مأزق حماية المدنيين السنّة في الموصل
26 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
واشنطن بوست –
يجب أن تعطي استعدادات قوات الحكومة العراقية لطرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل الأولوية لحماية المدنيين. فلازال هناك مئات الآلاف من المدنيين يعيشون في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014.
ويمتلك كل من تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الموالية للحكومة سجلات من إلحاق الضرر بالمدنيين أثناء وبعد تنفيذ العمليات العسكرية. ويجب أن تعلق الولايات المتحدة وإيران وألمانيا وغيرهم من الدول التي تقدم الدعم العسكري للعراق دعمهم على شرط الاحترام الصارم لقوانين الحرب، التي تحظر الهجمات التي تضر بالمدنيين أو التي لا تميز بين الأهداف المدنية و الأهداف العسكرية.
ويقول جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش: “لابد أن تكون حماية المدنيين من الأضرار التي لا حاجة لنا بها هي الأولوية القصوى في أي معركة من أجل السيطرة على الموصل. ومن الضروري أن تعمل الحكومة العراقية على ممارسة قيادة وسيطرة فعالة على جميع قواتها، كما يجب على حلفائها مثل الولايات المتحدة وإيران التأكد من ذلك.”
وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، منذ العام 2014، حالات انتهاكات قوانين الحرب التي قام بها الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية إلى حد كبير، ومقاتلي البيشمركة الاكراد الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية، وانطوت هذه الانتهاكات على حالات الإعدام العاجلة، وحالات الاختفاء والتعذيب، واستخدام جنود من الأطفال، وحالات هدم الأبينة على نطاق واسع، والهجمات العشوائية، والقيود غير القانونية التي تم فرضها على حركة الأشخاص الفارين من القتال.
كما دعت منظمة هيومان رايتس ووتش أيضا قوات تنظيم الدولة الإسلامية لاحترام قوانين الحرب، وخاصة السماح للمدنيين بمغادرة المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وعدم استخدام المدنيين لحماية الأهداف العسكرية من الهجوم، وعدم استخدام الجنود الأطفال.
وفي منتصف شهر مارس من العام 2016، شنت قوات الجيش العراقي هجوما بريا من بلدة مخمور بمحافظة أربيل، على بلدة القيارة، التي تقع على بعد 70 كم جنوب الموصل، ولكن بعد مضي شهر واحد، كان قد تمت السيطرة على عدد قليل من القرى المجاورة. وقد شنت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة هجمات جوية على تنظيم الدولة الإسلامية، وقامت بتقديم المشورة للقوات المحلية بشأن الهجمات البرية.
كما تقود ألمانيا مركز تدريب للقوات الكردية وتمدهم بالسلاح. ويرسل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني المستشارين العسكريين إلى العراق. ومع استمرار المواجهة السياسية في بغداد حول ترشيح وزراء الحكومة الجديدة، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش داعمي العراق الدوليين إلى استخدام نفوذهم على القادة السياسيين والعسكريين في العراق لضمان حماية المدنيين بما يتوافق مع قوانين الحرب.
وذكر المسؤولون بقوات الحشد الشعبي أن قواتهم سوف تكون في طليعة الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، وكذلك تعهدت قوات البيشمركة بالمشاركة في الحملة العسكرية. وفي حديثه لمنظمة هيومن رايتس ووتش في بغداد في أواخر شهر مارس، أوضح أبو مهدي المهندس، نائب رئيس لجنة التعبئة الشعبية التي تشرف على قوات الحشد الشعبي، انه يتوقع أن تشارك قواته في معركة الموصل.
وفي أواخر شهر فبراير 2016، حذر أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، الذي يترأس ميليشيا خاصة به، من أن السكان المحليين سوف ينتفضون ضد قوات الحشد الشعبي إذا شاركت في معركة الموصل. وفي 11 أبريل، قدم خبير استطلاعات الرأي العراقي منقذ داغر نتائج أحد استطلاعات الرأي التي تقضي بأنه ” من بين 120 سنيا شملهم الاستقصاء في الموصل، توجد نسبة 100% لا تريد أن يتم تحريرها على يد الميليشيات الشيعية أو الأكراد”.
وقال يوسف الكلابي، المتحدث الأمني باسم هيئة الحشد الشعبي، لمنظمة هيومن رايتس ووتش في أواخر شهر مارس في بغداد، إن هيئة الحشد الشعبي قد زادت من قدرتها على ضمان الامتثال للقوانين الحرب. وأضاف الكلابي أن الهيئة قد أنشأت لجنة للأمن والانضباط تحتوي على 20 محاميا يقدمون استشارات تدريبية على قوانين الحرب، و 100 عنصرا من ضباط الاتصال الذين يرافقون القوات في ساحة القتال.
