سياسيون مصريون يسألون لـ “أولاند” بخصوص صفقة “الرافال” والسفن الحربية

19 أبريل، 2016

محمد جمال –

 كانت قضية حقوق الانسان والحريات هي القنبلة التي توقع سياسيون ونشطاء مصريون ان يفجرها الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند أمام الرئيس المصري “السيسي”، ليس لأن انباء انتشار التعذيب والقتل والاختفاء القسري بات تزين صفحات الصحف العالمية منذ مجيء السيسي للحكم، ولكن لأن شابان ايطالي وفرنسي كان ضحية هذه الانتهاكات.

ولكن لأن الزيارة غلب عليها المصالح الاقتصادية، وغلب الرئيس الفرنسي مصالح بلاده المالية على حقوق الانسان، فكان من الطبيعي أن يذكر سياسيون وصحفيون: لماذا فضلت فرنسا – بلد الحريات – مصالحها الاقتصادية على انتهاكات حقوق الانسان وجلست تبتسم على جثة القيم الانسانية؟

لقاءات في فرنسا ومصر والمحصلة صفر

فقبل وصول الرئيس الفرنسي لمصر بيومين عقد اثنان من أبرز مستشاري فرانسوا هولاند، اجتماعا مع مسؤولي ست من المنظمات الدولية والفرنسية والإقليمية العربية، ناقش “الوضعية الكارثية لحقوق الإنسان في مصر”، بحسب الحاضرين.

حيث عُقد الاجتماع في قصر الإليزيه بباريس، وشارك فيه جاك أوديبرت مستشار الرئيس الفرنسي للشئون الدبلوماسية، ودافيد كفاش مستشاره لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وكريم لحجي رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وميشيل توبيانا رئيس الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان، وممثلون عن منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان.

واليوم الاثنين 18 أبريل عقد لقاء أخر في الساعة السابعة مساء بمنزل سفير فرنسا بالقاهرة، ضم الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له، وحضره من مصر الدكتورة هالة السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء السابق، والنائب محمد أنور السادات، والصحفي الناصري المقرب من الرئاسة المصرية، عبد الله السناوى، والسياسية والإعلامية جميلة اسماعيل، زوجة السياسي أيمن نور السابقة، والمحامي المرشح الرئاسي السابق خالد على.

وبينما تبين مما ترشح عن (اللقاء الاول) في باريس، أن الفرنسيين استمعوا للشكاوى حول حقوق الانسان قبل وصول أولاند لمصر، ولكن لم يطرحوها علنا أمام السيسي إلا بعدما أجبر الصحفي الفرنسي “أدريان جندر”، أولاند على انتقاد حقوق اﻹنسان بمصر، كشف من حضروا (اللقاء الثاني) أنهم انتقدوا بوضوح جلوس فرنسا على جثث القيم الانسانية.

وقالت القناة الفرنسية، الاثنين، في موضوع لها تحت عنوان ” أنه على الرغم من أن مسألة “حقوق اﻹنسان” كان من المقرر مناقشتها بين الرئيس فرنسوا أولاند ونظيره عبد الفتاح السيسي، خلف اﻷضواء، إلا أن صحفي تلفزيون “بي أف أم” جعلها تظهر للعلن ووتر الاجواء.

وأشارت لأن أولاند اضطر للدفاع عن سؤال مراسل بي أف أم تي في” وهي قناة إخبارية تلفزيونية خاصة تبث من فرنسا، وتعد من أكثر القنوات مشاهدة حيث يتابعها أكثر من 10 ملايين يوميا.

 وقالت القناة الفرنسية أن: الوفد المرافق لفرانسوا أولاند أكد أن مسالة حقوق الإنسان ستناقش بين الرئيسين “بطريقة سرية وفعالة” في القاهرة، ولكن هذا الموضوع سيطر تقريبا على معظم المؤتمر الصحفي الذي جمع بين أولاند والسيسي.

وعشية الزيارة، دان الاتحاد الدولي لحقوق الانسان ومنظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش “الصمت المطبق” من قبل فرنسا إزاء “القمع الذي تتعرض له منظمات المجتمع المدني” في مصر.

هل ثمن “الرفال” الصمت على الحريات؟

الإعلامية “جميلة إسماعيل” روت ما قالته للرئيس الفرنسي على حسابها علي فيس بوك مؤكده أنها سألته: “لماذا تحولت العلاقة بين مصر وفرنسا الي العلاقة بين البائع والمشتري على جثة القيم الإنسانية”.

وسألته: “هل الرافال ثمنها الصمت عن ملف يهم أجيال المستقبل؟”.

وقالت إن الرئيس الفرنسي ردّ قائلا: “لا نساوم ولا نتنازل عن قيمنا ونجحنا في هدفنا من الزيارة وهو الحديث عن حقوق الإنسان والحريات في كل لقاء قمنا به”.

جميلة إسماعيل قالت لأولاند:”عندي تساؤلات وارتباكات كثيرة حول توصيف علاقة مصر بفرنسا الآن واليوم مع كامل احترامي لمشاعركم وارتباكاتكم وأنتم تحاولون حماية بلادكم وشعبها من الإرهاب”.

حيث سألته: “لماذا تحولت العلاقة -بعد أن كانت تحالف/شراكة /دعم- إلي علاقة بين بائع ومشتري؟ ولماذا لم تستمر الحريات علي راس أولويات دولة فرنسا؟ هل الفزع والحرب على الإرهاب ممكن تلغي الاهتمام بقيم هامة بهذا الشكل؟ ولماذا طغت “الرافال” والسفن الحربية بعيدا عن الحديث والاهتمام الحقيقي بالحريات في الوقت الذي نشهد فيه حبس عشرات الآلاف آخرهم صباح اليوم نظير قيامهم بالتظاهر”.

وسألته: “هل تحتمل دولة فرنسا أو دولة مصر على حد السواء أن تخسر مستقبلها وهو الشباب المضار جدا اليوم بسبب الظلم المترتب علي عسف النظام أو فزع نظام آخر من الإرهاب؟”، وهل ممكن نطالب بأنكم تهتموا بدعم الدولة أولا ثم النظام؟.

الإعلامية والسياسية المصرية سألت أولاند أيضا: “هل أصبحت مصالح فرنسا فقط تقوم على الخوف من اللاجئين؟ وهل ستكون هذه هي الفزاعة القادمة التي ستجعل فرنسا راعية من رعاة تحويل الشعوب الي رهائن؟

 لماذا يتبني الاوروبيون معايير مزدوجة عن الحريات؟

وقد كشف المحامي الحقوقي خالد علي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية تفاصيل لقائه ومجموعة من الاعلاميين والصحفيين مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، مؤكدا أنه ركز كلمته على أن هناك فارق بين الحرب على الارهاب وبين استغلال هذه الحرب لمصادرة المجال العام وملاحقة المعارضين والسياسيين.

 فمحاربة الإرهاب لن تتحقق إلا باحترام الشرعية الدستورية وضمان المحاكمات العادلة والمنصفة، بحسب قوله.

وأشار “خالد علي” عبر حسابه علي فيس بوك إلى حديثه عن كيفية التوازن بين تحقيق الأمن وبين حماية الحقوق والحريات، وإشارته لأن العديد من أنظمة دول العالم الثالث تخذ من أى ممارسات تنال من الحقوق والحريات بفرنسا ذريعة للعصف بتلك الحقوق في بلادها.

وقال أنه ابلغ الرئيس الفرنسي اعتراضه على ما قيل في مؤتمره الصحفي مع الرئيس السيسي تحت مسمى “المعايير الأوربية لحقوق الانسان”، قائلا: “لا يوجد شيء اسمه معايير أوروبية ومعايير أفريقية أو غيرها فهي معايير واحدة والعالم كله متعارف عليها”.

وقال لـ “أولاند” أنه محمل برسالة من عدد من الشباب الذين عرفوا باللقاء ويتهمون ليس فرنسا وحدها بل أغلب الدول الأوربية بتبني معايير مزدوجة حيث يتحدثون فقط على الحقوق والحريات.

وقال إن الشباب يقولون إن عقود الاستثمار وشراء الأسلحة تجعل الاوروبيون يغضون الطرف عن كل شيء.

الاقتصاد هو الاهم

ويقول الكاتب الصحفي الفرنسي آلان جريش رئيس تحرير جريدة “لوموند ديبلوماتيك” إن فرنسا تريد الاستفادة من احتياج الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحسين العلاقات مع أوروبا”.

ويؤكد لموقع “مدى مصر” أن “المبرر العلني في فرنسا للتحالف بين النظامين هو الحرب على الإرهاب، لكن في الواقع فإن الجانب الأكثر أهمية في هذه العلاقة هو الاقتصاد” بحسب تعبيره.

ويرى الأكاديمي الفرنسي أن “السياسة الخارجية الفرنسية ليست ثابتة على طول الخط، في أوقات كثيرة تكون مسائل حقوق الانسان مهمة وذات تأثير واضح، وفي أوقات أخرى تتراجع لصالح أولويات أخرى، والآن نحن بصدد الحالة الثانية، خاصة في حالة دولة مثل مصر وفي هذه الجغرافيا السياسية بالذات”.

ويقول أن الظروف الاقتصادية السيئة في فرنسا وراء عقد صفقة بيع طائرات الرافال، بعد أكثر من عقد من الزمن دون بيع أي منها، بالإضافة لبيع معدات عسكرية أخرى.

ويؤكد أن “مصر وفرنسا مختلفتان في الملف السوري، ونعم فرنسا تدعم المعارضة، لكن الملف هذا لم يبق على نفس القدر من الأهمية بالنسبة لفرنسا، أما في ليبيا، فإن باريس سوف تضغط على السيسي ليقلل دعمه لقوات حفتر ليدعم حكومة الوفاق الوطني”.

وحول إذا ما كانت مسائل تدهور حقوق الإنسان في مصر تشكل ضغطا على الحكومة الفرنسية، قال جريش: “هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية (الفرنسية) والشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عقدوا مؤتمرًا صحفيًا يوم 13 من الشهر الجاري بعنوان (هل تتناسب حقوق الإنسان مع الصفقات العسكرية؟) ووجهوا فيه رسالة -نشرتها صحيفة اللوموند- إلى الرئيس الفرنسي طالبوه فيها أن تكون حقوق الإنسان في أسس العلاقة مع مصر. كما اجتمعوا مع مستشار هولاند جاك أوديبرت وتحدثوا معه عن وقائع الاختفاء القسري والهجمة على حقوق الإنسان ومقتل المواطن الفرنسي إيريك لانج في أحد أقسام الشرطة المصرية (عام 2013) ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، وأكد لهم أوديبرت أن فرنسا سوف تتدخل، لكن “بهدوء”.

ويقول: “لا يوجد تعاطف حقيقي مع ما يحدث في مصر حتى من قبل الإعلام، مثلا صحيفة “لكسبريس” لخصت الأمر في عنوانها: مصر السيسي كارثة إنسانية وأفضل صديق لفرنسا”.

19 أبريل، 2016