قصة حقيقية لا تمت للخيال بصلة… مجزرة الساعة في عاصمة الثورة حقيقة أشبه بالحلم
19 أبريل، 2016
محمد الحمصي: المصدر
لم يكن مجرد يوماً عابراً، كان يحمل ذكرى لن تمحى من أذهان أهل حمص، حينها فقط تمردت حمص كليا، وصرخت بصوت واحد “يسقط النظام”، لم يكن الأمل كما هو المتوقع، كان الجميع ينتظر حماية من يسمون أنفسهم حماة الديار، إلا أن الصدمة كانت كبيرة جدا. يا لها من كارثة لقد حوصرنا من عدة جهات، والجنود الذين أمامنا يستعدون للإطلاق، لقد أطلقوا….
يقول ناجٍ من مجزرة حمص: في تمام الساعة الخامسة والنصف عصر الأحد السابع عشر من نيسان من عام 2011 دخلت قوات الأمن إلى باب السباع من جهة مدرسة المثنى وقلعة باب السباع ومن جهة مدرسة الفارابي وبدأوا بإطلاق النار على المتظاهرين بشكل جنوني ما أدى لارتقاء شهداء وسقوط جرحى بعدها قمنا بسحب الجرحى إلى المشافي الميدانية وأخذنا الشهداء في اليوم التالي إلى مسجد “المريجة” ومن ثم إلى المسجد الكبير في حي السوق المسقوف لتشييعهم وبعدها دفناهم في مقبرة الكتيب، وخرجت مظاهرة غاضبة بالآلاف نحو ساحة مركز مدينة حمص “الساعة الجديدة” وبدأت دقائق الاعتصام الأولى بهتافات “الشعب يريد إسقاط النظام” والمطالبة بمعتقلي الرأي والمعتقلين على خلفية المظاهرات، لقد انفجرت حمص.
بداية الاعتصام
يحين موعد اذان المغرب، يصلي الجميع في الساحة، وتمتلأ المساجد باللذين أتوا ليجتمعوا من المكان الذي انطلقت منه شرارتهم، وتصل حشود ضخمة داعمة للمظاهرة، من كل مناطق حمص ريفا ومدينة، وتصل معها جملة من التهديدات الأمنية في حال لم يتم فض الاعتصام، ويصر المتظاهرون على كلمتهم، “الشعب يريد إسقاط النظام” وتبدأ الحشود الأمنية تصل إلى ثكنات النظام، والجماهير تزداد في ساحة الساعة، يضيف الناجي.
صلى الجميع صلاة العشاء في الساحة، وازدادت الحشود أيضا عقب الصلاة لقد أتت حمص كلها، لإعلان التمرد العام، هنا لم يعد للرجعة طريق، ولا للمساومة دور، لقد أعلنت حمص عصيانها التام، وتحدت النظام بكل أطيافها، يأتي التهديد الأخير لعلماء الدين الذين كانوا موجودين في تمام الساعة الحادية عشر، وتأتي معه حشود غفيرة أخرى، لقد اتخذت أجهزة النظام الأمنية قراراً حتميا، سيتم فض الاعتصام بالقوة.
ليس غريبا عنه هذا، من أطلق خلال شهر كامل على متظاهرين سلميين، لن يوفر رصاصة حقد ضدنا، لكننا لن نتراجع وسيسمع العالم صوت حمص، لقد خرج الجنود من أوكارهم، والتفوا حولنا من الخلف، لقد لقموا بنادقهم وصوبها نحونا، لا يعقل أنه سيطلق، يا إلهي إنه شاب حمصي، أنا أعرفه إنه صاحب محل لبيع الالبسة في حي الزهراء، أظن أنه سيخيفنا فقط، لن يطلق أبدا، أنظر إلى الساعة، وإذا بها تعلن بداية يوم جديد، إنها الثانية عشر والنصف ليلا، والمتظاهرون مصممون على البقاء في الساحة، إنها مسألة كرامة ومبادئ.
الرصاصة الأولى
روايات متطابقة حول فَضّ اعتصام حمص الأول، جميعها توافقت على الوحشية التي لم يكن أحد يتوقعها، على حدّ تعبير الناجي من مجزرة حمص، الذي يضيف: فلم يمض على هذه اللحظات سوى 15 دقيقة تماماً، جلسنا خلالها على الأرض لنشدد على قرارنا وتصميمنا على البقاء حتى تحقيق مطالبنا، بمعاقبة من أطلقوا النار علينا خلال شهر، بشكل مفاجئ، أسمع أزيز الرصاص يخترق الهواء الذي نستنشق، واختلطت رائحة البارود بروائح أخرى يصعب وصفها بدقة، لم أعلم لماذا لكنني أركض واركض لدرجة أنني شعرت بأقدامي ترتطم في ظهري وكأنني في ماراثون لسباق الحواجز، أين أنت أحمد!!؟؟ أجبني، أحمد، أحمد؟! هل رأى أحد منكم أحمد؟؟!!.
