عُرف مصير المهاجرين إلى أوروبا.. ماذا عن العائدين إلى تركيا

16 أبريل، 2016

منذ أيام، تم وضع المئات من المهاجرين على متن سفن وترحيلهم من اليونان إلى تركيا. ونظرا إلى كونهم أولى مجموعات تتم إعادتها وفقا لاتفاق الهجرة، المثير للجدل، والمبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فقد جرت عملية الترحيل من جزيرتي ليسفوس وخيوس اليونانيتين إلى ميناء ديكيلي في تركيا، تحت مرأى ومسمع وسائل الإعلام الدولية.

ونقلت وكالة رويترز عن شاهد قوله إن زورقي ركاب يرفعان علم تركيا ويقلان 131 مهاجرا أبحرا من جزيرة ليسبوس إلى بلدة ديكيلي التركية، وكان على متن الزورقين عناصر من الشرطة اليونانية. وتم نقل اللاجئين خلال الليل من مراكز الاحتجاز إلى ميناء الجزيرة.

ما تم تصويره وعرضه للرأي العام، كان تفاصيل لهذه الرحلة فقط التي انتهت عند الحدود البحرية التركية، أما ما حدث بعد ذلك لهؤلاء المرحّلين -وماذا سيحدث للآلاف من الأشخاص الذين سيتبعونهم بالتأكيد- فذلك لن يتم تصويره ولا الحديث عنه من قبل حكومات الاتحاد الأوروبي التي لم تفكّر سوى في البحث عن حل يضع حدّا لوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين وبأثر فوري، وفق كريستي سيغفريد، محررة شؤون الهجرة في وكالة إيرين للأنباء الإنسانية.

وتشير سيغفريد إلى أنه تم نقل هؤلاء المهاجرين إلى مركز احتجاز تمّ تشييده مؤخرا في منطقة بهليفانكو، شمال غرب تركيا. ولم يتح للصحافيين الوصول إليهم. ولم تحصل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على تصريح للتحدث إليهم، حتى بعدما اتضح لاحقا أن 13 شخصا من العائدين لم يمنحوا الفرصة للتقدم بطلبات لجوء إلى اليونان.

ويقضي الاتفاق الأوروبي مع تركيا بأن تمنع هذه الأخيرة المهاجرين من السفر إلى أوروبا وفي نفس الوقت تستقبل جميع المهاجرين الذين وصلوا إلى اليونان بصورة غير شرعية بعد 20 مارس، بمن فيهم طالبو اللجوء السوريون الهاربون من الحرب في بلادهم. مقابل ذلك تحصل تركيا على مبلغ مبدئي مقداره 3 مليارات يورو للمساعدة في دعم 2.2 مليون لاجئ سوري تستضيفهم؛ وتخفيف القيود على تأشيرات دخول الأتراك؛ واستئناف المحادثات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفق ما جاء في بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي.

اليمين الأوروبي يغلق حدود الدول المتقدمة في وجه الفارين من الجحيم ويلقيهم رهائن في معسكرات اللاجئين

لكن ما لم يوضحه البيان هو كيف من المفترض أن تفي تركيا، التي لم تقدّم استراتيجية واضحة لمواجهة قضية اللاجئين، بالتزاماتها بموجب هذه الصفقة، عدا شنّ حملة أمنية على شبكات التهريب. وهذا الأمر يجعل وصف تركيا بـ”البلد الثالث الآمن” مشكوكا فيه ومحلّ انتقادات.

وبلد ثالث آمن، يعني، وفق القوانين الأوروبية والدولية، بلد يتوقع أن يجد فيه العائدون عملية لجوء تتسم بالنزاهة والكفاءة، ومن ثم ينبغي أن يتمتع أولئك الذين يريدون التقدم بطلبات لجوء سليمة وسارية، بالمعاملة والحقوق النموذجية المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

لكن، كيف يمكن أن تكون تركيا هذا البلد الآمن؟ وهي التي سبق وأن صرح رئيس وزرائها، أحمد داوود أوغلو “سنعيد غير السوريين الذين يتم توقيفهم في بحر إيجه إلى بلادهم، بينما سوف ننزل السوريين في مخيمات”.

ينظر الخبراء إلى الاتفاق الموقّع بين تركيا وبين الاتحاد الأوروبي على أنه صفقة غير إنسانية كان ثمنها لاجئين هاربين من جحيم الحرب في بلادهم، من هؤلاء المهاجرين مؤمنة الأسد، سورية من بلدة إدلب، وهي حامل في شهرها السابع وتقيم مع أبنائها الخمسة داخل المعسكر في ظروف معيشية صعبة، ومن دون زوجها الذي سافر إلى ألمانيا بحثا عن ملجأ دائم للأسرة المشردة.

تروي مؤمنة قصّتها لـ”العرب”، موضّحة أن رحلتها انطلقت، منذ حوالي شهرين من إدلب، إلى ميناء أزمير في تركيا ومنه إلى اليونان بعدما دفعت مبلغا قدره 3900 دولار، وهو كل ما تملكه، كأتعاب للشخص الذي تولى تهريبها مع عائلتها.

وفي شهادة أخرى خلال جولة داخل معسكرات المهاجرين واللاجئين في إليانوس على ميناء بيريوس في أطراف العاصمة اليونانية أثينا، التقت “العرب” بمريم، وهي من أفغانستان كانت تعمل مديرة مالية بإحدى شركات المقاولات العالمية في العاصمة كابول، وكانت تعيش حياة مترفة حتى تلقت تهديدات بالقتل من عناصر إرهابية عبر الهاتف. تقول مريم إن محتوى المكالمة لا يزال يرن في أذنيها “إذا لم تتركي العمل مع الرجال ستخرجين من الحياة بأكملها”، ما دفعها للتخلي عن العمل الذي كان يؤمن لها نفقات أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال.

وتضيف قائلة إنها لم تطلب اللجوء إلى اليونان لأنها تعاني من أزمة اقتصادية، والكثير من أبناء هذا البلد لا يجدون وظائف، لكن الخطة كانت اللجوء إلى بلد أوروبي آخر يوفر لها حياة كريمة، غير أنها واجهت نفس السيناريو الذي عاشته مؤمنة، بداية من السير عدة كيلومترات على الحدود بين الدول، ثم الدفع السخي لمهربين من إيران وتركيا قادوها وزملاءها حتى وصلوا إلى الجزر اليونانية، ثم اختفوا بعد أن ضاعت مدخرات العائلة.

ماذا سيكون مصير مؤمنة ومريم لو وصلتا إلى تركيا؟ وهل غامرتا بكلّ هذا لينتهي بهما المطاف إلى مصير مجهول في تركيا وعودة لا تقلّ خطورة إلى سوريا أو أفغانستان؟ فكل المؤشّرات، وفق خبراء في مجال قانون اللاجئين تقول إن تركيا لا تفي بالمطلوب.

وتؤكد كريستي سيغفريد المواقف المشكّكة في إمكانية أن تكون تركيا، التي تعاني من ارتفاع كبير في البطالة بنسبة 11.1 بالمئة، وتواجه حربا مع الأكراد وسياسة داخلية وخارجية مضطربة، بالفعل “بلدا آمنا”. وتستشهد في هذا السياق بتصريح لأوتشن أولوسوي، محامي حقوق الإنسان من تركيا، أشار فيه إلى ادّعاءات بسوء المعاملة في مركز ترحيل للمهاجرين غير النظاميين في بلدة أش قلعة، ووصف نظام الهجرة واللجوء في تركيا بأنه “لا يزال في بدايته”. وكتب أولوسوي واصفا نظام الهجرة في تركيا “نظرا لأنه يفتقر إلى الخبرة، ويعاني من ضعف التجهيز والتدريب، ويخضع لتأثيرات خاطئة، فإن هذا النظام بعيد جدا عن توفير ملاذ آمن للمهاجرين واللاجئين”.

على الرغم من أنه يحق لطالبي اللجوء من غير الأوروبيين الآن الحصول على الرعاية الصحية الأساسية والتعليم والعمل، إلا أنه غالبا ما يكون من الصعب جدا نيل هذه الحقوق على أرض الواقع. ولذلك يعمل معظم المهاجرين وطالبي اللجوء في الاقتصاد غير الرسمي، إن وجدت فرص عمل بالأساس، ويخططون إما للانتقال إلى أوروبا أو يأملون في أن تقوم المفوضية بتيسير إعادة توطينهم في بلد ثالث.

وقال متين كوراباتير، رئيس مركز بحوث اللجوء والهجرة، الذي يتخذ من أنقرة مقرا له “النظام مغلق… لا يوجد في تركيا حتى الآن أي خيار للاندماج المحلي لغير الأوروبيين، ولا توجد استراتيجية لذلك من قبل الحكومة”. وأضاف “ينبغي أن تشمل الحماية الدولية إيجاد حلول دائمة في صورة إدماج محلي بما في ذلك الوضع القانوني والحقوق. هذا الأمر غير قائم في تركيا. لا يوجد أي خيار حقيقي للاعتراف بالشخص كلاجئ والسماح له ببدء حياة جديدة في تركيا”. ومؤخرا أقرت تركيا تعديلا يسمح بإعادة منح وضع الحماية المؤقتة للسوريين بعد عودتهم من اليونان (في السابق كان يتم إلغاء وضعهم القانوني إذا غادروا الدولة). وأشار كوراباتير إلى “أنه سوف يتم السماح لهم بالعيش في تركيا، لكن إمكانيات الاندماج غير قائمة”.

وعلى الرغم من أنه يفترض أن يتم استخدام الثلاثة مليارات يورو، المقرر أن تحصل عليها تركيا بموجب هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، لتحسين أوضاع اللاجئين السوريين، إلا أن كوراباتير يشكك في أن يكون هذا المبلغ كافيا. ونقلت عنه شبكة يرين، “الأمر لا يتعلق بالجوع والافتقار إلى فرص العمل فحسب، بل عدم وجود وضع قانوني وضمانات للوصول إلى الحقوق”.

وقام جوري فان جوليك، نائب مدير منظمة العفو الدولية لشؤون أوروبا بزيارة ليسبوس لمتابعة إجراءات إعادة المهاجرين. وقال لرويترز “هذا الإجراء قائم تقريبا على افتراض أن تركيا بلد آمن للاجئين ووثقنا بوضوح تام أنها ليست كذلك الآن”. وقال فان جوليك “الأمر الأهم الذي لا ننتبه إليه هو أن هؤلاء الأشخاص يفرون من مشاهد مروعة للحرب ونحن نعيدهم ببساطة من حيث أتوا”.

وفي شهادة أخرى، يقول فينسنت كوشتيل، المدير الإقليمي للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أوروبا، إنه “لا يمكن اعتبار تركيا بلدا للجوء” وأن قانون اللجوء فيها غير فعال.

يدعم ذلك جيري سيمسون، الباحث المتخصص في قضايا اللاجئين في منظمة هيومن رايتس ووتش بقوله: “هناك صمت يصم الآذان من قبل تركيا والمفوضية بشأن ما إذا كانت الأولى ستتيح لطالبي اللجوء، غير الأوروبيين العائدين من اليونان، التقدم بطلبات اللجوء والتعامل مع هذه الطلبات بشكل عادل”. ويضيف “إذا كانت تركيا ستبدأ في ترحيلهم تلقائيا إلى أماكن مثل أفغانستان والعراق وباكستان، فستكون اليونان بذلك تنتهك بشكل واضح قانون الاتحاد الأوروبي الذي يحظر العودة إلى بلدان غير آمنة”.

وتشير سيغفريد إلى أنه وفي ظل أن المفوضية تعطي الأولوية لطلبات اللجوء المقدمة من أشدّ الفئات ضعفا، مثل القُصّر غير المصحوبين بذويهم والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، فإن طالبي اللجوء من جنسيات أخرى يتحملون ما يصفه كوراباتير بفترات انتظار “لا تُطاق” لتحديد وضع اللجوء. وقد قيل للبعض أنه سيتعين عليهم الانتظار حتى عام 2025 قبل أن يتسنى لهم حتى عقد المقابلة الأولى.