‘أسطورة بوتين: الرئيس الروسي ليس قويًا كما يظن البعض’

21 أبريل، 2016

فوكس –

في الأسبوع الماضي، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد البرامج التليفزيونية، في لقاء استمر لمدة ثلاث ساعات، و40 دقيقة، غطي كل شيء من حالة الطرق في مدينة أومسك الروسية إلى سؤال ما إذا كان بوتين يتلفظ بألفاظ بذيئة في بعض الأحيان. كان البرنامج ممل للغاية، حتى بوتين نفسه كان يشعر بالملل.

ولكن هذا الحدث، رُغم أنه مخطط له ومتوقع، قام بدور شائع في كل الظهور الإعلامي لبوتين: تعزيز أسطورة أن بوتين هو روسيا، الزعيم الوحيد لمملكته بلا منازع. وهذه أسطورة مهيمنة في روسيا والغرب -.

ولكن هذا ليس صحيحًا. عندما نتقبل هذه الفكرة، نحن نمنح بوتين المزيد من السُلطة أكثر مما يستحق ونجعل من الصعب التكهن أو حتى التأثير على خطواته المقبلة.

في الواقع، بوتين هو صاحب “القرار” والكلمة الأخيرة في كل القضايا السياسية الرئيسية، ويمكنه تعيين أو إقالة أي وزير، ويمكنه بدء حرب أو إنهاء أخرى. ورُغم كل ذلك، إذا كنا نعتقد أنه يسيطر على كل شيء تفعله في روسيا في الداخل والخارج، فنحن نسيء فهم كيف تُدار روسيا.

أولًا وقبل كل شيء، بوتين يتولى زمام الأمور طالما أنه يستطيع تهدئة، وتوازن، وترهيب النخبة الروسية التي لا ترحم. لكنه لا يمكن أن يحكم البلاد إلّا من خلال النخبة. وهذا الأمر اتضح بقوة أثناء اللقاء الأخير. عندما سُئل بوتين عن مسؤولين يبتزون رجال الأعمال، أدان ذلك، لكنه اعترف بأنَّ “هذه عقليتنا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبيروقراطيين”.

وهذا يمتد إلى حُكم بوتين على أجزاء من روسيا نفسها. وردًا على سؤال حول التهديدات العنيفة من الزعيم الشيشاني رمضان قديروف ضد شخصيات المعارضة، تجاهل بوتين تلك التهديدات، قائلًا إنَّ “الناس في القوقاز متهورين. لذلك ليس من السهل على هؤلاء الناس أن يتعلموا كيف يكونوا مسؤولين كبار في الحكومة.”

وأثناء الحوار، اعترف بوتين بعجزه السياسي. فهو يمكن أن يتدخل في حالات محددة. كان السؤال الأول حول سوء حالة الطرق في مدينة أومسك، وقبل انتهاء البرنامج، تعهد مسؤولون محليون بإصلاح بعض الطرق بحلول مايو المقبل. لكن بوتين لا يمكنه إصلاح بلده نفسه، وحقيقة أنه يلجأ إلى هذا النوع من التدخلات في كل حالة على حدة تبيّن لنا حدود قوته وصلاحياته.

في الماضي، عزز بوتين شرعيته باعتباره “القيصر الصالح” من خلال مثل هذه الحالات الفردية. ولكن بعد 16 عامًا، ومع صعوبة الحياة على الروس، أصبح هذا الأمر عملًا مبتذلًا على نحو متزايد يؤكّد على أمرين: إما أن بوتين لا يقود البلاد أو أنه لا يهتم حقًا بما يحدث ما لم يتم إحراجه على شاشات التلفزيون الوطني.

هذه الديناميكية تنطبق على السياسة الخارجية أيضًا، التي هي حكر على رئيس الدولة. في منطقة دونباس، على سبيل المثال، بدأت انتهاكات وقف إطلاق النار من قِبل الميليشيات المحلية المتمردة بدلًا من موسكو، وذلك لأن سيطرة بوتين محدودة.

من المؤكد أن بوتين زعيم قوي. الأمر لا يقتصر على مجرد كونه رئيسًا لنظام رئاسي مع مجموعة واسعة من الصلاحيات والتشريعات المذعنة غير الفعّالة، وعدم وجود معارضة حقيقية، وارتفاع شعبيته بشكل كبير داخل البلاد. يمكن القول بأنَّ بوتين فرّغ جميع المؤسسات الروسية. حقيقة أنه في عام 2008 كان بإمكانه تسليم الرئاسة لرئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف، ولكن ظلّ في السلطة من وراء الكواليس واستعادة منصبه في عام 2012، تدل على مستوى قوته الشخصية.

بعبارة أخرى، بوتين ليس قويًا لأنه هو الرئيس، بل هو رئيس لأنه قوي.

ولكن كما أوضح بوتين أثناء الحوار، لم يكن لديه جميع الأجوبة، وكلما أكّد على دوره الخاص كزعيم مهيمن، أصبحت مبادراته انتهازية وقصيرة المدى.

