حرية الإعلام.. ملفٌ يُزعج أردوغان

28 أبريل، 2016

يبدو أن علاقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالصحافة والإعلام متوترة، بشكل تُظهره مؤشرات عالمية وتقارير دولية، بل بعض التصريحات الحكومية، وسط أجواء يُخيم عليها مخاطر التفجيرات والعمليات المسلحة، ومخاوف «الانقلاب»، ما يُساعد على خلق مزيدٍ من الضغوط على الصحافيين.

عدد الانتهاكات ضد الإعلام في تركيا

«لا يوجد مكان في العالم يسمح بحرية الصحافة كتركيا. أنا واثق تمامًا من نفسي عندما أقول ذلك»، هكذا صرّح أردوغان، في يوم حرية الصحافة في تركيا. لكن هذا التصريح، وغيره مما يُعطي نفس المعنى، تظل محل تشكيك كبير من قبل صحافيين ومنظمات حقوقية دولية ومحلية، وعموم المعارضة التركية.

إذ يُشير سيزكان تانريكولو، العضو البارز في الحزب الجمهوري المعارض، إلى اعتقال 156 صحافيًّا في تركيا، خلال العام الماضي، بينما فقد 774 آخرين وظائفهم، بسبب مضايقات الحكومة. كما تُشير تقارير صحافية، إلى خضوع 200 صحافي، وسبع مؤسسات إعلامية، للتحقيق في تركيا، قبل الإفراج عنهم، فيما فُتحت ملفات قضائية ضد 238 صحافيًّا في المحاكم التركية. وتُفيد «بي بي سي» إلى رفع ألفي دعوى قضائية، ضد صحافيين وفنانين ومواطنين عاديين في تركيا، مُنذ انتخاب أردوغان رئيسًا في أغسطس (آب) 2014.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية، أطلقت يوم الأحد 24 أبريل (نيسان) 2016، سراح صحافية هولندية من أصول تركية، تُدعى «إيرو عمر»، بعد يوم من اعتقالها، على خلفية نشر تغريدات على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، انتقدت فيها أردوغان. ورغم الإفراج عنها، إلا أنّ السلطات التركية منعتها من السفر، حتى استكمال التحقيقات الخاصة بتغريداتها.

وكانت إيرو، التي تعمل في صحيفة مترو الهولندية، كتبت مقالًا بالصحيفة، تنتقد فيه أردوغان، بعد رسالة إلكترونية قالت إنها صدرت عن القنصلية التركية في هولندا. تُطالب بالإبلاغ عن «الإهانات» لأردوغان، التي ترد على مواقع التواصل الاجتماعي؛ مما أثار جدلًا واسعًا في تركيا، ما دفع القنصلية إلى التحدث على أن الرسالة بها «سوء تفاهم».

انتقادات دولية وتأخر تركي في مؤشر حرية الصحافة

وإضافة إلى الأرقام والإحصاءات سالفة الذكر، تقع تركيا في منازل متأخرة في بعض المؤشرات العالمية لحرية الصحافة، فوفقًا للمؤشر العالمي لحرية الصحافة 2016، الذي أصدرته مُنظمة «مراسلون بلا حدود»، في 20 أبريل (نيسان) الماضي، والذي يعتمد على عدة معايير، من أبرزها: تعددية الإعلام، وتنوعه، ومدى تمثيله للمجتمع، واستقلالية الإعلام، ومدى ابتعاده عن التأثير، سواء كان مصدر التأثير الحكومة أو المال وخلافه، وكذا بيئة العمل الإعلامي، والرقابة الذاتية، والإطار القانوني للأنشطة الإعلامية والمعلوماتية، وقياس الشفافية في المؤسسات، والإجراءات التي تؤثر في إنتاج الأخبار والمعلومات، و جودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات، و الانتهاكات والعنف ضد الصحافيين.

حلّت تركيا في مركز 151 من بين 180 دولة محل الدراسة بحصولها على 50.76 نقطة من 100 . وكلما زادت النقاط كلما كان ذلك مؤشرًا سلبيًّا على حرية الصحافة في الدولة محل الدراسة، وبذلك تراجعت تركيا مرتبتين عمّا كانت عليه في تصنيف 2015، إذ احتلت تركيا مركز 149 في تصنيف العام الماضي للمنظمة.

وعنونت المنظمة تقريرها عن تركيا بـ «أردوغان عدو الإعلام»، قائلةً إن أردوغان، «شرع في معاداة الإعلام، إذ يتعرض الصحافيون للمُضايقات، ويُتهم العديد منهم بـإهانة الرئيس، كما أن الإنترنت تحت المُراقبة المُنتظمة».

ولفتت المنظمة إلى أن السياق الإقليمي لتركيا، المُتمثل في الحرب السورية، والحرب التي تشنها قوات الأمن التركية، ضد الأكراد داخليًّا؛ أدت إلى تفاقم الضغوط على الإعلام، الذي يُتهم أحيانًا بـ«الإرهاب»، لافتةً إلى أنّه مع ذلك «لا يزال الإعلام والمجتمع المدني يقاومان الاستبداد المُتنامي لأردوغان»، على حد تعبيرها.

وفي سياق متصل، كانت حالة الإعلام في تركيا، تحت فئة «غير الحر»، وفقًا للتصنيف الأحدث لمنظمة فريدوم هاوس الأمريكية لعام 2016، والذي يضع دول العالم محل الدراسة، تحت ثلاثة تصنيفات للحرية وهي: حرة، أو حرة جزئيًّا، أو غير حرة.

ووقعت الحالة العامة للحرية في تركيا تحت فئة «الحرة جُزئيًّا»، لكن حالة حرية الإعلام تحديدًا كانت تحت فئة «غير الحرة»، في الوقت الذي كانت فيه حالة حرية الإنترنت تحت فئة «الحرة جزئيًّا». وحصلت تركيا على 53 نقطة من 100، والنقاط كلما قلّت دلّ ذلك على تدهور وضع الحرية في الدولة محل الدراسة.

من جانبها أفادت منظمة العفو الدولية، في تقريرها الحقوقي لعام 2015- 2016، بأن وسائل الإعلام التركية، واجهت ما وصفتها المنظمة بـ«الضغوط غير المسبوقة» من الحكومة، و«عانت حرية التعبير على شبكة الإنترنت وفي الفضاء الإعلامي والصحفي بصورة كبيرة»، على حد تعبير المُنظمة، التي لفتت إلى تدهور مستوى الاحترام لحرية التعبير، باستهداف ناشطين سياسيين وصحفيين وآخرين ممن انتقدوا موظفين عموميين أو سياسات الحكومة بعمليات مقاضاة جنائية وصفتها بالـ«جائرة»، بموجب قانوني التشهير الجنائي، ومكافحة الإرهاب.

وذكرت المنظمة أن عددًا من الصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية -معظمها كُردية- تعرضت لضغوط كبيرة، وصلت للحجب. كما أن الصحافيين المُنتقدين للحكومة، تعرضوا لتهديدات واعتداءات بدنية، وطَرد من العمل، بعد انتقادهم للحكومة.

كما لفتت إلى المادة 299 من قانون العقوبات، والتي أدت بعقد 105 عمليات مُقاضاة جنائية، بتهمة إهانة الرئيس قبل ستة أشهر من مارس (آذار) 2015، مُشيرة إلى أن العقوبات بموجب تلك المادة، قد تصل إلى السجن أربع سنوات. وتحدثت المنظمة عن تعرض طفل عمره 17 عامًا لحكم «غير نافذ» بالسجن 11 شهرًا، و20 يومًا لـ«إهانة الرئيس»، بعد وصفه لأردوغان بـ«اللص المالك للقصر خارج القانون».

أردوغان يغضب من انتقادات أصدقائه

لم تتوقف انتقادات أردوغان على وضع حرية الصحافة في تركيا على معارضيه والمنظمات الدولية فقط، وإنما امتد ليشمل حلفاء إستراتيجيين لتركيا، ما أغضب أردوغان وأزعجه.

