رغم التجاوزات: لماذا ينجح نمط الحكم القائم في دولة الإمارات؟


في مقال نشره موقع Middle East Forum، كتب «دانييل بايبس»، المؤلف والمؤرخ الأمريكي ومدير مركز أبحاث منتدى الشرق الأوسط، متناولًا الوضع الحالي في دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل التغيرات الكبرى التي مرت بها المنطقة، وسر نجاح نظام الحكم في الدولة، وما إذا كانت الدولة تحتاج لتغييرات في هذا النظام من عدمه.

ووفقًا للمقال فإنه في منطقة تنتشر بها الحروب الأهلية في دول، مثل سوريا واليمن وليبيا، والديكتاتورية العنيدة في دول، مثل تركيا ومصر، ودولة ذات طموح نووي، كإيران، وكارثة مائية محتملة في العراق، قد يكون النجاح الإماراتي بمثابة مفاجأة كبرى في تلك المنطقة.

ويشير الكاتب إلى أن الإمارات تواجه عددًا من التحديات الكبرى، كقربها من إيران والعراق، وعدم سيطرتها على أي مصدر للماء العذب، ومشكلة انخفاض اسعار النفط، وكون قرابة 90% من السكان من الأجانب، ووجود بعض المتطرفين، وعلى الرغم من ذلك، مازال سكانها البالغ عددهم 10 ملايين نسمة يعيشون بأفضل حال، وهو ما يرجعه كاتب المقال إلى سببين رئيسين:

وفق الكاتب، فالسبب الأول يكمن في نظام الحكم الفريد للبلاد؛ إذ يشبه النظام فيها بنظام الحكم السويسري، في الوقت الذي يحكم الإمارات السبع في الدولة سبعة أفراد مختلفين، ويعتبر كل حاكم من هؤلاء جزءً لا يتجزأ من عائلة ممتدة ومؤثرة، وهو ما يجعل من أمر سيطرة حكم فرد واحد أمرًا مستحيلًا، كما يملك كل حاكم إمارة سلطة مطلقة داخل إمارته، مما يعطي كل إمارة طابعًا مميزًا للغاية، وفريدًا من نوعه.

السبب الثاني بحسب التقرير هو التوافق بين الحكام ومحكوميهم، وتمتع الحكام بصلاحيات واسعة في مقابل تحقيق الاستقرار والازدهار للبلاد. وتمثل الإمارات – كغيرها من بلاد الخليج – مزيجًا من الماضي القبلي، والحاضر الغني بالنفط، ما يجعل من الأساليب السياسية التقليدية التي تتطلب الأخذ والرد أمرًا نادر الوجود في تلك الدول، ويحل محله ما وصفه الكاتب بـ«أبوية» الحكومة، إذ يخضع الجميع لها، وهنا تستبدل بالديموقراطية «جلسات» مفتوحة تحت رعاية الحكام في الدولة.

وصاية الدولة

تقتضي «الأبوية» التي يتمتع بها الحكام في الإمارات عدم الدخول في أي تحدٍ معهم، بحسب التقرير، فلا يجب على الإطلاق أن يحاول أحدهم تقليل سلطات الحاكم، كما يجب تقديره والحفاظ على وضعه العام، وهو ما يجعل المجتمع يتجه نحو التركيز في أمور أخرى، كعائلاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والتسوق والمتعة والسفر، وغيرها، طالما ابتعد الأمر عن التطرف والحدة غير المرحب بهما على الإطلاق في البلاد. نتيجة لذلك، تكون أغلب الأخبار الواردة من الإمارات خفيفة للغاية، والتي غالبًا ما تكون بشأن اجتماعات بين القادة، أو بشأن أسعار النفط أو الرياضة، وغيرها من الأخبار الخفيفة.

يضيف الكاتب أنه على الرغم من نجاح النظام الإماراتي إلى حد كبير، لا يبدو الوضع مريحًا بالنسبة للأجانب داخل الدولة، وخاصة ممن اعتادوا العيش في مناخ من حرية التعبير لأقصى درجة لينتقلوا إلى مجتمع يختلف في الأمر تمامًا، فكل من يرغب في تجاوز الحدود المقبولة للمجتمع والنظام الإماراتي، فعليه التوجه إلى مكان آخر؛ لأن العقاب يمكن أن يكون مروعًا. يذكر المقال مثالين لهذا الأمر، أولهما لزوجين من بريطانيا قاما بتناول الخمر، ثم الخروج للشاطئ؛ لتقبيل بعضهما البعض، ليجدا أنفسهم تحت الاعتقال، ومواجهة حكمًا بالسجن لثلاثة أشهر مع دفع غرامة، ثم ترحيلهما من البلاد بعد انتهاء مدة السجن. الحالة الثانية كانت ترحيل استرالية من البلاد بعدما نشرت تعليقًا على «فيسبوك» تهاجم فيه قيام أحدهم بركن سيارته بين مكانين مخصصين للمعاقين، فتم القبض على السيدة فور وصول شكوى من صاحب السيارة.

الأمر الأسوأ بحسب الكاتب هو أن أفراد العائلة الحاكمة يسمح لهم بالتجاوز، دون الخضوع للعقاب؛ إذ ذكر واقعة لـ«عيسى بن زايد آل نهيان» شقيق حاكم «أبو ظبي»، والذي قام بتصوير مقطع لنفسه يقوم فيه بتعذيب أفغاني؛ يتهمه بخداعه في مبلغ 5 آلاف دولار، إلا أنه – بعكس ما حدث للسيدة الاسترالية – لم يواجه أية عقوبة؛ لأن وزير الداخلية – شقيقه – أراد ذلك.

يرى التقرير أن الجانب الإيجابي لتلك القيود الاجتماعية في الإمارات هو ندرة الفساد، بالمقارنة مع دول الشرق الأوسط الأخرى، ما أدى إلى وصول الدولة إلى النجاح. يلخص الكاتب الأمر في نهاية المقال قائلًا «إن النظام الإماراتي الحالي – وإن كان يخطئ كثيرًا- إلا أن الأمر سيكون أسوأ بكثير إذا فُتِح الباب للديموقراطية، كما حدث في دول المنطقة الأخرى، وأن الأفضل بالنسبة للدولة هو استمرار الحال على ما هو عليه حاليًا».