بينما قال القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى، إنه قد أرسل مؤخرا القضاة للتعامل مع مسألة المعتقلين الذين تم القبض عليهم بعد حملة الجزيرة التي تمت في شهر مارس. وأضاف بيرقدار أن القضاء قد وجه باحتجاز أعضاء ينتمون للحشد الشعبي من أجل المساءلة بموجب القانون المدني، وتم توجيه الاتهامات والإدانات إلى 300 عنصرا يجري اعتقالهم حاليا في معتقل جديد في حي الكاظمية في بغداد. ولم يقدم بيرقدار أي تفاصيل عن التهم أو الإدانات. وقال الكلابي ان بعض المقاتلين بالحشد الشعبي قد تم إصدار أحكام بالسجن 10 و 20 عاما بحقهم، ولكنه لم يفصح عن الجرائم التي اتهموا بها.
ولا ينص القانون العراقي على أي أحكام محددة بشأن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية، وقد ناشدت منظمة هيومن رايتس ووتش رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي العمل على تصحيح ذلك في اجتماع عقد في أواخر شهر مارس. فقد غدت مسائلة المقاتلين بموجب قوانين الحرب أكثر أهمية بعد قرار رئيس الوزراء في 22 فبراير 2016 بتحويل الحشد الشعبي إلى مؤسسة عسكرية دائمة ذات رتب عسكرية تتبع مباشرة مكتب القائد العام وهو رئيس الوزراء.
وفي 26 مارس 2016، خاطب مسؤولون في حكومة إقليم كردستان منظمة هيومن رايتس ووتش بقولهم إن مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، قد أصدر القرار رقم 3 في شهر مارس لمقاتلي البيشمركة من أجل احترام مبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني. وينص هذا القرار على “وجوب حماية المدنيين في جميع الحالات الممكنة من أي تهديد على حياتهم وممتلكاتهم، بالإضافة إلى حماية مدنهم وقراهم التي تم تحريرها بواسطة قوات البيشمركة”.
وقال جو ستورك “التدريب على قوانين الحرب والأوامر الصادرة باحترامها هي خطوات إيجابية، ولكنها يجب أن تؤدي إلى التطبيق الفعلي خلال الصراع. وبالنظر إلى سجل الانتهاكات التي ترتكبها الجهات الفاعلة المسلحة من جميع الجهات، يجب على حلفاء العراق الدوليين ممارسة الضغط على الحكومة لضبط ومحاسبة المقاتلين والقادة الذين يخرقون قوانين الحرب”.
وتأتي استعدادات تحرير مدينة الموصل في إطار ما وصفه مسؤولون أمريكيون مؤخرا بأنه زخم متزايد في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. حيث يقولون إن الرئيس أوباما، الذي ردد مرارا أن هزيمة التنظيم تقع على رأس أولوياته، طلب “تسريع” الحملة المناهضة للدولة الإسلامية.
ومع ذلك، هناك عدد من التحديات التي تواجه الأطراف الفاعلة التي تعمل على تحرير المدينة. وأهم هذه التحديات هي التحديات المتعلقة بحكم مدينة الموصل بعد تحريرها، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، وكذلك الأزمة السياسية الملحة في بغداد؛ حيث يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عبثا أن يشكل حكومة جديدة دون جدوى. بالإضاف إلى الأزمة المالية التي تواجه إقليم كردستان، وهي منطقة حكم ذاتي، حيث لم يتقاض مقاتلو البشمركة الأكراد رواتبهم منذ ثلاثة أشهر. وقد ناشدت حكومة إقليم كردستان الولايات المتحدة من أجل الحصول على مساعدات مالية، والتي من دونها ربما لا يتأتى تعبئة القوات الكردية من أجل هجوم الموصل. وقد طلب الأكراد الحصول على مبلغ قيمته 200 مليون دولار في الشهر. بينما اقترح البنتاغون توفير 50 مليون دولار فقط على الرغم من أن البيت الأبيض لم يتخذ قراره بعد بتمويل الأكراد.
وفي حين قرر الرئيس باراك أوباما في 25 أبريل الجاري إرسال قوات عسكرية إضافية إلى سوريا، يتحدث البنتاجون الآن عن إنشاء المزيد من قواعد إطلاق النار على الطريق المؤدية إلى الموصل، وتقول المصادر إن المئات من عناصر قوات العمليات الخاصة وغيرها من القوات الأخرى قد يتم إرسالها إلى هناك عندما تبدأ الحملة. ويأمل القادة أن يتم استخدام الآلاف من رجال القبائل السنية الذين يتلقون تدريبات ليصبحوا قوات تأمين المدينة المحررة. ولكن هذا الأمر لازال يثير تساؤلا عما إذا كان سيتم السماح للميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران للانضمام إلى الهجوم أم لا، حيث يمارسون الضغوط للقيام بذلك. وإذا حدث ذلك، فإنهم قد ينهمكون في العنف الطائفي مع السكان السنة.
ويبقى التحدي الإجرائي الأهم لمعركة الموصل: كيف سيتم حماية المدنيين أثناء الهجوم من كلا الطرفين؟ إذ يسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى التترس بالمدنيين ضد هجمات القوات العراقية والميليشيات الشيعية والكردية، بينما تضمر تلك القوات حقدا طائفيا ضد سنّة الموصل وتتذرع بتنظيم الدولة الإسلامية لارتكاب مذابح طائفية كما فعلت من قبل.
المصادر (1، 2، 3)