عقبات في طريق صياغة دستور جديد لسورية

2 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
7 minutes

مراد القوتلي – خاص السورية نت

يتركز الحديث في الوقت الحالي على صياغة دستور جديد لسورية في وقت تستمر فيه المعارك وعمليات القصف، آملاً من الأطراف الفاعلة بالملف السوري تحويل نقلة في وقت تتعقد فيه المشكلات المتصلة بالقضية السورية، سيما وأن الخلاف على مصير الأسد في السلطة ما زال قائماً حتى الآن.

وتطرح سيناريوهات صياغة الدستور سيما من قبل أمريكا وروسيا بطريقة تبدو أنه من السهل تحقيق هذا الأمر، في ظل تناسي عمق الخلافات بين الأطراف السورية والتجاذبات الإقليمية التي لعبت دوراً مهماً فيما وصلت إليه الأوضاع الآن في سورية، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عسكية، بحيث أن صياغة دستور جديد لسورية قد يعمق المشكلة أكثر مما يحلها، خصوصاً إذا لم يراعي بالدرجة الأولى مصالح السوريين.

الموعد المحدد

 وتأتي وجهة النظر هذه من وقائع تشير إلى عقبات عديدة تقف في نجاح محاولات صياغة دستور جديد. وبحسب اتفاق روسي – أمريكي فإن شهر أغسطس/ آب القادم موعد محدد لوضع دستور جديد لسورية، لكن استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية وسام الدين عكلة، استبعد في تصريحات خاصة لـ”السورية نت” أن يكون الموعد الذي تم الحديث عنه مناسب لوضع دستور جديد للبلاد.

ويفسر ذلك بأن “المفاوضات التي تمت خلال الجولتين السابقتين لم تستطع حل أي من عقدة من الملف السوري، بل على العكس من ذلك، ربما زادت تعقيدات الملف مع الموقف الدولي الذي يتجاهل الحديث عن مصير رئيس النظام في هذه المفاوضات وفي عملية الانتقال السياسي المرتقب، والتستر بالقرار 2254 لعام  2015  للهروب إلى الأمام تحت الضغوط الروسية”.

الآليات

وتحتاج صياغة الدستور إلى جهود استثنائية تؤدي في النهاية إلى نجاح هذا الأمر، ويتطلب ذلك آليات مدروسة وتوافق بين الأطراف المتعددة، ومع الإقرار بحجم الخلافات بين المعارضة والنظام، تتوضح صعوبة وضع دستور جديد في الوقت الحالي.

ويقول العكلة إن “الحديث عن إقرار دستور لا يزال بعيد المنال، لأن إعداد الدستور يحتاج لعملية معقدة تبدأ من اختيار الجهة التي ستتولى وضع هذا الدستور والفترة التي ستحتاجها هذه الجهة لوضعه، سواءً أكانت (جمعية عمومية تنتخب مباشرة من الشعب، أم لجنة يتم التوافق عليها من الأطراف السياسية الفاعلة)، إضافة إلى التحضير لعرض مسودة الدستور على الاستفتاء ومن ثم فرز الأصوات وإعلان النتيجة وإقراره أم رفضه من قبل الشعب”.

ويشير عكلة إلى وجود عقبات كبيرة ستواجه وضع مسودة الدستور الجديد، نتيجة لاختلاف المواقف والتجاذبات السياسية والمحاصصات العرقية والسياسية والطائفية التي ستبرز في وضع هذه المسودة، إضافة إلى الأجندات الإقليمية والدولية التي ستتصارع على وضع دستور يتناسب مع مصالح حلفائها في سورية.

ويفصّل في حديثه عن العقبات المتعلقة بصياغة الدستور، عبر ذكره لنقاط خلافية منها:

  • ألية تشكيل واختيار أعضاء اللجنة التي ستتولى مهمة وضع مسودة الدستور.
  • اسم الدولة وشكلها “موحدة سياسياً (بسيطة)، أم دولة اتحادية (فيدرالية)”. وعلمها ودينها واللغة أو اللغات الرسمية فيها.
  • الاتفاق على تبني نظام سياسي جديد للدولة، أي شكل النظام السياسي في الدولة، هل سيكون النظام نيابي برلماني، أم رئاسي، أم شبه رئاسي؟
  • الشريعة الإسلامية ستكون إحدى العقبات البارزة التي ستواجه وضع الدستور، فهل سيتم النص على الإسلام على أنه المصدر الرئيس للتشريع أم لا ؟
  • آلية انتخاب رئيس الدولة وصلاحياته ومدة ولايته وإمكانية التجديد لأكثر من مرتين؟
  • من سيتولى منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة ؟
  • صلاحيات رئيس الحكومة وآلية انتخابه أو اختياره من البرلمان؟
  • مسألة حقوق الاقليات العرقية والدينية واللغوية والمرأة ستثير جدلاً  كبيراً وواسع بين ممثلي هذه الأقليات وباقي السوريين.
  • من العقبات الرئيسة التي ستواجه وضع الدستور مطالبة الأكراد بضمانات لتحقيق وإقرار الفيدرالية وتغيير علم الدولة واسمها والمطالبة بإدراج اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية.
  • المصالحة الوطنية والانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتعويض الضحايا.

دين الرئيس

وفي تصريح سابق له الأسبوع الماضي، تطرق رأس النظام بشار الأسد إلى الحديث عن دين رئيس الدولة السورية، وأعرب عن رفضه لحصر منصب الرئاسة بشخص مسلم فقط، وهو موقف يدلي به الأسد لأول مرة، ورجح مراقبون أن يكون قوله قد جاء بتوجيه روسي، سيما وأن موسكو تعارض إقامة حكم سني في سورية، وفقاً لما أدلى به العديد من مسؤوليها.

وفي هذا السياق، اعتبر استاذ القانون والعلاقات الدولية العكلة أن “هذه التصريحات من الأسد مصدرها روسيا التي تحاول رسم الخارطة السياسية لسوريا المستقبل من خلال قواعد وقوانين تقيد الحكومات المقبلة، وهذه القوانين تتعلق بشكل الدولة ودين رئيسها وآلية الانتخابات البرلمانية والتشريعية”. وأضاف: “فمن المعروف أن روسيا ضغطت بقوة داخل الفريق الدولي لدعم سوريا للنص على علمانية الدولة السورية في القرار 2254 الذي يعتبر حالياً المرجع الرئيس للانتقال السياسي في سوريا. إضافة إلى ذلك يريد بشار الأسد أن يغازل الغرب بأنه يؤيد تولي منصب الرئاسة أي شخص سوري حتى لو كان من الأقليات الدينية الأخرى وهذا ربما يكون للتمهيد لمحاصصة طائفية لتقسيم الرئاسات الثلاث في الدولة كما هو الحال في لبنان والعراق”.

وهذه النقطة تمثل جوهر خلاف مع المعارضة السورية التي تؤكد من جهة على حقوق جميع السوريين، لكنها ترفض بالوقت نفسه العمل بطريقة المحاصصة لما تعتبره خطراً على مستقبل البلاد، فضلاً عن وجود فصائل ذات طابع إسلامي لها وزنها في ميدان المعارك، سترفض على ما صرح به الأسد عن دين رئيس الدولة.

متى تصاغ الدساتير؟

ويوضح العكلة أن الحالات التي يجري اللجوء فيها إلى وضع دستور جديد للبلاد، تكون على الأغلب في حالات الانتقال من الأنظمة الدكتاتورية إلى الديمقراطية، أو الانتقال من نظام سياسي معين إلى نظام آخر، كالانتقال من النظام الملكي إلى الديمقراطي أو من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية، أو في حال الانفصال أو التحرر من الاستعمار أو الاحتلال حيث تلجأ الدولة الوليدة إلى وضع دستور خاص بها.

ويختم العكلة تصريحاته لـ”السورية نت” بالتأكيد على أهمية الاستعانة بالخبرة الإنسانية وبتجارب الدول في الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية من جهة، وعدم الابتعاد عن متطلبات الواقع وخصوصية الشعب السوري من جهة أخرى، لوضع دستور عصري يلبي طموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة ويكفل حقوقه الأساسية.