مائة عام على سايكس ـ بيكو ومازالت مفاعيلها ترسم مستقبل المنطقة

16 أيار (مايو - ماي)، 2016
6 minutes

رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

توصلت بريطانيا وفرنسا أثناء الحرب العالميّة الأولى، إلى اتفاق لتقاسم أراضي الإمبراطورية العثمانية المتهالكة. وفي إبريل/ نيسان 1916م وقّع مارك سايكس ممثلاً عن بريطانيا، وجورج بيكو ممثلاً عن فرنسا الاتفاقية الشهيرة التي عُرفت باسميهما. وفي مايو/أيار 1916م وقّعت عليها إيطاليا وروسيا.

مائة عام مرت على توقيع الاتفاقية التي قسمت البلاد العربية بين فرنسا وبريطانيا، بموافقة إيطاليا وروسيا بعد ضمان مصالحهما في مناطق أخرى.

لم تكن خرائط سايكس بيكو وليدة الحرب العالميّة الأولى ونتائجها، فالمرحلة الاستعماريّة التي سبقت هذه الاتفاقيّة، كانت قد بدأت منذ القرن الثامن عشر، وتوصلت الدول الاستعمارية لخريطة تبيّن النظرة المتفحّصة لها أنّها قسّمت البلاد العربية بموجب معلومات متراكمة لدى فرنسا وبريطانيا، على أساس الثروات الاقتصادية والطبيعية أوّلاً، ومن ثمّ على أساس التركيبة السكانيّة دينيّاً وإثنيّاً.

وببساطة  قال “جورج كليمنصو” رئيس وزراء فرنسا آنذاك مخاطباً رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد لويد جورج” وهما يتمشيان في السفارة الفرنسية بلندن: “قل لي ماذا تريد؟”. فرد “جورج”: “أريد الموصل”. وكان جواب “كليمنصو”: “هي لك. أي شيء آخر؟”!

وهكذا أصبحت محافظة الموصل العثمانية، والتي كانت تضم العرب والأكراد والكثير من النفط، جزءاً من دولة العراق، لا جزءاً من سورية.

هل انتهت مدة الاتفاقية؟

في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة كثرت التحليلات التي تتناول وضع المنطقة مستقبلاً، وانتشر بين العامة أن اتفاقية سايكس بيكو التي مر عليها مائة عام قد انتهت مدتها، وهناك اتفاقيات جديدة ستظهر مع الأيام.

وكتب “فولكر بيرتيس” مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين، تحليلاً قبل أشهر، بعنوان: “نهاية الشرق الأوسط الذي نعرفه”، تحدث فيه  أنَّ ما يحدث حالياً في المنطقة ليس سوى “بداية لمرحلة من الاضطراب”.

وبرأي “فولكر” فإن “مجمل الدول والأنظمة التي أنشأتها القوى الغربيَّة في النصف الأول من القرن العشرين بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي تقف على حافة الهاوية”.

ويقول: “يتزايد عدد الناس الذين يرون أنَّ النظام القديم كان سيئاً، إلا أنَّ البديل لنظامٍ سيء ليس نظاماً أفضل بالضرورة، بل من المحتمل ألاَّ يكون هناك نظامٌ نهائياً”. فهو يتوقع أن تقع المنطقة في حالة من الفوضى والاضطراب قد لا تنتهي خلال وقت قصير.

أما “فالي نصر”، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية، ومستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، فيرى أن “الحدود الإقليمية المرسومة ليست وحدها المشكلة، إنها أنظمة الحكم التي رسختها أوروبا، فاعتمدت قوى الاستعمار على الاٌقليات في إدارة تلك الدول، فقامت بتثقيفهم وتعليمهم وتوسيع صلاحياتهم، وعندما غادرت تركت مقاليد الحكم بيدهم”.

ويضيف في تصرح نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” في إبريل/ نيسان 2015: “موازين القوى ليست متكافئة في العراق وسورية وفي العديد من بلدان المنطقة، ولا توجد معادلة واضحة لتعديل هذا الوضع، فالمنتصرون لا يريدون مشاركة أحد، والخاسرون لا يريدون التخلي عن السلطة، يمر الشرق الأوسط بفترة من الاضطراب الكبير، وسينتهي ذلك بتكون شرق أوسط بتركيبة سياسية جديدة وحدود إقليمية مختلفة”.

من جهته يعتقد “غريغوري غوس”، وهو زميل أول غير مقيم سابق لدى مركز “بروكنجز الدوحة”: أن لا أحد من الذين ساهموا في سايكس بيكو القديمة يرغب في رسم حدود المنطقة من جديد، ويقول: “قد تشهد الدول هذه تفككاً داخلياً. وقد تنشأ سلطات أمر واقع حاكمة. ولكن لا يبدو أن رياح التغيير ستطال الحدود الدولية بحدّ ذاتها”.

ويضيف مستبعداً فكرة التقسيم الجديد: “يشهد كل عمل في الشرق الأوسط تصاعداً هاماً، مع خوض مختلف الجماعات المحلية والإقليمية معارك من أجل السيطرة على هذه الدول ومع تقديم القوى الإقليمية المساعدة لحلفائها في هذه المعارك. ولكن يبدو أن هذه المعارك ستستمر، على الأقل رسمياً ومن حيث القانون الدولي، ضمن الحدود التي رسمها الفرنسيون والبريطانيون منذ نحو مئة عام”.

تقسيم جديد

يرى “ستيفن هادلي”، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس “جورج دبليو بوش”، أنه “من الصعب التوافق على مواثيق اجتماعية جديدة للدول بحدودها الحالية، ولا يتوقع أن يتم التوافق على ميثاق اجتماعي جديد إلا بعد أن يتعب أهل هذه الدول من الحروب التي لا تنتهي”.

لكن هناك تصريحات من قادة قوميين كمسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، الذي صرح في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، بأنه يجب إعادة ترسيم الحدود.

ودعا بارزاني حينها، زعماء العالم للاعتراف بإخفاق اتفاقية “سايكس- بيكو” لعام 1916، التي رسمت الحدود الحالية للشرق الأوسط. كما دعا إلى التوصل لاتفاق جديد يمهد الطريق لقيام دولة كردية.

وجاء تصريح “جون كيري” أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في فبراير/ شباط الماضي والتي قال فيه إنه في حال فشل كل من “اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة، فإننا قد نتخذ موقفاً أكثر شراسة بما فيها تقسيم سورية”، ليسلط الضوء على مشاريع تقسيم جديدة تُرسم في الخفاء.

لا أحد يستعبد أي خيار في المنطقة، وخصوصاً مع تعقد الاحتمالات وتداخل المصالح الإقليمية، لكن الشعوب التي تجرعت مرارة الاستعمار الأوروبي، ومن بعده مرارة الاستبداد على يد أعوان الاستعمار من الحكام الذين حكموا تلك الشعوب بالحديد والنار، ربما يكون لهم رأي آخر، يغير جميع تلك الاحتمالات والصفقات.