لماذا الفيسبوك يُخيف الإعلام والحكومة الأمريكية؟


ذي آتلانتك –  

قدرات الفيسبوك لا سابق لها، ولكن المراقبة العامة عليه ستكون هي الأخرى غير مسبوقة.

في مؤتمر 27 نيسان/ أبريل تعالت أصوات منادية بمناقشة النتائج المبهرة التي حققها الفايسبوك في الربع الأول من هذه السنة، فقد أعلن مارك زوكربيرغ عن بلوغ شركته أعلى المستويات منذ انطلاقها، حيث نمت إيرادات الشركة بنسبة 50 بالمائة منذ دخول سنة 2015.

كما أعلنت الشركة نيتها العمل على تكنولوجيا المستقبل والواقع الافتراضي، وأعلنت أن معدل مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي يستهلكون قرابة 50 دقيقة كل يوم أمام صفحاته أو مختلف البرمجيات التابعة له مثل إسنتغرام ومسنجر.

هذا يعني أن كل يوم أكثر من مليار شخص، أكثر من 170 مليون فقط هم من الولايات المتحدة الامريكية وكندا، يقضون قرابة الساعة في نفس الموقع. كتب جايمس ستيوارت في صحيفة نيويورك تايمز أن أكثر الناس يقضون قرابة 19 دقيقة في المطالعة و17 دقيقة في ممارسة الرياضة،  وأربع دقائق فقط في الأنشطة الاجتماعية. الخلاصة: الفايسبوك يسيطر على الناس، إنه مرعب.

بعد أسبوعين، ويوم الاثنين صرّح موظفون سابقون، لهم قيمتهم؛ فهم من يحددون توجه قسم الأخبار، على المدونة غزمودو، في شركة الفايسبوك، أن إدارتهم طلبت منهم مراقبة التقارير التي تذم الجمهوريين ورفض الأخبار من وسائل إعلام الديمقراطيين مثل “راد تايت دوت كوم”.

عبّر العديد، أغلبهم من الصحفيين، عن خوفهم من تنامي تأثير الفايسبوك على الناس، حيث كتب روس دوذات “تنبع السياسة من الثقافة وتنبع الثقافة من مارك زوكربيرغ”، بالاختصار فإن الفايسبوك يهيمن ويخيف الناس.

بعد هاتين القصتين عن الفايسبوك؛ إيراداته الخيالية والتهم الموجهة له، هما فقط جزء من قصة طويلة، فالمؤسسة تهيمن على جزء هام من إيرادات سوق خدمات الهواتف النقالة، فمن المتوقع أنه يسيطر على 30 بالمائة من مجمل العروض الإعلانية في العالم السنة الماضية. بمشاركة “غوغل” و”علي بابا”؛ ثلاث شركات مهيمنة على سوق الإعلانات التجارية. وحتى قبل صعود الفايسبوك للقمة فإن إيرادات الإعلانات على الصحف تراجعت بنسبة 70 بالمائة بين سنتي 2000 و2014.

الفايسبوك هو شركة إعلامية، ولكن قبل هذا، فهو وسيلة وجزء مهم في بناء هيكلية المعلومة من بين مئات الناشرين وشركات الإعلام، يعتمد على الوصول إلى الجمهور. فيمكن لقناة تلفزيونية مثل “آم آس آن بي سي” توجيه النقد المباشر للجمهوريين بزعم تحاملهم على الديمقراطيين. ولكن، لأن الفايسبوك ليس بقناة تلفزيونية، فهو شيء لم نعهده سابقا، باعتبار أنه قوة خارقة قادرة على تغيير المستقبل.

إذا نظرنا إلى الخمسين دقيقة التي يقضيها المستخدمون أمام الفايسبوك من وجهة نظر تاريخية. قبل سنوات من الآن، نشرت ماك كينسي، شركة استشارات، تقريرا حول تقديراته للمدة الزمنية التي يقضيها الشخص أمام رسائل وسائل الإعلام، منذ بداية القرن العشرين. في سنة 1900 كانت الرسائل تنبع من عدد قليل من القنوات. ورغم مطالعة الناس في ذلك الوقت للمجلات والصحف إلا أن معظم الاتصالات كانت وجها لوجه.

ولكن في القرن الموالي أسر الراديو والتلفاز أفراد العائلة وملئ مكاتبهم، وهواتفهم. لفهم قوة الفايسبوك، الجدل التاريخي الذي أثاره، فهو ليس مجرد قناة تلفزيونية مثل دابليو آن واي سي أو آن بي سي بل، على الأصح، هو منصة تقنية كاملة، مثل الراديو والتلفاز، الذي يبث عديد القنوات.

الراديو، هذا الجهاز الذي دخل أكثر من 50 بالمائة من منازل أوائل سنة 1930، في البداية كان منافسا للإعلام المكتوب الذي أعد خصيصا لنشر القصص والأخبار. ولكن كان له دور أكثر أهمية من الجانب الثقافي وهو نشر الموسيقى الشعبية. عندما أصبح التلفاز أكثر قبولا بين الجماهير في الخمسينات اتخذ نفس التوجه الذي اتخذه الراديو.

كان التلفاز بمثابة الراديو الجديد، وأخذ مكانه في غرفة المعيشة. ولكن الثورة الثقافية التي جاء بها التلفاز ليس بأخذ مكان الراديو ولكن لأخذ مكان الأفلام؛ صاحبة الريادة في العالم وقتها. أصبح التلفاز بين سنتي 1950 و2000 الصناعة التي بلغت إيراداتها 100 مليار دولار وتراجعت مبيعات تذاكر السينما إلى 4 أمريكيين من بين 25 يشترون تذكرة فيلم لقاعة سينما.

لم يكن الراديو فقط لبث الأخبار المحلية، ولكنه كان أيضا ذاكرة صوتية قومية. وكان التلفاز مجرد راديو بصورة، ويوضع في غرفة المعيشة. كان من الصعب رؤية الفوارق في فجر النهضة التكنولوجية؛ لأنه لا مفر من النتائج، ولكن لتداخله في فوضى من المتداخلين من رجال الأعمال والمستهلكين.

يمثل نمو الإمبراطورية الرقمية انتقال جذري أكثر من الذي قام به الراديو والتلفاز. بالعودة للقرن العشرين يمكن تقسيم الاتصالات التكنولوجية إلى نوعين: الاجتماعي التفاعلي والإذاعي: التحدث عملية اجتماعية والراديو عملية بث إذاعي.

ينتمي الهاتف أيضا إلى النوع الاجتماعي، والتلفاز إذاعي. تداخل هذين النوعين فأصبحت العائلات تستمع إلى الراديو وترقص على موسيقى الروك أند رول مع الأصدقاء في قاعات الجامعات. ولكنهما لم يتداخلا كليا.

انطلاقة الفايسبوك كانت مع تكنولوجية القرن العشرين، لأنه منصة تواصل اجتماعي وإذاعي في نفس الوقت؛ شبكة من الهواتف العصرية والتلفزيونية؛ نظام رسائل وصحافة عالمية. بأكثر من 100 مليون ساعة من مشاهدة مقاطع الفيديو اليومية، ملايين الدولارات لشركات الإعلام لصناعتها البث المباشر وحتى لبرامج الفيديو الصباحية. لم يعد الفايسبوك مجرد قناة واحدة بل باقة من القنوات أو “كومكاست”: شركة من البث الإعلامي الشامل بحصة ضخمة في السوق.

كلمة “كومكاست” لا تكفي لتعبر عن منصة الفايسبوك؛ فالمحطات التلفزيونية تفرض مبالغ على المشاركين لمشاهدتها، شركات وسائل التواصل الاجتماعي تفرض إعلانات عشوائية على المستخدمين، ولكنها عبارة تكفي لفهم ثقافة الشك حيال الفايسبوك من بين باقي وسائل الإعلام.

يجبر “كومكاست” قانونيا على نشر الأخبار والمعلومات من مختلف المصادر، بما فيها المحطات المحلية. يمكن لمحطة فوكس نيوز أن تقول ما تشاء حول الرئيس ولكن الكومكاست لا يمكنه التآمر ضد آي بي سي حتى يبث نفس الأجندة. لأنه لا يمكن له العمل على نفس المنصة الحزبية، بشكل صريح، على موجات الأثير العامة.

خلال هذا المساء، قام السناتور جون تون ولجنة التجارة في مجلس الشيوخ بفتح تحقيق حول سياسة نشر الأخبار في الفايسبوك. وتعد صلاحيات مجلس الشيوخ في هذا المجال محل جدال، إلا أن إصراره على الدخول في المواجهة مع الفايسبوك بتهمة حذف أخبار متعلقة بالمحافظين يشير إلى أن واشنطن تساوي تأثير الفايسبوك بتأثير أي قناة فضائية أخرى.

وتقوم خوارزميات الفايسبوك بتوجيه أخبار المحافظين نحو المستخدمين المنتمين لهذا التيار، وهذا يعكس رغبة المستخدمين ويندرج ضمن خيارات الفايسبوك المتعلقة بمنح الناس ما يريدون، ولا يعتقد أن هذا الأمر يعود لقرار اتخذ من قبل قيادة هذا الموقع؛ الذي يعد أقوى ناشر للأخبار في العالم من أجل معاقبة بعض المستخدمين على خلفية أرائهم في ما يتعلق بالضرائب والعدالة الاجتماعية التي لا تتفق مع رأي الموقع.

سبب التطرق لهذه المسألة في الوقت الحاضر هو أن تأثير الفايسبوك على الإعلام لم يصل بعد إلى ذروته. فإذا كانت هنالك شركة تستطيع ربط كل الأشخاص في هذا العالم ببعضهم حول حدث مرئي ومسموع وقع في الماضي أو في الحاضر فهذا يعني أنها قادرة على التفوق على أي منصة إعلامية أخرى. من النصوص والتسجيلات الصوتية إلى الصور الحية التي يتم تشاركها اجتماعيا بين الأفراد (رسائل قصيرة، مكالمات هاتفية، رسائل إلكترونية) أو تلك التي تبثها المؤسسات الإعلامية (مثل الأخبار، الكتب، الراديو، الموسيقى، التلفزيون، الأفلام وألعاب الفيديو). وبهذا فإن الفايسبوك يلخص تاريخ الإعلام، هذا يعني أن الفايسبوك يختزل الكم الهائل من وسائل الإعلام.

هنالك الكثير من التنافس حول الفايسبوك أو أي شبكة منافسة أخرى قد تحتل مكانه من أجل الاستحواذ على ذلك الكم الهائل من وسائل الإعلام، ولكن المستقبل المنظور في عالم الإعلام الرقمي الذي يقاس بنسب الاهتمام وعائدات الدعاية مرتبط بالفايسبوك.

فعندما تكون هنالك شبكة إعلامية رقمية تضم مليار شخص مرتبطين بشركات الترفيه ونشريات الأخبار والعلامات التجارية فإن هذه الشبكة لا يمكن مقارنتها تاريخيا بالتلفزيون أو الهاتف أو الراديو أو الصحف، ليس هنالك مثيل في التاريخ، حيث أن قوة الفايسبوك تعد غير مسبوقة. ولهذا يجب أن لا يتفاجئ القائمون عليه بتعرضهم للنقد اللاذع.