منذر مصري يكتب: سوريا.. ثبات مبادئ وسنابل قمح لا تنحني!

منذر مصري صحيح نعم صحيح، (افهموها بقى) أن مفتاح فهم النظام السوري كبنية وكآليات حكم، هو الثبات على المبادئ، وهذا ليس شعاراً من شعاراته الكثيرة فحسب، بل حقيقة فعلية واقعة.. فالنظام وبعد مرور خمس سنوات على أزمته الطاحنة، مازال يقدم الدليل تلو الدليل على ثباته على مبادئه. ليس فقط بالأقوال والتصريحات الكثيرة والمتكررة، بل أيضاً بالأفعال. 1-الأقانيم الثلاثة ويمكن، بنظرة ثلاثية الأبعاد! تحديد الأقانيم الثلاثة لهذا الثبات على المبادئ: أولاً:ما يقوم به على الأرض، أي متابعة الحل العسكري الذي أعلنه وانتهجه منذ بداية الأحداث، وما قال ومايزال يقول إنه لم يكن أمامه في مواجهة المؤامرة أي حل آخر سواه. ثانياً: ما يقوم به على صعيد المفاوضات، كما في جنيف(1) وجنيف(2) وكما يحدث الآن برفضه أي بند يمس بالسيادة الوطنية، حتى ولو تضمنته القرارات والاتفاقات الدولية التي يعلن قبوله بها، كالانتقال السياسي، أو مصير الرئيس وصلاحياته، وبأنه، كما أكّد مراراً وتكراراً لامجال لأي حل سياسي إلاّ بعد القضاء على الإرهاب. ثالثاً:إجراؤه لانتخابات مجلس الشعب في موعدها المحدد، رغم كل التشكيكات والإشاعات حول إلغائها أو تأجيلها، وذلك لكونها استحقاقاً دستورياً لا يمكن تجاهله، وكما عبّرت أكثر اللافتات انتشاراً:[انتخابات الثبات على المبادئ].  
لست ممن يجدون في السخرية الطريقة اللائقة للتعبير عمّا يحدث في سوريا اليوم، فوراء هذه المشاهد الهازلة هنا وهناك، كتلك الملصقات واللافتات، سوريون كثر فقدوا أعزَّ ما لديهم.
  2- عرس الديموقرطية هذا ما أطلق على انتخابات مجلس الشعب السوري للدور التشريعي الثاني، التي أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات نتائجها، بفوز مطلق لـقوائم (الوحدة الوطنية)، بدل ما كان يسمى (الجبهة التقدمية)، منذ دستور/2012/، دون أن يشوبها أي تغيير يذكر لا في المضمون ولا في الشكل. فهي ما زالت تخرج من كواليس الحزب (القائد)، في جميع محافظات القطر السوري. رغم اشكاليات (الرقة، وإدلب.. وريف دمشق، ودير الزور، والحسكة)، كون أغلب بلدانها وقراها خارج سيطرة الدولة، دون أي اختراق لأيّ من هذه القوائم المدعومة رسمياً. والتي توزع على العاملين في مؤسسات الدولة في جميع قطاعاتها، وأحياناً يرغمون على انتخابها كما حدث في جامعة اللاذقية، حين أغلقوا على الطلاب الأبواب، ولم يسمحوا لهم بالخروج إلا برؤية الحبر على أصابعهم، حتى إن البعض، سارع وهنأ الفائزين قبل انتهاء العملية الانتخابية بزمن. ملحقاً بها أسماء المرشحين الموصى بهم من قبل لا أحد يدري من.. أو لماذا.. أو كيف؟ كما في قائمة اللاذقية، ممّا أثار احتجاج بعض المرشحين المستقلين، لأنه، ببساطة، يلغي فرصتهم بالنجاح. قلت مرة، إني لست ممن يجدون في السخرية الطريقة اللائقة للتعبير عمّا يحدث في سوريا اليوم، فوراء هذه المشاهد الهازلة هنا وهناك، كتلك الملصقات واللافتات وما خطّ عليها من شعارات، سوريون كثر فقدوا أعزَّ ما لديهم، وكذلك غايات ونتائج سياسية من الحمق التعامي عنها وتسفيهها. إلاّ أنه لا بأس، أظن محاولة نقل صورة واقعية لها، ولبعض المفارقات التي أثارت استهجان المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم ومواقفهم السياسية. فأي (عرس للديموقراطية) يمكن أن تشكله هذه الانتخابات لأناس، غطت صور المرشحين المبهرجة، نعوات الشهداء من أبنائهم وأخوتهم، أو حتى للمواطنين العاديين الذين راح الغلاء يهدد بالجوع حياة أطفالهم. 