روسيا سحبت طائرات قتالية من سورية وزجت بالمزيد من مقاتليها على الأرض


مر شهر على إعلان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" سحب جزء كبير من قواته الموجودة في سورية، إلا أن القوة العسكرية لبلاده في سورية ما تزال على نفس المستوى، فعلى الرغم من تراجع عدد الطائرات المقاتلة لا تزال روسيا تحتفظ بعدد كبير من طائرات الهليكوبتر الهجومية القادرة على توفير دعم قتالي عن قرب لقوات نظام بشار الأسد.

وقالت وكالة رويترز في تحليل أجرته إنه "وفقاً للبيانات المعلنة وتحليلها لم يظهر أي تراجع في عمليات الإمداد، فالرحلات المنتظمة لطائرات الشحن التابعة للجيش الروسي لا تزال مستمرة وتصل إلى قاعدة حميميم (بريف اللاذقية) غرب سورية، منذ إعلان بوتين سحب معظم القوات في الخامس عشر من مارس آذار".

واستمرت كذلك عمليات الإمداد عبر مسار الشحن "السوري السريع"، فضلاً عن انتشار قوات من سلاح المهندسين الروسي في مدينة تدمر التاريخية، وأوضحت الوكالة أن معلومات أظهرت "وجود قوات خاصة روسية في سورية"، وهو ما يشير إلى مشاركة أكبر في العمليات العسكرية الدائرة بسورية، وهو أكبر مما اعترفت به روسيا سابقاً.

وقال "نيك دي لاريناجا" محرر الشؤون الأوروبية في مجلة "آي.إتش.إس جين ديفنس" الأسبوعية: "لم يجر سحب كبير للقوات. الوجود العسكري الروسي في سورية لا يزال بنفس القوة التي كان عليها في نهاية 2015".

وخفف إعلان الانسحاب من الضغط السياسي الغربي على "بوتين" فيما يتعلق بالتدخل في سورية، وأتاح الفرصة لإجراء عمليات صيانة للطائرات التي استخدمت بكثافة. ولفتت وكالة رويترز في تحليلها إلى أن "الإبقاء على وجود عسكري قوي في سورية يمكن بوتين من الاحتفاظ بقدرته على التأثير على الوضع هناك من خلال مساندة بشار الأسد أوثق حلفاء موسكو في الشرق الأوسط".

كما بيّن التحليل أن الرئيس الروسي يرغب في ضمان دور بلاده في المساعي المبذولة للتوصل إلى حل للملف السورية، و"هي عملية استغلتها موسكو لإثبات وجودها كقوة سياسية عالمية بعد أن نبذها الغرب بسبب الأزمة في أوكرانيا"، وفقاً لرويترز.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو أمس الخميس نشرها مدونون أتراك من خلال موقع (بوسفورس نيفال نيوز) على الإنترنت سفينة الإنزال الروسية ساراتوف في طريقها إلى قاعدة طرطوس البحرية الروسية في محافظة اللاذقية بغرب سورىة، محملة بعشر شاحنات عسكرية على الأقل.

ويتكرر ظهور هذه السفينة في المسار "السوري السريع" الذي تستخدمه روسيا لنقل إمدادات إضافية وعتاد إلى سورية منذ الإعلان عن سحب القوات. ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلبات مكتوبة أرسلتها رويترز للتعليق.

قوات كبيرة

في الأسابيع الأخيرة أرسلت موسكو قوات روسية وعتاد عسكري إلى سورية جواً، وتنقل طائرة شحن من طراز إليوشن آي.إل-76 تشغلها القوات الجوية الروسية تحت رقم تسجيل آر.إيه-78830 شحنتين في الشهر إلى سورية منذ ديسمبر /كانون الأول.

ووفقا لموقع "فلايترادار24.كوم" المتخصص في بيانات التعقب فإن آخر رحلة قامت بها هذه الطائرة كانت للقاعدة الجوية الروسية في اللاذقية في التاسع والعاشر من أبريل/ نيسان الجاري.

وتتسع الطائرة لما يصل إلى 145 شخصاً أو 50 طناً من العتاد، وفي هذا السياق، قال كولونيل في القوات الجوية الروسية لرويترز إن "طائرات الشحن آي.إل-76 استخدمت لنقل مركبات ثقيلة منها طائرات هليكوبتر إلى سورية وهو ما زاد من أعداد طائرات الهليكوبتر المقاتلة في البلاد بينما خفضت روسيا من أعداد طائراتها المقاتلة".

وأضاف: "سحبنا بعض الطائرات وأضفنا طائرات هليكوبتر. لا نحتاج لإسقاط كميات كبيرة من القنابل خلال وقف لإطلاق النار (...) يمكن لطائرات الهليكوبتر أن تحلق على ارتفاعات أقل وأن تراقب الأرض بشكل أفضل."

كما تظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرها محللو مجلة "آي.إتش.إس جين ديفنس" الأسبوعية على الإنترنت أن لدى روسيا حاليا أكثر من 30 طائرة هليكوبتر في سورية، ويشمل ذلك أسطولا من نحو ثماني طائرات من طراز إم.آي-28إن نايت هانتر، و كيه.إيه-52 أليجيتور في قاعدة الشعيرات الجوية جنوب شرقي مدينة حمص.

وقال "جاستن برونك" وهو باحث في المعهد الملكي للدراسات الأمنية والدفاعية إن "صورا منفصلة تظهر 22 مقاتلة و 14 طائرة هليكوبتر في قاعدة حميميم الجوية، مقارنة بتسع وعشرين مقاتلة وسبع طائرات هليكوبتر تم رصدها هناك في أوائل/ فبراير شباط". وأضاف: "كل ما تم سحبه في الحقيقة هو المقاتلات الهجومية. ومن الناحية الفنية فإنها قوة أكبر كثيراً مما كانت عليه."

قوات خاصة

من جانبهم يقول مسؤولون غربيون إن "الطائرات الهليكوبتر من طراز كيه.إيه-52 هي المروحية الرسمية التي تستخدم لمساندة القوات الخاصة في الجيش الروسي وإن ظهورها في سورية دليل على تزايد أعداد القوات البرية الروسية التي تشارك في القتال مباشرة".

واعترفت روسيا بوجود قوات خاصة في سورية للمرة الأولى بعد فترة وجيزة من إعلان انسحابها العسكري، قائلة إن "تلك القوات تنفذ مهام استطلاع تنطوي على مخاطر كبيرة إلى جانب مهام خاصة أخرى".

ومنذ الإعلان يقول دبلوماسيون غربيون إن القوات الروسية استهدفت بشكل متزايد تنظيم "الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة". وكانت روسيا تركز ضرباتها من قبل على معارضين آخرين للأسد بما في ذلك جماعات يعتبرها الغرب معتدلة.

ويوضح استبدال المقاتلات بالهليكوبتر أن دور روسيا العسكري الجديد في الملف السوري، هو الاشتراك المباشر في القتال على الأرض بدلاً من إسقاط القنابل من على ارتفاع آلاف الأقدام.

ويقول "دي لاريناجا" إن "طائرات الهليكوبتر الهجومية تلعب دوراً في المعارك أكبر من ذلك الذي كانت تلعبه المقاتلات فيما سبق". وأضاف "لم نشهد من قبل قط طائرات روسية تحلق على هذا المستوى المنخفض."

واستخدمت الهليكوبتر من طرازي إم.آي-28إن و كيه.إيه-52 والتي تشبه كثيرا طائرات الأباتشي الأمريكية لتوفير غطاء جوي عن قرب لقوات النظام، عندما حقق تقدماً باستعادة تدمر من "تنظيم الدولة" في مارس/ آذار الماضي. وقال برونك إن نشر طائرات الهليكوبتر هو استجابة للاحتياجات المتغيرة لجيش النظام.

ومنذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2015 تشارك روسيا في عمليات عسكرية مساندة لقوات النظام، وادعت روسيا أن ضرباتها تتركز على مواقع "تنظيم الدولة"، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن النسبة الأكبر من الغارات الروسية استهدفت مناطق المعارضة الخارجة عن سيطرة النظام والتي تخلو من وجود التنظيم، إذ تسببت الغارات الروسية باستشهاد أكثر من ألفي شخص وإصابة المئات، وفقاً لما ذكرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.