هذا ينقلنا إلى شيء مهم: صناعة السياسة داخل الكرملين يمكن أن تكون سياسة قاصرة وتعسفية أكثر مما نعتقد عن أسطورة بوتين. روسيا ليست دائمًا دكتاتورية مركزية بشكل صارم ولكن في بعض الأحيان سوق للأفكار تشارك فيه الأقلية والمسؤولين والمحللين، وجماعات المصالح الروسية في منافسة مستمرة لتقديم أفكارهم لبوتين من خلال الصحافة ومراكز البحوث والتقارير، وجهات الاتصال الشخصية.

من الناحية النظرية، يمكن أن يكون هذا شكلًا من أشكال التعددية، ولكن في واقع الأمر هذا نظام تحظي فيه السياسات التي تلفت انتباه بوتين بفرصة أفضل للنجاح، بغض النظر عن مزاياها الحقيقية. وبالنظر إلى أن المناقشات الحقيقية حول السياسة تحدث وراء الأبواب المغلقة وداخل دائرة صغيرة من المقربين لبوتين، فهذا يعني أيضًا أنه يتم فحصها بطريقة متأنية ومهنية.

هذا الشهر، على سبيل المثال، أعلن بوتين فجأة عن تشكيل قوة أمنية جديدة، الحرس الوطني، من وحدات الأمن التي تسيطر عليها حاليًا وزارة الداخلية. ويبدو أنه قد فعل ذلك دون استشارة الوزير أو خبراءه، لذلك فإنهم يفكرون الآن في الآثار العملية التي لم يفكروا فيها بوضوح. فرق التدخل السريع تعمل حاليًا مع الحرس الوطني. والسؤال هنا: إذا تعرض أحد الضباط للخطر، هل يجب أن يطلب تصريح من الحرس الوطني لإرسال وحدات المواجهة المسلّحة، أو يدفع لهم مقابل خدماتهم؟

كلما تقبلنا مفهوم بوتين “الاستراتيجي الجريء،” الذي “يتصرف كعبقري في لعبة الشطرنج في حين يتعثر أوباما في لعبة الداما،” فنحن بذلك نمكّنه ونضعف أنفسنا.

نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين وواقعيين. قد يقوم بوتين بدور متواضع في الكثير من الأمور. ولكن هذا لا يعني أنّه محق دائمًا. لقد أصبح تدخله في أوكرانيا فوضويًا ومكلّفًا للغاية. ومع ذلك، حالفه الحظ في مغامرته السورية. ولكن في الشؤون الخارجية على وجه الخصوص، الصورة والسمعة أمور مهمة لأي قائد. لقد منحنا بوتين مميزات كبيرة عن طريق قبول أسطورته المصطنعة.

نحن نفتقد أيضًا لأدلة حقيقية تشير إلى السياسة الروسية في المستقبل وفرص التأثير عليها.

وليس لدينا أي وسيلة لاختراق الدائرة الصغيرة حول بوتين حيث يتم اتخاذ القرارات في نهاية المطاف. ومع ذلك، من خلال فهم أفضل للوسائل العشوائية التي توجّه من خلالها النخب السياسات المفضلة لبوتين، يمكن أن نشاهد تلك القنوات العامة، وربما نحصل على إنذار مسبق لما يجري مناقشته هناك.

وهناك خطة وضعها أشخاص يعملون مع رجل الأعمال كونستانتين مالوفيف في أوائل عام 2014، على سبيل المثال، وكانت في جوهرها مخططًا للحرب في أوكرانيا. وكان توبيخ موسكو لبشار الأسد في فبراير الماضي لحديثه عن تحقيق النصر العسكري الكامل في سوريا، نذيرًا لانسحاب روسيا الجزئي في الشهر التالي.

محاولة فهم جميع القرائن، والمحاولات العلنية والسريّة للضغط على الكرملين، هي عمل شاق للغاية. ولا عجب أننا نميل بدلًا من ذلك إلى التركيز على بوتين، والدرجة التي يقدّم بها نفسه باعتباره القائد الوحيد للسياسة الروسية. ولكن هذا يتركنا عُرضة للخطأ في كل مرة.

في الحقبة السوفياتية، كان الغرب يمتلك جيوشًا من العلماء والمحللين يدرسون “الكرملينولوجي،” في محاولة التنبؤ بالتحولات في السياسة السوفياتية والسياسة من خلال القرائن من الترتيب الذي كان يجلس به المسؤولون في المواكب وقراءة ما بين السطور في افتتاحيات صحيفة برافدا، صحيفة الحزب الشيوعي. في هذه الأيام، ضعفت صفوف هؤلاء الممارسين المهرة لهذه الفنون، مع عدم وجود جيل جديد يحلّ محلهم. وبدلًا من ذلك، نشاهد ونعجب بصور بوتين الغريبة التي تساعده على البقاء في السلطة، ونفوّت على أنفسنا فرصة فهم السياسة وراء وقفة بوتين بهذا الشكل لالتقاط تلك الصورة.