3-رجال تنجب سنابل قمح لاتنحني ما استجدّ في هذه الانتخابات، هو أن اللاذقية صارت مدينة كوزموبوليتية، فصور وإعلانات مرشحي المحافظات، غطت جدرانها وملأت سماء شوارعها، وخاصة مرشحي حلب، بملاءتهم المادية، حيث طغت لافتات قائمتي (الشهباء) و(الأصالة)، مع صورهم الفردية، وخلفهم قلعة حلب، كعلامة فارقة، على صور قائمة اللاذقية ذاتها وجميع مرشحيها، مع الانتباه للإضافة النوعية التي قدمها مرشحون استثنائيون كنقيب الفنانين السوريين الذي كما عبّر البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، يطمح بمتابعة دوره الناجح كمختار(ضيعة ضايعة)، ويصير عضواً هاماً في مجلس الشعب. وكذلك كاتب معروف بكونه صحفياً مشاغباً، لم يجد صفة (الكاتب) كافية فوضع فوقها (المفكر). نعم.. صديقي.. الكثيرون يكتبون ولكنّ القليلين يفكرون، فمن غير المفكر يستطيع اجتراح شعار: (المواطن.. هو الأكثرية). تنوعت الشعارات المرفوعة من قبل مرشحي اللاذقية. إلاّ أني أشعر بإشفاق حقيقي على المستقلين منهم. الذين لولاهم لما ارتدى هذا العرس الانتخابي حلته البهيجة بالتأكيد. ولولاهم لما تزينت جدران اللاذقية بهذه الملصقات المبهرجة. ولا لوّنت اللافتات بوعودها وتهديداتها، سماء شوارعها وأزقتها. فبقدر ما كان مرشحو قائمة الوحدة الوطنية، متعالين عن التعابير والوعود الطنانة، كونهم واثقين من فوزهم، بقدر ما أظهر المستقلون الحماسة، وأحياناً الاستماتة للفوز بشرف تمثيل الشعب السوري، مستخدمين كل الأوراق الوطنية المسموح بها، والتي أبرزها في هذه المرحلة كان (الشهادة)، حيث كثرت الشعارات التي تتضمنها، منها (الشهداء أمانة في أعناقنا) و(نعم..دم الشهداء صراطنا المستقيم) و(لا مساومة على دماء الشهداء) و(مع القائد الأسد.. إخلاصاً لدم الشهداء). كما نال الجيش نصيبه من هذه الشعارات: (الجيش العربي السوري طُهر الأرض، ونقاء الروح، وهامات تشامخ الجبال). و(وطن واحد.. شعب واحد) و(الوطن لا يحتاج مساومين ولا مزايدين). غير أن شعارات معينة نجحت في إثارة انتباه المواطنين، مثل (ورحمة ترابك يا أخي.. لنمحيها) فلم يفهم أحد ماذا نمحي!؟ إلاّ عندما تبين أن للمرشحة أخاً استشهد على يد (داعش). ومرشحة أخرى اعتمدت أسلوب المواجهة بشعارها (معاً ضد فقراء الضمير) غير أن أغنياء الضمير للأسف لم يقدروا على إنجاحها. مختتماً عينتي هذه، بشعار مميز، أعتبره شعراً رائعاً بكل معنى الكلمة، خاصة وأنه يصدر عن سيدة: (جنباً إلى جنب.. مع رجال تنجب سنابل قمح لا تنحني)، علماً أن سنابل القمح التي لا تنحني هي السنابل الفارغة. وصلني أنه تقدم/1400/مواطناً لاذقانياً للترشيح، قُبل منهم/760/مرشحاً، انسحب/414/قبل بداية العملية الانتخابية، ليصير العدد النهائي/346/، نال/16/منهم صوتاً واحداً، و/67/أقل من/10/أصوات، و/140/مرشحاً أقل من/100/صوت، ليفوز في النهاية/17/مرشحاً لا غير، وهو العدد الكامل لأعضاء قائمة الوحدة الوطنية مع المرشحين المستقلين الأربعة الموصى بهم. في اليوم التالي للانتخابات، استيقظ أهل اللاذقية من دانيها إلى قاصيها، ليجدوا جميع اللافتات والملصقات الانتخابية قد أزيلت، وكأن شيئاً لم يكن، أو كأنه صحيح أن منظرها كان يؤذيهم ويجرح مشاعرهم.