بول سوندرز يكتب: هل يستطيع الأكراد الاعتماد على روسيا؟


 بول سوندرز

قدّمت موسكو دعماً متقطعاً لكردستان المستقلة، حتى إنها أسست “كردستان الحمراء” التي لم تدم طويلاً داخل الاتحاد السوفياتي، فضلاً عن الجمهورية الكردية في شمال إيران في مرحلة لاحقة، ولكن من السهل ألا نلاحظ التزام موسكو الخجول إلى حد ما بدعم الأكراد في الروايات المفصلة عن التفاعل بينهما طوال مئات السنين، فلم تبرهن موسكو بعد عن الاهتمام أو العزم المستدامين الضروريين لتحقيق نتائج طويلة الأمد.
يعود ذلك إلى سبب وجيه. صحيح أن لعلاقة روسيا بالأكراد، سواء في سورية أو العراق أو أي منطقة أخرى، دوافع استراتيجية (واسعة وطويلة الأمد) وتكتيكية (ضيقة وفورية)، غير أن موسكو تملك عدداً من الغايات المتنافسة، فمن الناحية الاستراتيجية، تشكّل أقلية موزعة على عدد من الدول الإقليمية المهمة مصدر نفوذ بارزاً في التعاون مع بعضها وموازنة بعضها الآخر. على سبيل المثال وضع أسلوب موسكو في تطبيق سياسات الدولة العظمى على مدى مئات السنين تركيا غالباً في فئة “الموازنة”، وكان رجب طيب أردوغان يسير نحو التحوّل إلى شريك روسي بالغ الأهمية، إلى أن قرر أنه يفضل إسقاط طائرة حربية روسية في شهر نوفمبر.
هنا يمتزج الاستراتيجي مع التكتيكي، فكما ذكر المحلل الروسي البارز فيودور لوكيانوف، شجّع “الصراع الحاد مع تركيا الذي اندلع في شهر نوفمبر” موسكو على تطبيق منطق “عدو عدوي” التقليدي، كذلك أكّد لوكيانوف أن روسيا تهدف “إلى تذكير أنقرة بأن موسكو تستطيع استخدام هذه الأداة [دعم طموحات الأكراد]، وخصوصاً إن حاولت تركيا استغلال تأثيرها السلبي داخل روسيا”، مضيفاً أن شبه جزيرة القرم يشكّل الجزء الأضعف.
في الوقت عينه تملك روسيا بالتأكيد أهدافاً استراتيجية وتكتيكية داخل سورية، وهنا يبدو دعم موسكو التكتيكي لأكراد عفرين سريع الزوال لأن أهداف الأكراد السياسية (استقلال ذاتي أكبر داخل سورية بعد انتهاء الصراع) لا تنسجم تماماً مع هدف روسيا الاستراتيجي: تمكين حكومة مركزية قوية في دمشق كي تحفظ النظام الداخلي وتضمن ألا تصدّر سورية العنف المتطرف بعد الحرب.
على نحو مماثل لن ترغب موسكو في مضاعفة عدم الاستقرار في العراق (أو إثارة استياء الحكومة في بغداد التي تسعى لاسترضائها بدأب) بغية الترويج لقضية الأكراد في دولة مجاورة، وإذا وضعنا تصريحات القادة الأكراد العراقيين المتفائلة جانباً، نرى أن مدّ روسيا الأكراد بالسلاح بغية محاربة قوات “داعش”، التي تهدد استمرار العراق، يبقى بعيداً كل البعد عن أن يُعتبر دعماً لجهود الأكراد الرامية إلى تقويض الحكومة المركزية في العراق أو حتى تقسيم البلد، وخصوصاً عندما تكتسب روسيا نفوذاً سياسياً جديداً هناك.
علاوة على ذلك، لا تملك روسيا على الأمد الطويل حوافز استراتيجية تدفعها إلى تحقيق ما يرغب فيه الكثير من الأكراد حقاً: دولتهم الخاصة. قد يبدو في الظاهر أن دور روسيا البارز في تأسيس دولة كردية مستقلة وصديقة يمنح موسكو حليفاً جديداً في الشرق الأوسط وأداة نفوذ إضافية، ولكن من المؤسف أن هذا لن ينجح عملياً على الأرجح، وذلك لأسباب عدة.
أولاً، ستعارض الدول، التي يُفترض بها التخلي عن الأراضي بغية تأسيس دولة كردية، هذه الفكرة بقوة، ولا تستطيع روسيا وحدها قيادة الجهود الدبلوماسية الناجحة الضرورية لإنشاء دولة مماثلة. ثانياً، حتى لو نجحت هذه الجهود، ستصبح البلدان التي تتخلى عن الأراضي دولاً معادية لموسكو بشدة لفترة من الوقت، إن نظمت عملية تأسيس دولة كردستان الجديدة.
ثالثاً وأخيراً ستبرهن مبادرة روسية ناجحة مماثلة على الأرجح واقع الحياة السياسية القاسي: يكون الحلفاء أكثر امتناناً للخدمات المستقبلية، مقارنة بالهبات السابقة التي قدمتها لهم، ومن المؤكد أن الدولة الكردية الجديدة ستحتاج إلى دعم مالي أكبر مما تستطيع روسيا تأمينه، لذلك قد تعثر بسرعة على أصدقاء جدد أكثر غنى.
لا شك أن بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف يتمتعان بالذكاء الكافي ليدركا كل هذه التفاصيل، ونتيجة لذلك سيكون دعم روسيا أكراد عفرين في سورية قصير الأمد ولغاية محددة، لا طويل الأمد وبدون أي غايات، ولكن طالما أن أكراد عفرين يحصلون على مرادهم من روسيا في المستقبل القريب ويبنون توقعات منطقية، فسيرضيهم ترتيب مماثل، إلا أن من الخطأ الاعتقاد أن موسكو لن تتخلى عنهم بالسرعة عينها مثل واشنطن، إن استدعت مصالح أخرى ذلك.

المصدر: الجريدة

بول سوندرز يكتب: هل يستطيع الأكراد الاعتماد على روسيا؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا