البشير يُعلن ترك السلطة عام 2020.. فمن هو خليفته المُحتمل؟


«لن أترشح مجددًا لرئاسة البلاد»، ليست المرة الأولى التي يعلن فيها صاحب الفترة الرئاسية الأطول في تاريخ السودان الحديث، بـ27 عامًا، وأطول حكام الشرق الأوسط أيضًا، ممن وصلوا إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري، قاده عام 1989؛ إذ أعلن نفس الشيء قبل انتخابات أبريل (نيسان) 2010.

إعلان البشير الأخير، يأتي في ظل أوضاع سياسية واقتصادية معقدة تعيشها السودان منذ عقود عدة، وعلاقات معقدة مع المعارضة السودانية وأحزابها المختلفة. كما أنّه يطرح العديد من التساؤلات حول المرحلة التي مر بها السودان طيلة فترة حكم الرجل، فضلًا عن توقيت إعلانه هذا وجديته.

قبل الحديث عن طبيعة القرار، وما سيفرزه خلال السنوات القليلة المقبلة، لابد من الإشارة إلى بدايات تواجد البشير في السلطة السودانية، التي استولى عليها في يونيو (حزيران) 1989، بانقلاب عسكري، قبل أن يُعاد انتخابه مرة أخرى العام الماضي، رغم أنه كان قد أعلن قبل ذلك عدم ترشحه للرئاسة.

البشير وحكمه للسودان

البشير الذي ينتمي إلى قرية «حوش بانقا»، إحدى ضواحي مدن شمال السودان، قادته قريته إلى مهنة السلاح والقتال منذ سن 16 عامًا، إلى أن التحق بالكلية العسكرية السودانية عام 1960، وحصل على الدرجات العلمية في مجال العلوم العسكرية.

ولا يخفى على أحد أن البشير في شعاراته وخطاباته، كان متأثرًا بالتيار الإسلامي، إلى جانب أن الانقلاب الذي قاده ضد حكومة الصادق المهدي، والذي سُمّي بـ«ثورة الإنقاذ»، دعمه الإسلاميون بقوة.

نظرة سريعة إلى فترة حكمه، لترى عديدًا من الصراعات والأزمات التي عايشها السودان خلالها، والتي كان ولا يزال من أبرزها «إقليم دارفور»، فضلًا انقسام الجنوب السوداني، مُكوّنًا دولة جنوب السودان، ثُمّ الصراع بين الجنوب والشمال.

حتمًا، يكمن الصراع الأول في جنوب السودان، إذ تمتد جذوره إلى الاستعمار البريطاني. وانخرط البشير في الصراع مذ كان عسكريًا على ظهر دبابات الجيش، قبل أن يرافقه ملفه إلى كرسي الرئاسة، ليوقع نائبه الأول، علي عثمان محمد، مع أعداء الأمس، اتفاقية سبتمبر (أيلول) 2003، والمعروفة باسم اتفاقية الترتيبات الأمنية في نيفاشا.

وفي 2008، طالبت المحكمة الجنائية الدولية البشير تسليم المتورطين لديه من الوزراء في ارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفو. وسبق إقرار مجلس الأمن، عقوباتٍ اقتصادية على السودان، كما حظر سفر بعض مسؤوليها.

وبعد المطالبة بتسليم المتورطين، انضم البشير إلى قافلة المتهمين، لـ«ارتكابه جرائم ضد الإنسانية»، بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، «لويس مورينو أوكامبو« من قضاة المحكمة، إصدار مذكرة اعتقال بحقه.

ليصبح بعدها ثالث رئيس دولة تصدر المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال بحقه، بعد رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلر، والرئيس السابق ليوغسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش.

وفي هذه النقطة تحديدًا، ذكر البشير، ضمن تصريحاته الأخيرة، أنه غير قلق من الاتهامات التي وجهتها له محكمة الجنايات، بل إنها منحته رصيدًا بين أبناء شعبه، وكانت سببًا في فوزه ضمن الانتخابات التي جرت العام الماضي، أو هكذا يزعم.

فضلًا عن تأكيده، على أن إقليم دارفور، أصبح خاليًا من المتمردين، إلا جيوبًا صغيرة من أعضاء حركة تحرير السودان، وأن الحكومة وضعت خطة لنزع السلاح من المدنيين، بعد شهر من الآن، وإعادة توطين اللاجئين والنازحين.

وهو ما يشير، من وجهة نظر البشير، إلى عدم الحاجة لوجود البعثة الدولية والمنظمات الإنسانية، لاسيما وأن الحكومة كفيلة بتقديم المساعدات للنازحين، البالغ عددهم 160 ألف شخصًا، «وليس ملايين الأشخاص كما تقول منظمات الأمم المتحدة»، على حد تعبيره.

رسائل البشير للداخل والخارج

وتعقيبًا على ذلك، تحدث «ساسة بوست«، مع عباس محمد، المحلل والباحث السوداني، الذي لفت إلى أن توقيت تصريحات البشير لا يحمل أي جديد على مستوى الإرادة السياسية، وهو مكرر سابقًا حينما أعلن عدم ترشحه لانتخابات عام 2010.

وربط محمد، توقيت القرار، بزيارة البشير لولايات دارفور، والتأكيد على أن إنفاذ السلام في المنطقة، وبسط الأمن والاستقرار من أولويات حكومته، مضيفًا إلى أنّه «قد تكون الصدفة، ومناسبة الزيارة، التي قام بها البشير إلى ولايات دارفور، أنها حملت في طياتها رسائل سياسية هامة للداخل والخارج، على حد سواء، وأعطت تصريحًا يوحي بنية الرئيس التنحي في2020، كونها الزيارة الأولى، بعد إعادة انتخابه رئيسًا للبلاد العام الماضي«.

بالإمكان أيضًا، أن يُضاف إلى ما سبق، وقت الزيارة، التي جاءت قبيل أيام من عملية الاستفتاء الإداري، الذي سيحدد الوضعية الإدارية للإقليم، بين الإبقاء على الوضع الحالي للولايات الخمس أو عودة نظام الإقليم الواحد، لاسيما وأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يؤيد نظام الولايات الخمس، لكن بعض أحزاب المعارضة رأت أن الوقت غير مناسب لإجراء استفتاء.

لكن، ما الذي يريده البشير في الوقت الحالي؟ يجيب محمد على ذلك، قائلًا، إنّ «ما يريده البشير، هو توصيل رسائل للداخل والخارج معًا. رسالته إلى الداخل محصورة في حزب المؤتمر الوطني بخصوص مسألة خلافته، بأنها باتت محسومة لصالح رجل من المؤسسة العسكرية في حال لم يترشح هو».

أما عن رسالته الخارجية، فيرى عباس محمد، أنها موجهة إلى الدول التي دفعت بملف دارفور إلى داخل أروقة المحكمة الجنائية الدولية. رسالة مفادها، أن خطوة كتلك، لن تُجبره على ترك الحكم تحت وطأة الضغوط الخارجية. «يريد البشير، أن يقول لمن يحاول مساومته بملف الإقليم، أن بقاءه في الحكم أو تركه، هو أمر يقرره هو فقط«، يقول الباحث السوداني، عباس محمد.

ويلفت محمد إلى أن إعلان البشير عدم ترشحه في الانتخابات التي أجريت عام 2010، كان مرهونًا بجملة الإصلاحات داخل الحزب والدولة، والتي تضمنت تنحي قيادات من الصف الأول على مستوى قيادة الحزب والجهاز التنفيذي.

وبالتالي، فإن الإصلاح وقتها ارتبط بترشيح شخص آخر خلف البشير من المؤسسة العسكرية، حيث كان الفريق بكري حسن صالح، ولايزال، الخليفة العسكرية المحتمل للبشير، بسبب شغله منصب نائب أمين الحركة الإسلامية، إلا أن البشير لم يشأ التنحي رغم تنحي قيادات مخضرمة داخل الحزب.

وحتى تقترب الصورة أكثر، تحدث «ساسة بوست« أيضًا إلى وائل نصر الدين، الناشط الإسلامي، الذي يرى أن البشير والنخبة الحاكمة في السودان، لن تسلم السلطة لحكومة منتخبة، مبررًا ذلك بأن الكتلة الحاكمة، «ارتكبت جرائم كبرى من فصل جنوب السودان وانتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور وجبال النوبة، وغيرها من المناطق»، على حد تعبيره.

لذا فإن نصر الدين، مُتأكد، من أنه إذا سلم البشير السلطة، فإنه سيسلمها لجنرال عسكري، على اعتبار موالاة الجيش السوداني للرجل، ولكونه «شريكًا في الانتهاكات المدان بها البشير، وبالتالي الحديث عن التنحي، مرتبط بالحوار الوطني السوداني، الذي دعت له السلطة الحاكمة قبل عامين، وتعهدت بتنفيذ مخرجاته، كما قال الناشط الإسلامي»، كما يقول نصر الدين.

وكان من أبرز مخرجات الحوار الوطني، الذي انطلق بدعوة من البشير، ويضم أكثر من 100 حزب سياسي بين قوي وضعيف، وموال للحكومة ومعارض لها؛ إصدار دستور جديد، وتحديد مدة وصلاحية الرئيس.

وفي السياق نفسه، وصف الناشط الإسلامي، حديث البشير عن التنحي، بـ«محاولة الإغراء للقوى الرافضة للحوار الوطني، مثل الصادق المهدي، وهو ما يشير إلى جديته في حوار حقيقي مع المعارضة».

من هو خليفة البشير؟

تتوجه الأنظار إلى بكري حسن صالح خيري، النائب الأول للرئيس السوداني، والذي عينه عام 2013. وكان الرجل ممن شاركوا في الإعداد والتخطيط لانقلاب 1989.

ومنذ وقت ليس بالقصير عمل البشير على الدفع بمن يثق به، للمركز الثاني، فيما يبدو كتمهيدٍ لتسليمه دفة القيادة، ففي مؤتمر الحركة الإسلامية، قبل بضع أعوام، دفع الرئيس بالفريق أول صالح خيري، ليصبح نائبًا للأمين العام للحركة.

هذه خطوة فسرها المراقبون وقتها، بأن حركة لسحب الثقة من علي عثمان، وأن وزير شؤون الرئاسة في طريقه ليصبح الرجل الثاني في الدولة، مدعومًا بولاء مؤسسته العسكرية، لاسيما وأن صالح خيري، ضابطٌ محترف بالقوات المسلحة السودانية، في سلاح المظلات.

وعمل خيري قائدًا للقوات الخاصة في السابق. وأنهى كل دوراته الحتمية. كما أنّه الوحيد المتبقي من مجلس قيادة الثورة التاريخي. ولم يفارق الرجلُ البشيرَ مذ أن كان الأخير رائدًا بالسلاح، في إشارة واضحة إلى أن المؤتمر الوطني هو ميدان المعركة الأخيرة بين النظام والمعارضة.

وبالتالي، منذ اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل، الموقعة مع الحركة الشعبية، أصبحت هناك ثلاثة كيانات متوازية تخضع في نفوذها وإدارتها للثلاثة الكبار: الدولة، وهي بالكامل في يد البشير مستندًا على مرجعية القوات المسلحة، إلى جانب الحركة الإسلامية، وهي تنظيم فضفاض يضم كل التيارات ذات المرجعية الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، وجماعة أنصار السنة، وتعتبر المرجعية الفكرية للدولة والحزب، وهي بيد علي عثمان طه. بالإضافة إلى المؤتمر الوطني الحاكم، بكل ثقل نشاطه وأجهزته شبه العسكرية، كالدفاع الشعبي، بيد نافع علي نافع، مساعد الرئيس، ونائب رئيس الحزب.

هذه الاتفاقية، أفرزت إلى ما يشبه الانقسام داخل الدولة، بين قوى لها ثقلها، لا يزال الصراع السياسي مُستمرًا بينها، وبينها وبين أحزاب وقوى المعارضة المُختلفة.

علاقة البشير بالمعارضة

يتضح من خلال الظروف السياسية المعقدة في الأراضي السودانية، طبيعة العلاقة المتوترة بين المعارضة والنظام الحاكم منذ سنوات طويلة، فلطالما قاطعت المعارضة الانتخابات، بخاصة الأخيرة، ووصفتها بـ«غير النزيهة».

وفي عام 2014 اندلعت احتجاجات شعبية، ضد نظام البشير، ردًّا على قرارات رفع الدعم الحكومي على المحروقات، سقط فيها برصاص الأمن، ما يقارب 200 متظاهر، حتى دخلت البلاد في موجة من الاعتقالات السياسية، وقمع الاحتجاجات.

مؤخرا، أعلنت قوى «نداء السودان»، والتي تضم أحزاب الحركة الشعبية، والحركات المسلحة الدارفورية، إلى جانب حزب الأمة المعارض بقيادة الصادق المهدي، المواجهة مع النظام الحاكم في الخرطوم، لعدم الموافقة على جملة المطالبات، والتي من أبرزها عمليات الإصلاح والحوار الشامل في البلاد.

جاء الإعلان متزامنًا مع رفض الحكومة السودانية، المشاركة في المؤتمر التحضيري الخاص بالحوار، الذي دعت الوساطة الإفريقية إليه، للاتفاق على إطار شامل لإدارة الحوار الوطني، على اعتبار أنه «الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب وتحقيق الديمقراطية والحل السياسي».

كانت هذه القوى قد اقترحت مسبقًا برنامجًا لسياسات بديلة، تُعنى بالفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي في البلاد، بعد أن اعتبرت الحكم الحالي على وشك الانهيار، دون حرص النظام الحاكم للتصور المقترح.

لكن، لا يزال السودان يشهد مواجهات سياسية بين الحكومة وحزب الأمة المعارض، على خلفية طلبٍ تقدم به جهاز الأمن والمخابرات، لتجميد نشاط الحزب لتوقيعه على اتفاق مع الجبهة الثورية المسلحة.

نظرة أُخرى للنظام الحاكم في السودان، ترى أنه بات يفقد كافة القوى المكونة للمشهد السياسي، وأن سياسته «الإقصائية» ومقاربته الأمنية «القمعية»، كانت سببًا في تنفير الجميع من حوله، دون أن يبقى أحد، سوى القوى الموالية له والمكتسبة من خزائن الدولة.

لذلك، على الرغم من قرار المحكمة الجنائية الدولية بوقف التحقيقات في جرائم الإقليم، والتي تعطي دعمًا قويًا للرئيس السوداني، إلا أن الأوضاع داخل السودان من قبل قوى المعارضة تشير إلى أن نظام ما يُسمى بـ«ثورة الإنقاذ«، أو انقلاب 1989، يسير إلى محطته الأخيرة، في حال استمرار سياسة البشير على ما هي عليه، واتهامه لقوى المعارضة.