النظام المصري يوسع حملته ضد المعارضة إلى خليج السلاحف
22 أبريل، 2016
منعت مصر بهدوء شديد أحد أشد منتقدي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي من تولي وظيفة في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في أحدث علامة على تزايد رغبة القاهرة باستعراض عضلاتها الدبلوماسية في خليج السلاحف، المنطقة التي يقع بها مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
تتزامن هذه الخطوة، والتي تتمثل بمنع تولي المتخصص في الشؤون اليمنية، سعيد بومدوحة، لوظيفة في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي اتخذتها مصر دون أي تتم تغطيتها إعلاميًا في الشهر الماضي، مع دخول القاهرة في الشهر الرابع من ولايتها المؤقتة التي تستمر لمدة عامين في مجلس الأمن الدولي، حيث سعت مصر خلال هذه الفترة لتخفيف تدابير مجلس الأمن الرامية لمكافحة انتهاكات حقوق الانسان التي وقعت ابتداءًا من بوروندي وحتى جمهورية أفريقيا الوسطى، كما تخطط مصر خلال فترة رئاستها للمجلس المؤلف من 15 دولة، لاستضافة نقاش عام في مايو حول الحاجة لمحاربة التحريض على الإرهاب والتطرف، وهي الخطوة التي يتوجس بعض الدبلوماسيين الغربيين بأنها تهدف لتأمين الشرعية الدولية لانتهاكات إسكات حرية التعبير في الداخل المصري.
أثار النشاط الدبلوماسي المصري الجاري خلف الكواليس قلقًا ما بين المدافعين عن حقوق الإنسان وبعض الحكومات الغربية حول استغلال نظام السيسي لسلطاته المكتسبة حديثًا من منصبه في الأمم المتحدة لتوسيع حملته ضد المعارضة خارج الحدود المصرية، بالتزامن مع محاولات إضعاف المعايير الدولية لحقوق الإنسان على الصعيد العالمي.
تعمل التحركات المصرية الجديدة أيضًا على تعقيد جهود إدارة أوباما في مجلس الأمن بشكل أكبر، وذلك بعد أن عرقلت روسيا والصين مبادرات الولايات المتحدة المطروحة حول قضايا جنوب السودان وسوريا.
“لاحظنا بشكل مستمر صعوبة تمرير القرارات بعد تحليلنا لنظام سيسي والفظائع التي يرتكبها”، قال سيمون آدامز، المدير التنفيذي للمركز العالمي لمسؤولية الحماية الذي يقع مقره في نيويورك، وتابع موضحًا: “لقد فاقت مصر جميع التوقعات، فعلى جميع الساحات الدولية التي تشهد ارتكاب الفظائع، أبدت مصر على الدوام تعنتًا وميلًا للعرقلة في جميع المجالات”.
يشير آدمز وغيره من النقاد إلى سعي مصر، من موقعها الحديث في مجلس الأمن، لإضعاف قرار يمهد الطريق لنشر قوة شرطية تابعة للأمم المتحدة بغية حماية المدنيين في بوروندي، حيث أسفرت الحملة الدموية التي تشنها الحكومة البروندية ضد شخصيات معارضة عن اطراد مخاوف الولايات المتحدة ودول أخرى من ارتكاب مجازر جماعية، وفي جنوب السودان، حاربت مصر دعوات القوى الأوروبية لفرض حظر كامل على الأسلحة تجاه جميع الأطراف المتحاربة، كما أثارت مصر غضب حلفائها الخليجيين لعدم استخدام لموقعها في مجلس الأمن، باعتبارها البلد العربي الوحيد المُمثَل في المجلس، لإيلاء المزيد من الاهتمام للمحنة الإنسانية التي يقاسيها المدنيون السوريون، ومن ذلك، على سبيل المثال، الدعوة لعقد اجتماعات لمناقشة منع الحكومة السورية وصول شحنات المساعدات للمناطق التي تحاصرها.
تشير السلطات المصرية بأن مواقفها في الأمم المتحدة استجلبت سخرية هائلة من المدافعين عن حقوق الإنسان وبعض المسؤولين الغربيين، الذين يرون الدبلوماسية الدولية باعتبارها مسرحية أخلاقية تضم الأخيار والأشرار، حيث يرى الدبلوماسيون المصريون بأن الاحتجاج بحقوق الإنسان لتبرير التدخلات من ليبيا إلى العراق قد أسفر عن شيوع الفوضى ضمن تلك البلدان وجيرانها.
وفي ذات السياق، يوضح مسؤول مصري لصحيفة الفورين بوليسي بأن الخطة الدبلوماسية المصرية مرسومة بدقة لتتناسب مع مجموعة الأزمات التي تعصف بدول الجوار ولتكبح جماح مجلس الأمن من اتخاذ ما تعتبره حكومة السيسي خطوات متهورة، كما أشار المسؤول إلى أن مصر تخطط للاستفادة من رئاستها للمجلس في مايو لترعى، جنبًا إلى جنب مع نيوزيلندا وإسبانيا، قرارًا يحث الحكومات والجماعات المسلحة لاحترام حرمة أفراد الطواقم الطبية والمستشفيات في مناطق الصراع.
“مجلس الأمن مُستقطب حول العديد من القضايا قبل وقت طويل من انضمامنا له، ونحن نحاول في الواقع جسر هذه الفجوات”، قال المسؤول المصري، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، وتابع: “لقد كنا استباقيين بشأن كل بند صدر عن المجلس تقريبًا، فنحن ببساطة نرفض أن نكون أعضاء غير فاعلين في المجلس، خاصة وأننا نحوز مصلحة بشأن معظم القضايا المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن”.
ينتقد دبلوماسيون مصريون الظلم الذي تعرضت له القاهرة جرّاء السخرية التي واجهتها لمقاومتها جهود فرض حظر كامل على الأسلحة في جنوب السودان؛ فعلى الرغم من أن مصر عارضت فرض حظر كامل على الأسلحة، لأنها تزعم استحالة تنفيذه، إلا أنها دعمت إصدار تهديد بفرض حظر جزئي على الأسلحة، بما في ذلك حظر استيراد الطائرات وحوامات الهليكوبتر الهجومية.
كما يشير الدبلوماسيون المصريون أيضًا بأن القاهرة تشاطر نظراءها الغربيين مخاوفهم إزاء محنة المدنيين في بوروندي، حيث وثّقت هيومن رايتس ووتش مؤخرًا تصعيدات خطيرة في أعمال العنف، لكنها تشعر بأن النهج الهجومي، الذي تؤيده الولايات المتحدة، والساعي لإجبار الحكومة البوروندية قسرًا على قبول نشر قوات الخوذات الزرقاء، سوف يأتي بنتائج عكسية، لذا تفضل مصر مشاورة السلطات البوروندية خلف الكواليس لضمان موافقتها على توسيع دور الأمم المتحدة في ضمان حماية المدنيين.
أما فيما يخص سوريا، فتزعم مصر بأن الجهود الغربية لتسليط الضوء من خلال مجلس الأمن على انتهاكات الحكومة السورية، ساهمت على تحقيق زيادة غير ضرورية بالتوترات مع الحكومة السورية وحليفتها العسكرية الرئيسية، روسيا، مما ساعد على تعقيد محاولات التفاوض للوصول لاتفاق سلام، وبدلًا من ذلك، تفضل القاهرة إبقاء تركيز المجلس على دعم جهود الوساطة الأمريكية والروسية.
على الجهة المقابلة، يوضح نظراء مصر الدبلوماسيين في الأمم المتحدة بأن القاهرة تروّج بدهاء لحجج معقدة ومتطورة حول مجموعة من القضايا لإخفاء جهودها لعرقلة صدور أي قرار يتعلق بحقوق الإنسان ولعرقلة الجهود المبذولة من قِبل الغرب للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ولكن على الرغم مما تقدم، أشاد بعض المسؤولين في الأمم المتحدة بجهود مصر للمساعدة في حث وقف القتال في اليمن، الدولة التي تقود ضمنها المملكة العربية السعودية حملة جوية ضد القوات الموالية للمتمردين الحوثيين والمقاتلين الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ فوفقًا لمصادر دبلوماسية، تتشاطر مصر المخاوف مع الإمارات العربية المتحدة، من أن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ستزرع بذور المزيد من التطرف الذي سيلاحق المنطقة مستقبلًا.
الدبلوماسيون المصريون، كما يراهم مايكل وحيد حنا، خبير مصر ضمن مؤسسة القرن “سينتشري فاونديشين”، هم مبعوثون إجرائيون يتمتعون بالمهارة والحنكة، فهم “يدركون قواعد اللعبة، ولكن السؤال الكبير: إلى أي مدى سيستمر ذلك؟” وفقًا لما يراه حنا، واستطرد موضحًا بأن النشاط الدبلوماسي المصري هو جزء من إستراتيجية لتثبت مصر أمام العالم بأنه وبعد فترة من الاضطرابات، عاد الموقف الدولي من البلاد إلى طبيعته، وعادت مصر إلى حضن المجتمع الدولي، ولكن دبلوماسية القاهرة كشفت أيضًا عن أنه وفي بعض الأحيان تتعارض أجندتها في الإعاقة مع مصالح الولايات المتحدة.
حتى قبل مباشرتها لولاياتها في مجلس الأمن، أوضحت مصر أمام الولايات المتحدة، وغيرها من قوى الأمم المتحدة، بأنها ستستعمل القوة لفرض مصالحها، حتى لو كان ذلك يعني مجابهة واشنطن أو القوى الكبرى الأخرى؛ فعندما ضغطت سامانثا باورز، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، للتصويت على قرار في الشهر الماضي ينص على طرد كامل الوحدات الأجنبية ضمن بعثات حفظ السلام إذا ما فشلت حكوماتهم بإقرار مسؤوليتهم عن جرائمهم الجنسية المزعومة، عمدت مصر إلى عرقلة هذا القرار، حيث انتقد السفير المصري لدى الأمم المتحدة، عمرو عبد اللطيف أبو العطا، نهج الولايات المتحدة بالقرار زاعمًا بأنه سيكون بمثابة “عقاب جماعي” من شأنه أن يضعف معنويات قوات حفظ السلام الأجنبية، واقترح تعديلًا يتطلب اجتماع مجموعة من الشروط، بما في ذلك وجود دليل على فشل الحكومة في معاقبة المعتدين المتهمين، قبل أن يتم طرد الوحدة بأكملها من البعثة.
وفي يوم 11 مارس، نشرت باورز مخططًا على تويتر أدرجت فيه مصر باعتبارها إحدى الدول التي “صوتت، ولكن فشلت، في تقويض قرار مجلس الأمن الدولي لمكافحة حالات الاعتداء الجنسي المرتكبة من قِبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”، وعلقت عليه بكلمة “محزن”، وفي اليوم التالي، رد وزير المتحدث باسم وزارة الخارجية المصري قائلًا على تويتر: “الأمر المحزن حقًا هو فرض قرار من نائب دائم في مجلس الأمن يهدف للدعاية والطموح الشخصي”.
وفي خطاب ألقته الأسبوع الماضي في الأكاديمية البحرية الأميركية، خصت باوزر مصر بقولها: “في الوقت الذي تواجه فيه القاهرة تهديدات أمنية خطيرة للغاية، فإن حملة القمع التي شنتها الحكومة ضد الإسلاميين، وسائل الإعلام المستقلة، وحتى ضد المجتمع المدني غير السياسي، جعلها بعيدة للغاية عن التصدي لهذه التهديدات الخطيرة، فالإجراءات المصرية المتبعة تشير إلى أن عدم تسامح الحكومة لا يطال المعارضة فحسب، بل أي نشاط آخر لا يخضع لسيطرة الدولة المباشرة أو رقابتها”.
كما أشارت باورز إلى قيام مصر في الأسابيع الأخيرة بإعادة فتح تحقيقات ضد أكثر من 150 مدافعًا عن حقوق الإنسان في البلاد، واستطردت موضحة: “تم التحقيق مع موظفي هذه المنظمات وتهديدهم، كما مُنعوا من السفر، ولُطخت سمعتهم في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة”.
على صعيد مختلف، يشير الدبلوماسيون في مجلس الأمن، بأنه وعلى الرغم من معارضتهم الحادة لسياسة نظرائهم المصريين، إلا أنهم يقرّون لهم بالدهاء الدبلوماسي؛ فعلى النقيض من معظم الوافدين الجدد إلى المجلس، باشر المصريون ولاية دولتهم في مجلس الأمن بنشاط، حيث قادت مصر في الأسبوع الأول لها في المجلس الجهود المبذولة لتبني بيان يدين الهجمات على السفارة والقنصلية السعودية في إيران.
كما يشير زملاء البعثة المصرية في خليج السلاحف، بأن الأخيرين يتقنون إجراءات عمل مجلس الأمن، وهي مهارة أساسية للتأثير على مناقشات المجلس، كما أن الخبراء المصريين في بوروندي، الصومال، سوريا، وكوريا الشمالية، جميعهم سبق لهم وأن عملوا ضمن تلك البلدان قبل وصولهم إلى نيويورك.
“إنهم أفضل الدبلوماسيين في العالم العربي”، قال دبلوماسي من شمال أفريقيا في الأمم المتحدة واصفًا مندوبي مصر الخارجيين.
ولكن مع ذلك، أوضحت مصر بشكل جلي بأنها مستعدة تمامًا لعرقلة أعمال المجلس في جميع المسائل المتعلقة بها؛ ففي نهاية مارس، وقفت مصر في وجه تنفيذ قرار روتيني للموافقة على توظيف بومدوحة، وهو مواطن جزائري يشغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، في منصب في لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية، حيث أغضب الأخير الدولة العربية الوحيدة في المجلس بعد إدانته بشدة لحملة القمع الأخيرة التي مارسها السيسي على نشطاء حقوق الإنسان، حيث قال: “تتم معاملة المجتمع المدني في مصر وكأنه عدو للدولة”، وبعد أسبوع من هذا التصريح، رفض الدبلوماسيون المصريون بشكل قاطع توظيفه في منصب الأمم المتحدة زاعمين بأنه يظهر تحيزًا واضحًا من خلال انتقاده للحكومات في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر.