قراءة في الهدنة السورية واستشراف ما بعدها

28 مارس، 2016

 

لا يخلو اتفاق كيري-لافروف حول وقف الأعمال العدائية في سورية الذي أُبرم يوم 22 فبراير/شباط 2016 من عملية ضبط للأطراف المحلية المرتبطة بهما لتقنين المواجهة بالوكالة. علاوة على أنه نوع من تنظيم سياسات الولايات المتحدة الأميركية ودولة روسيا الاتحادية في هذا البلد. لكن مجمل العملية لا يعطي أملًا مرجحًا بحدوث تطورات جدية فيما يخص حلَّ القضية السورية أو حتى نقلها إلى مستوى التجميد ومنع تفاقمها، إنما ينقل الصراع المستمر منذ خمس سنوات إلى أشكال وأساليب أخرى يمكن السيطرة عليها من قِبل الدولتين الكبريين.

بوتين: استراتيجية الحذر

حين تقدمت روسيا إلى الميدان السوري عسكريًّا، فعلت ما لم يجرؤ عليه أحد سواء من أعداء نظام الأسد أو حلفائه بما فيهم إيران، ولهذه الجرأة مكاسبها، لكن يترتب عليها الكثير من المخاطر أيضًا. وتُظهر تصريحات الكرملين، كما الوثائق المسربة حول الاتفاق الذي عُقد مع رأس النظام قُبيل التدخل، كمَّ الحذر الكبير الذي يَسِمُ خطوات بوتين وذهنيته الاستخباراتية، فمثلًا لم نتخيل أنه فكَّر بالتبعات السياسية والحقوقية لهجمات طائراته، وحمَّلها لنظام الأسد مسبقًا، ولم يتحسَّب مثلًا لاحتمال الوقوع في فخ حرب أيديولوجية مستدامة مع العالم الإسلامي. ويُلاحَظ في هذا الإطار ضبط روسيا لأعصابها بطريقة غير مسبوقة منذ إسقاط تركيا إحدى طائراتها على الحدود، كما لوحظ عدم مضيه أكثر في التدخل الأحادي عندما بدأ تدفق صواريخ التاو على فصائل المعارضة السورية يتعاظم ليحدث ما عُرف بمجازر المدرعات بحق قوات النظام التي تم الزجُّ بها بكثافة مع بدء الهجوم الجوي الروسي الذي اقتصر ظاهريًّا على سلاح الطيران، وحتى بالنسبة لهذه المساهمة الجوية فإنها ضُبطت بطريقة صارمة، وما زالت محدودة وغير استعراضية أو مبالغ بها، وكُلفتها لا تزيد بالفعل عن كلفة الطلعات التدريبية الاعتيادية للطيران الروسي، ولم يغامر، مع قدرته على ذلك، بزَجِّ أعداد كبيرة من طائرات سلاح الجو الروسي البالغة نحو ثلاثة آلاف طائرة، واكتفى بما لا يزيد عن 70 طائرة قاذفة وحوامة قتالية، وهو أقل من عتاد كلية عسكرية جوية متوسطة الحجم.

لكن تعقل بوتين وحذره يطاردهما شبح الزمن الذي يمضي بسرعة، ففي حين قال بداية إنه يحتاج لتفويض لمدة ثلاثة أشهر في سورية، عاد ليتحدث عن عمليات “مستمرة” حتى القضاء على ما أسماه بالإرهاب، بعد أن اكتشف بشكل ملموس أن قوات نظام الأسد غير مهيأة لتحقيق مكاسب مضمونة على الأرض حتى تحت مظلة سلاح الجو الروسي، وأن العملية ستستغرق وقتًا طويلًا، قد تنطوي على أحداث مفاجئة وغير محسوبة، تتكشف عنها الحروب فجأة، فتطيح بكل شيء، ومن جهة أخرى بدأ العد التنازلي لسنة أوباما الأخيرة في البيت الأبيض، ولا أحد يدري ما توجهات الرئيس الأميركي المقبل على صعيد السياسة الخارجية، خاصة أن كافة المرشحين قد ندَّدوا بتراجع نفوذ وهيبة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وصعود روسيا المتزايد على حسابها، وقد يتوجب على بوتين أن يواجه رئيسًا جديدًا ينزع إلى المواجهة، وسيقارع روسيا بالتأكيد في أكثر المواقع اضطرابًا وهو الشرق الأوسط، ويتعين بالتالي على بوتين أن يحصِّن نفسه هناك أو ينسحب بهدوء مع المكاسب الممكنة قبل حلول موعد تلك المنازلة.

أوباما: تأليب خصومه على بعضهم

بدوره، يعد أوباما أيام ولايته الأخيرة وكله خشية من انتكاس سياسته الخارجية في أية لحظة، والاضطرار إلى خوض مواجهة عسكرية تنتقص من بياض صفحته في التاريخ الأميركي كرئيس وفَّى بوعوده بعدم الزجِّ برجال بلاده في حرب خارجية. لكن هذا غير كاف، ودور القوة الأعظم في العالم ليس رهنًا بتطلعات رئيسها وأمنياته الخاصة، وخروج الشرق الأوسط عن سيطرة الإدارة الأميركية غير مسموح به، ليس لأهميته السياسية والأمنية فقط، وليس لأنه سيكون مكسبًا لغريمتها موسكو، بل لأن في هذا الإقليم حلفاء لا يمكن خذلانهم، مثل إسرائيل، وأصدقاء قد ينقلبون أعداءً خَطِرين مثل دول الخليج العربي وتركيا. لذلك تسير الإدارة الأميركية على ما يبدو حتى الآن على خطين متوازيين، فهي من جهة تُخلي الطريق لموسكو لتقوم ببعض الإجراءات التي من شأنها إبقاء الأزمة في المنطقة تحت سيطرة القوى الكبرى، وليست رهنًا بمزاجية وطيش قوى صغيرة أو متوسطة، مع بقاء أعينها مفتوحة على المنطقة وتطوراتها من خلال تواجد رمزي عسكري ودبلوماسي فيها لمنع موسكو من إحراز أي إنجاز والاستئثار بنتائجه منفردة.

وفي خلفية المشهد تقبع فكرة مؤداها أن أوباما المتهم بعدم الإنجاز على صعيد الملفات الخارجية، يأمل بأن غرور بوتين سيقوده إلى التورط في مستنقع الشرق الأوسط، وأنه سيسلِّم ولايته الثانية فيما روسيا، المصنَّفة كخطر رقم واحد على الأمن القومي الأميركي، عالقة ومشتبكة مع المتشددين الإسلاميين، المصنَّفين أيضًا كخطر رئيس على الأمن في أوروبا والولايات المتحدة.

لهذا لم تجد واشنطن غضاضة في إعطاء روسيا حقَّ مراقبة وقمع انتهاكات الهدنة في سورية، وبالتأكيد لم ولن تعترض على قصفها للجماعات المسلحة التي تصنفها إرهابية، بل جعلت من ذلك شرطها الرئيس لمنح التفويض السابق، وبالطبع مع التنصل أميركيًّا وأوروبيًّا من أي تعاون جدِّي أو شراكة في هذه الحرب، التي يجب أن يُعرف بوضوح أنها حرب روسيا.

نظام الأسد: القفز على حبال المتناقضات

يعرف الجميع أن نظام الأسد بحقبتيه، استقى سبب بقائه في كافة المراحل من دور وظيفي يلعبه لصالح قوة خارجية ما، ولم يكن له من أسباب البقاء الذاتي سوى القبضة الأمنية الحديدية والمرتكز الطائفي، وفي كل منعطف سياسي كانت قياداته تقرأ المتغيرات بشكل عميق لتنحاز إلى هذه الجهة أو تلك بحسب الحاجة والظرف، وبراغماتية النظام لم توفِّر صديقًا من حلفاء الأمس ولم تجعله عدوًّا في مرحلة ما، والعكس صحيح أيضًا، باستثناء إسرائيل التي بقيت العدو الحميم لذلك النظام طوال نحو نصف قرن؛ حيث شكَّل النظام الحماية الأقوى لها على حدودها مع المحيط العربي، من خلال التزامه المكين باتفاقية الهدنة.

والتطور الحالي المتمثل بالتدخل الروسي، واتفاق الهدنة ومآلاته، لا يمكن أن يُقرأ خارج هذا السياق، فقد قفز بشار الأسد إلى الحضن الروسي حين استنفد فرصته الإيرانية، وأصبح حضور الحرس الثوري وميليشياته الخارجية خطرًا وجوديًّا على النظام؛ إذ إن نظام ولاية الفقيه سرعان ما استنسخ أدواته المفضلة في سورية، وبدأ بإنتاج الميليشيات المذهبية المرتبطة به اقتصاديًّا وعقائديًّا وسياسيًّا، وبُعيد الاتفاق النووي بدا للنظام أن طهران تستعد لتصفية الحساب السوري من خلال التضحية ببشار الأسد مقابل الحصول على حقِّ الوصاية والرعاية للعلويين والشيعة السوريين، وليس صحيحًا على الإطلاق أن هذه القفزة قد تمت بموافقة ورضا طهران، بل حدثت عبر الابتزاز الصريح والعلني؛ إذ أعلن بشار الأسد أولًا عن عجزه عن مواجهة قوى المعارضة، وحدَّد سبب ذلك بنقص العنصر البشري تحديدًا، وهو ما ادَّعت إيران أنها ستوفره، ومن ناحية ثانية تم تسريب مجريات لقاء علي مملوك مع القيادة السعودية على نحو قصدي، وعلى الأخص ما قيل له عن كون إيقاف المناهضة العربية لنظام الأسد مشروطة بتخلِّيه عن إيران؛ ما كان رسالة واضحة بتخيير طهران بين أن تقبل بتوجه النظام جنوبًا نحو الخليج العربي، والتخلي عنها، أو الذهاب شمالًا نحو موسكو مقابل تخلي طهران عن جزء كبير من نفوذها الذي صنعته طوال خمس سنوات من القتال والإنفاق السخي.

إن حقبة التحالف الحالي مع الروس، محكومة أيضًا بهذه القاعدة الواضحة: إنقاذ النظام ثمن للنفوذ، أو عملية البحث عن نقيض جديد، وتحالف أكثر فائدة لن تكون بالأمر الصعب، سواء في معسكر الأصدقاء أو حتى الأعداء، ويبدو أن بوتين يدرك ذلك بجلاء، وتحوَّط له بوضع شرط في الاتفاقية المعقودة مع بشار الأسد يسمح لقواته بالبقاء سنة كاملة بعد أن يطلب منها مغادرة البلاد، علاوة عن منع مسؤولي النظام من دخول ثكنات الروس أو ممارسة أية سلطة عليها.

يبدو المشهد مفرطًا في واقعيته، وأوراق اللعب فيه مكشوفة لكنها حتى الآن ودية، ولن تتفجر النزاعات بين موسكو ودمشق ما لم يعلن الروس، ولو مداورة، عن استعدادهم لترحيل بشار الأسد عن رأس السلطة، ويجب ألا ينتظر أحد من بوتين أن يرتكب هذه الهفوة في المرحلة الحالية على الأقل؛ إذ إنه لم يمسك بعدُ بأوراق داخلية في سورية تمكِّنه من نبذ بشار الأسد، كما يراد منه، وتقديم بديل مقبول عنه، يحفظ ويراعي مصالح روسيا. وقد سارع نظام الأسد، وفي ساعة متأخرة من ليل اليوم الذي أُعلن فيه عن توصل كيري ولافروف إلى اتفاق الهدنة، للإعلان عن إجراء انتخابات نيابية في إبريل/نيسان القادم، ويبدو أن ذلك القرار اتُّخذ على خلفية تناقضٍ ما حول وجهات النظر بخصوص الاتفاق، وذهب النظام لتسجيل إنذار للروس، الذين عبَّروا بدورهم عن رفضهم لهذا التحذير على لسان ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي، ليعود بوتين بعد أيام لسحب هذا الاعتراض بقوله: إن الانتخابات النيابية لن تعرقل مسيرة الحل، ويبدو أن رسالة النظام قد وصلت بشكل أقوى هذه المرة، وربما من خلال إيران ذاتها. لكن الإشارة الأهم إلى هذه الحقيقة هي الإعلان الروسي المفاجئ عن الانسحاب من سورية، والذي عَزَاه بعض المصادر إلى خلاف بين بوتين والأسد حول المدة التي سيبقى فيها الأسد على رأس السلطة في سورية، ورفضه تحديد ذلك، وبالتالي عجز الروس عن قطع وعد للمجتمع الدولي بخصوص المرحلة الانتقالية؛ مما اضطرها لاتخاذ خطوة الانسحاب لمحاولة الضغط عليه، أو تبرير عدم قدرتها على انتزاع تنازل منه فيما لو استمر في رفض ذلك.

المعارضة السورية في المأزق مجددًا

لم تكن المعارضة السورية في حال أسوأ من حالها اليوم منذ بداية الثورة، فهي مشرذمة داخليًّا ومنقسمة إلى إسلاميين متشددين وآخرين أقل تشددًا، أو تجمعات لأشخاص بلا وزن حقيقي أو دولي أو إقليمي، وداعمها العربي والإقليمي المتمثلان في دول الخليج العربي وتركيا منشغلان بفقدان التوازن نتيجة التخلي الأميركي وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

والهيئة العليا للتفاوض قبلت الهدنة رغم إدراكها لما يحاك لها، حتى لا تخسر ما تبقى لها من دعم دولي، تستطيع أن تستعين به على النظام الذي استطاع استجلاب القوة العسكرية الثانية في العالم إلى صفه. سيُشكِّل تحسُّن الأوضاع الإنسانية نوعًا من المسوِّغ أو التبرير للتنازلات التي يتوجب على المعارضة تقديمها، وستصبح بعد ذلك وسيلة للضغط والابتزاز وارتهان القرار، كما كان السلاح وتوريده للمقاتلين نقطة الضعف التي تم لَيُّ ذراع الشخصيات والقوى الثورية والسياسية بواسطتها.

وبعد أن فعلت الدول العربية وتركيا كل ما بوسعهما سابقًا، أصبحت اليوم في موقف الذي لا يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله. فدول الخليج العربي أصبحت عاجزة مع غياب المظلة الأميركية عن تقديم السلاح للثوار السوريين وحجز موقع قوي على طاولة الحل، ناهيك عن تمدد الأزمات إلى داخل محيطها الحيوي خاصة في اليمن، ويبدو أنها أقنعت نفسها، أن خروج كلٍّ من إيران وتركيا من الساحة السورية بعد حلول الروس فيها، كافٍ في هذه المرحلة العاصفة، وما تصريحات وزير خارجية المملكة السعودية الدبلوماسية، وتلويحه مؤخرًا بحلف عسكري مع تركيا سوى لتأكيد تمسك المملكة بخروج منافسَيْها الإقليمييْن كليهما من الميدان السوري، وأن لا يتم الاكتفاء بإغلاق الحدود أمام تركيا، بل ترحيل الميليشيات الإيرانية أيضاً.

أمَّا تركيا فقد تكاثرت مشاكلها واستفحلت مع قيام كيانيين خطرين على حدودها، هما: تنظيم الدولة والإقليم الكردي، وبدأت تدفع أثمان ترددها طوال خمس سنوات وعدم فاعليتها في حلِّ القضية السورية، التي كانت تأمل أن تحقق الثورة فيها انتصارًا من تلقاء ذاتها، دون أن تُضطر لخوض مواجهة مدمرة مع إيران، وربما مع بعض الدول العربية، على أن تبسط سيطرتها لاحقًا على هذا الممر الحيوي إلى الخليج بأدواتها الاقتصادية المتفوقة، لكن حسابات حزب العدالة والتنمية جانَبَتِ الصواب، وبات هَمُ قادته إنقاذ رافعتهم الاقتصادية من المحرقة السورية، خاصة مع احتمال اندلاع نزاع مزمن مع المتطرفين الأكراد على طول حدودها الشمالية مع سورية.

إن موقف حلفاء الثورة السورية لا يسمح بتقديم العون العسكري في هذه المرحلة، بل إن العون المالي غير متاح لإمكانية ربطه بتمويل العسكرة، ولا ينبغي للمعارضة السورية أن تتطلع إلى أكثر من تغطية متقشفة لنفقات وفدها المفاوض.

استشراف المسارات

سيناريو انتصار نظام الأسد

إن إغلاق حدود سورية مع تركيا بواسطة الميليشيات الكردية، وإغلاق الحدود مع الأردن بالاستعانة بالميليشيات الإيرانية، ومحاصرة الثورة السورية في الداخل هي الخطوة الأولى على طريق إخضاع الثوار السوريين بالنسبة للنظام وداعميه. والمرحلة الثانية تتمثل في تمزيق وتشتيت مناطق سيطرة الثوار. والمرحلة الثالثة هي استنزاف قوى الثورة المقاتلة بدفعها للاقتتال أو استقطابها بالإغراء والتخويف والأدوات الأمنية. والهدف النهائي هو اضمحلال أو اختفاء ما يُسمَّى بالمعارضة المعتدلة، واقتصار المشهد الداخلي السوري على تنظيم الدولة من جهة، ومن جهة أخرى نظام الأسد، الذي ستُسنَد إليه وظيفة محاربة الإرهاب من قِبل القوى الدولية، وهو الدور الذي طالما حلم به وسعى إليه.

ضمن هذه الظروف، ستشعر المعارضة أنها مضطرة، إذا أرادت البقاء، إلى إفشال هذا المخطط وقطع الطريق عليه من خلال توحيد قواها المقاتلة تحت راية وطنية، وصناعة مظلة عسكرية تستقطب فئات القوى العسكرية التي ستتناثر تحت وقع ضربات النظام وروسيا، وأن تحافظ على وجودها وكيانها إلى حين مرور هذه السنة العصيبة.

كما أن المعارضة والنظام، والطرف الكردي الذي يعمل مستقلًّا عنهما، يجب أن لا ينتظر أو يختبر إمكانية التقسيم أو الفدرلة، لأنها غير واقعية، فهي تعني ببساطة منح العرب السُّنَّة دولة شرعية، أي الاعتراف بدولة تنظيم الدولة، بصيغة مواربة، وهذا ما يكافحه الجميع، لكن الطروحات جاءت أميركيًّا بصيغة غامضة مرموزًا إليها بالخطة “ب” في سياق تهديد دول المنطقة لضبط مواقفها خلف هدف وحيد هو محاربة تنظيم الدولة، وتلقف الروس الطرح وعدلوه إلى مصطلح الفدرلة الذي يشير إلى إقليم كردي بالدرجة الأولى، للضغط على تركيا لتعديل مواقفها حيال نظام الأسد، لكن الجميع يعرف أن هذا الخيار غير ممكن، شأنه شأن المنطقة الآمنة التي تم الترويج لها مطولًا ولم تحدث على الأرض إطلاقًا.

السيناريو الجهادي

لم تنجح العملية العسكرية الروسية في إحداث تحوُّل استراتيجي في المشهد السوري، وتزايدت حدَّة المخاطر التي قد تلحق بروسيا في عقر دارها، فلجأت إلى تهدئة حملاتها الجوية ثم سحب جزء من قواتها وسط ضجيج إعلامي وسياسي القصد منه أن تنجز بقية الخطة بهدوء ودون معوقات أو اعتراضات كبيرة، خاصة تلك المتمثلة بكون موسكو طرفًا في النزاع وحَكَمًا في الوقت نفسه، لكن ذلك لن يؤثِّر على مجريات العملية العسكرية الأمنية التي ستقود عبر ضربات انتقائية متتالية إلى انتزاع بندقية المعارضة تحت غطاء التفاوض والهدنة، ويبدو أن أطرافًا في المعارضة ومن الأصدقاء في الإقليم والعالم قد اقتنعوا بهذا المخطط الذي لا يرافقه أو يتضمن أي أفق سياسي للحل، باعتباره أدعى لراحة البال وتسكين القلق. لكن الجميع سيكتشف أنهم قد فجَّروا المنطقة فعليًا؛ إذ ما أن يقلب النظام طاولة التفاوض ليعلن انتصاره، ويضع حدًّا لأوهام السوريين وعموم سكان المنطقة في إمكانية تقرير مصيرهم بأنفسهم، بالوسائل السلمية الديمقراطية، حينها ستنهض القوى الجهادية وقد تسلَّحت بسردية إضافية حول مظلومية المسلمين السُّنَّة، وستتعزَّز مصداقية نظرية أن الجهاد المسلح هو الحل الوحيد، وسيشهد العالم الطور الأعلى من العنف الديني، المدعوم بخبرات خمس سنوات من القتال في سورية.