ففي مطلع أبريل (نيسان) الجاري، انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ما أسمّاه «المسار المُقلق»، التي تسلكه تركيا بشأن حرية الصحافة. وجاءت تصريحات أوباما عقب أيام قليلة من لقائه بأردوغان، وهو ما أزعج الأخير وأحزنه لأن التصريحات صدرت في غيابه على حد تعبير أردوغان، الذي أكد كفالة بلاده لحرية الصحافة. وقال أردوغان إن «صحفًا تركية تصفني باللص والقاتل، ولم تُغلق». مُضيفًا: «لو كانت تركيا ديكتاتورية فكيف لهذه الصحف أن تبقى؟ فمثل هذه الإهانات والشتائم غير مسموح بها حتى في الغرب».

وفي الرابع من أبريل (نيسان) الجاري، رفض أردوغان «تلقي دروس ديمقراطية من الغرب»، داعيًا إياهم بالنظر إلى عيوبهم. ولفت إلى سجن شخص ثلاث سنوات في أمريكا؛ لإهانة أوباما، وسجن آخر سنتين في ألمانيا لإهانة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مؤكدًا أن «هذا لا علاقة له بحرية الرأي أو الصحافة».

من أنتم؟ ما العمل الذي تقومون به؟ ليست دولتكم، إنها تركيا.

هكذا انتقد أردوغان، في 26 مارس (آذار) الماضي، حضور مبعوثين دبلوماسيين من بينهم القنصل البريطاني في أنقرة، جلسة محاكمة صحافيين من جريدة جمهوريت المعارضة، وهما جان دوندار رئيس تحرير الصحيفة، وأردم جول مراسل الصحيفة، مُتهمان بالتجسس، ودعم منظمات «إرهابية»، بعد نشرهما تقريرًا في مايو (أيار) الماضي، حول شحنات أسلحة مزعومة، مُرسلة من تركيا إلى المتمردين السوريين، ومن بينهم جماعات توصف بـ«المتطرفة».

وأكد أردوغان، أن الصحافيين لن «يفلتا من العقاب». وبعد اعتقالهما مُنذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، قررت المحكمة الدستورية التركية الإفراج عنهما، وهو ما انتقده أردوغان قائلًا إن المحكمة «خانت» الدستور.

سياق الضغوط على الإعلام التُركي

هناك العديد من العوامل التي تُزيد من الضغوط ضد الصحافيين الأتراك والإعلام التُركي بشكلٍ عام، مع الوضع في الاعتبار العلاقة الجدلية بين الأمن والحرية، أحد أبرز تلك العوامل، هو التاريخ التركي المليء بالانقلابات العسكرية، الذي يبدو أنه ما يزال يُقلق الحكومة التركية، من أن يُعاد إنتاجه مرة أُخرى، لذا يُستخدم عادةً كمبرر لاتخاذ إجراءات قاسية ضد الإعلام.

العامل الثاني، هو أن تُركيا هي أكبر البلاد تأثرًا بالحرب السورية الدائرة، مُنذ أكثر من خمسة أعوام. إذ استقبلت تُركيا مُنذ بدء الحرب حوالي 2.75 مليون لاجئ سوري وفقًا لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وهي أكبر دولة في العالم تستقبل لاجئين سوريين. ما يُزيد من الأعباء على كاهل الحكومة.

ويؤثر العامل الثاني، على العامل الثالث المتمثل في مخاطر الإرهاب؛ فتركيا تُواجه أمنيًّا ميليشيا «بي كاكا»، التابعة لحزب العمال الكردستاني. وتتهم السلطات التركية وحدات حماية الشعب الكُردية، التي تسيطر على مناطق واسعة شمال شرق سوريا على الحدود التركية السورية، بدعم حزب العمال الكردستاني في تركيا، والمصنف في التنظيمات الإرهابية على عدة قوائم دولية.

وقد تورطت العديد من الجماعات المسلحة، في عدد من العمليات التي تصفها الحكومة التركية بـ«الإرهابية»؛ ففي مارس (آذار)، قُتل مدعي إسطنبول العام، محمد سليم كيراز، عقب اختطافه من قبل الجماعة المسلحة، «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري».

وخلال الأشهر الماضية، ضربت تركيا عددًا من العمليات الدموية، التي تسبب فيها بشكل أساسي، كل من حزب العمل الكردستاني، وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش».