هل تقايض القاهرة إيطاليا بالصفقات الاستثمارية مقابل “تمرير” مقتل “ريجيني”؟


أفاد تقرير نشره موقع صحيفة “فيننشال تايمز” أن مقتل الباحث الإيطالي بالقرب من القاهرة في يناير الماضي عرَض رئيس وزراء إيطاليا، ماتيو رينزي، لواحدة من أصعب المعضلات الدبلوماسية خلال فترة حكمه.وقد تعرض جوليو ريجيني، 28 عاما، طالب الدكتوراه في جامعة كامبردج، للتعذيب وقُتل ثم أُلقي به في حفرة على مشارف العاصمة المصرية بعد اختطافه، ويقول خبراء وناشطون إن وفاته كانت على الأرجح على يد الأجهزة الأمنية في البلاد.

وكان يُعدَ في مصر أطروحة حول الحركات العمالية عندما اختفى في وسط القاهرة في 25 يناير ليعثر على جثته بعد تسعة أيام وعليها آثار تعذيب.وقال التقرير إن هذه الحالة روَعت العديد من الايطاليين وسلَطت الضوء على الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي يرتكبها نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وتظاهر الآلاف في روما للمطالبة بمحاسبة القتلة.وما جرى أجبر رئيس الحكومة الإيطالية، رينزي، على النظر في مجموعة من التدابير الانتقامية ضد القاهرة، من استدعاء السفير الإيطالي، إلى فرض عقوبات اقتصادية وتحذيرات من السفر.وقد رعى رئيس الوزراء الإيطالي بعناية العلاقات مع مصر منذ توليه منصبه في عام 2014، ومثل هذه الخطوات العقابية يمكن أن تؤثر سلبا في العلاقة الوثيقة جدا مع السيسي، والتي أفضت إلى موجة من الصفقات التجارية والاستثمارية الثنائية، فضلا عن التعاون في قضايا الأمن، مثل الصراع في ليبيا ومكافحة الإرهاب والهجرة.

“رينزي تشبث حقا بالسيسي، وكانت علاقته معه واحدة من أكبر إنجازات سياسته الخارجية، وقد بناها أساسا من الصفر”، وفقا لما نقلته صحيفة “فايننشال تايمز” عن “ماتيا توالدو”، باحث سياسي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مضيفا: “لذلك، يبدو الأمر محرجا عند الاختيار بين الحفاظ على علاقة بهذه الطريقة أو تفعل شيئا ما لتهدئة الرأي العام المحلي”.ومن الواضح أن الضغط السياسي على “رينزي” لاتخاذ موقف صارم ضد مصر في تزايد مستمر منذ مقتل الباحث “ريجيني”.

وقد أثارت شهادة أمه “باولا ريجيني” أمام البرلمان الإيطالي الشهر الماضي المزيد من الغضب الشعبي في هذه القضية: “لا أستطيع أن أقول لكم ما فعلوه به، فلم أتعرف على شيء من جسده سوى أنفه فقط”.وقالت “حركة خمس نجوم” الشعبية، حزب المعارضة الرئيس في إيطاليا، إنه يجب على رئيس الوزراء، “رينزي”، قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مضيفا: “هذا هو الثمن الذي تدفعه إيطاليا، ثمن سياسة خارجية لا ضمير لها وإبرام الصفقات القذرة مع الأنظمة القمعية الشرسة”.

وأطلقت منظمة العفو الدولية حملة من أجل “الحقيقة” في قضية قتل “ريجيني”. ونقلت الصحيفة عن الباحث الإيطالي “توالدو” قوله: “أي شيء لا يتضمن اعترافا بالمسؤولية من قبل الأجهزة الأمنية المصرية لا يمكن قبوله في إيطاليا”.وأفاد التقرير أن سلسلة من الاجتماعات عُقدت بين كبار المسؤولين المصريين وأعضاء النيابة العامة الايطالية يوم الخميس والجمعة، على أنها الفرصة الأخيرة لمصر لتقديم رواية ذات مصداقية عن القتل.

وادعت القاهرة، بأشكال مختلفة، أن الطالب الإيطالي كان قد اختطف من قبل عصابة إجرامية انتحلت زي رجال الشرطة، وشارك في جريمة جنسية وصُدم من قبل سيارة.وقد اشتكى مسؤولون إيطاليون، لأسابيع، أن مصر حجبت المعلومات والوثائق الأساسية  حول جريمة القتل، في محاولة لإخفاء تورط الأجهزة الأمنية.لكنَ المسؤولين الإيطاليين، وفقا للتقرير، يعترفون بأنه يمكن أن يترتب على اتخاذ موقف متشدد تجاه مصر سلبيات وأضرار، فالصفقات التجارية الجديدة هي بالفعل “مُجمدة”، كما قال أحد المسؤولين، وهناك خطر من أن المشاريع الاستثمارية القائمة، بما في ذلك مشروع تطوير حقل غاز كبير في البحر المتوسط ​​قبالة الساحل المصري من قبل شركة “ايني” الإطالية العملاقة للطاقة، يمكن أن تواجه انتكاسات.

كما إن مصر شريك أساس في مكافحة “داعش” وفي الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا.ولتقليل فرصة للانتقام من القاهرة، اقترح بعض المسؤولين أن تدفع إيطاليا حلفاءها في الاتحاد الأوروبي للتوقيع على موقف أكثر تشددا. ذلك أن البرلمان الأوروبي أقر الشهر الماضي قرارا يصف فيها جريمة قتل “ريجيني” بأنها “رسالة تقشعر لها الأبدان” إلى البلدان التي تسعى إلى بناء العلاقات مع القاهرة، وقد وقعت “في وقت تزايدت فيه، بشكل كبير، تقارير التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة وغيرها من حالات الوفاة في الحجز وحالات الاختفاء القسري في جميع أنحاء مصر.