتب فيكم عشر مقالات!). الخروج من المنزل يحمل الكثير من الإحتمالات، من ضمنها أنهما قد يكونا موضوع جدل عمومي. المدهش في الموضوع، أنه لا أحد يستطيع التحكم الآن في هذا الجدل. في السابق، كانت النخبة تتحكم في الجدل عبر قطع بث برنامج ما على قناة « غصب واحد » ووضع سباق هجن محله.
أما الآن، فلا مجال لسباقات الهجن في مضافة الشيخ تويتر.
ثالثا، لفت انتباهي ملاحظات شطر من المغردين، ومعظمهم من النصف الآخر للمجتمع، وقد ركزن في تعليقاتهن، حسبما رأيت، على علاقات السلطة بين الرجل والمرأة. يتسائلن: هل خروج هذين الزوجين هو قرار ثنائي، بالتضامن بينهما، أم أن أقصى ما يمكن أن يبلغه تضامن الرجل مع زوجته هو التقديم على قرض تضامني لشراء منزل؟ هل خرجا تلبية لرغبة الرجل لوحده، وفي هذه الحالة لاتصبح الزوجة سوى كائن تابع له وينفذ أوامره ويلبي رغباته، أم أن القرار ثنائي؟ وبالتالي، تأخذ عملية التغطية بالشماغ هذه بعدا سلطويا، إذ أن الرجل لم يكتفي بالجثوم على أنفاسها في المنزل، بل قام بـ « تلتلتها » إلى المطعم، ليجثم على أنفاسها بشماغه هناك أيضا.
رابعا، كان هنالك شطر من المعلقين، الذي يغلب عليهم صفة « الشرعيين ». ولبعض هؤلاء كلام لم يخرج عن المعقول والمنطقي. لكن المعقول والمنطقي لا يصنع الحدث الإعلامي، بل ماهو غير معقول وغير منطقي. ولفت انتباهي بين تعلقيات هذه المجموعة أن بعضهم أيد قرار التغطية، وهذا حق مشروع لمن أراد التأييد. لكن الإشكال يكمن في بعض التعليقات التي صنفت من يخالف قرار التغطية بالشماغ على أنه نابع من كون المخالف غير كاملة الأهلية « ماهو برجال » وغير كامل الإنسانية. حتى أن بعض التعليقات (وهي قليلة جدا، حسبما رأيت) قامت بتجريد المختلفين من دينهم وثقافتهم وعروبتهم وإنسانيتهم. وهذه كارثة.
مدهش جدا هذا التحول في بنية الجدل الإجتماعي وآلياته، وفي مفهوم المشروع وغير المشروع، وعن مسألة التساوي في القدرة على الطرح والأخذ والرد. لم يكن بمقدور أحد من عامة الناس أن يبدي رأيا ويرفض ويقبل ويناقش المختلفين معه، على هذا المستوى وبهذه الطريقة. كما أنه في السابق، وبحكم أن معظم الجدالات العموميه تحدث وجها لوجه، وفي ولائم « النزايل والشديد »، فإنه كثيرا ما كانت تعانق فناجيل القهوة جباه المختلفين بآرائهم، في مشهد بديع لايستطيع وصفه إلا واحد من ثلاثة: رافاييل أو ديستايوفسكي أو نيتشه! أما الآن، فبلمسة الإصبع، يختفي الضجيج!