يا إلهي يوجد شخص يرتدي سترة تشبه سترة أحمد!! لا أستطيع التركيز أبداً، نظري الثاقب يخونني، بدأت بالصراخ بين جموع المتظاهرين باسم أحمد لكن للأسف من شدة خوفي لا يصل صوتي بالشكل الكافي، وقفت من زاوية أخرى متحدياً الرصاص الأعمى، لأرى وأحاول التدقيق إن كان أحمد فعلا ممددا على الارض أم لا، يا رباه إنه فعلا أحمد بدأت اصوات تشبه الزغاريد تختلط بصوت الرصاص تشق طريقها بصعوبة نحو اذني، هل سأعيش دون أخي؟؟!! كيف إلى اين سأذهب ماذا سأقول لأمي وزوجته؟؟، تمالكت نفسي كي لا أقع، محاولا أيجاد طريقة للذهاب نحو جثة أحمد لكن الجنود كانوا أسرع مني بالاقتراب نحو المكان وذهبت مرغما بعد تدافع المئات لجسدي الذي أصابه الدوار.
لم اكل اتخيل أن أعيش هكذا دقائق يمكن وصفها للقارء فقط أنها قصيرة، لكنها بالنسبة إلي كانت عبارة عن عمر جديد كتب لي وسرق من أخي أحمد، لقد استمر اطلاق الرصاص حتى الساعة الثانية والنصف صباحا لكنني لا أعلم لماذا وعلى من، فكل من في الساحة غادر أو قتل، لم أتجرء على العودة للمنزل فكل مآذن حمص تصدح “حي على الجهاد” في وقت متأخر وكأن القيامة قد قامت، وانتهت البشرية، وجدت نفسي مستلقيا على سريري عندما أخذني ابي من الرصيف المقابل لباب منزلنا وأنا لا اشعر عندما اغمي علي من الخوف.
فتحت عيوني وأنا اسأل أين أحمد؟؟، ذهبت مسرعا متجاهلا اسئلة أهلي عن أحمد، عدت إلى ساحة الساعة لأجدها نظيفة والسيارات كالبحر فيها والمحال التجارية مفتوحة وكأن شيئا لم يكن، ماذا حصل؟؟، هل كنت في حلم؟؟، أين الجنود والمتظاهرين، اين جثة أحمد؟؟، أين بقايا الرصاص؟؟، وعندها أدركت بعد سيل من الأسئلة أن عناصر الأمن قاموا ليلاً بعد الاحتفال بفض اعتصامنا بالقوة بتنظيف الساحة واجبار الجميع على فتح محلاتهم تحت طائلة الاعتقال.
ولا زلت ابحث عن جثة أحمد حتى قام رجل يتكلم اللهجة الساحلية، بأخبار أبي أن يأتي لاستلام جثة أحمد من المشفى العسكري، وهنا أدركت أنني عشت في حلم واقعي لا يمكن لعقل أن يتخيل تفاصيله، ولا حتى أنا يمكنني العيش فيه مرة أخرى.
تخليداً للذكرى
وتخليداً لذكرى اعتصام حمص الأول والأخير من نوعه، أقيم يوم أمس الأول الأحد، السابع عشر من نيسان، في حي الوعر المحاصر بمدينة حمص كرنفالا رياضيا شاركت فيه 10 فرق مثلوا رمزيا أحياء حمص الرمزية (باب السباع، بابا عمرو، الخالدية، باب هود، جورة الشياح، القصور، القرابيص، الوعر، باب الدريب، دير بعلبة) وأظهرت رمزيا وحدة اهالي حمص كافة في وجه النظام. تخليدا لذكرى شهداء مجزرة باب السباع وذكرى الإعتصام الكبير عند ساعة حمص وذكرى مجزرة الساعة التي حدثت في التاسع عشر نيسان 2011.
الكرنفال أقيم بإشراف مركز الوعر الكروي التابع للهيئة العامة للرياضة والشباب واتحادها السوري الحر لكرة القدم ومؤسسة سواعدنا السورية، وفي لفتة من منظمي الكرنفال لذكرى الاعتصام والمجزرة تم نصب مجسما لساعة حمص تجسيداً للاعتصام الأكبر في حمص.