سورية و تناقض التناقض بقلم محمد عبد الوهاب جسري
18 أيار (مايو - ماي)، 2016
يكاد لا يخلو عقل إنسان سوري طبيعي من تساؤل ينخر في رأسه ليل نهار، لماذا ؟ و لماذا سورية ؟ و ماذا بعد ؟
ثم يـُـقـنع نفسه بإجابة مخدرة، هذه هي، هذا هو السبب، فيهدأ النخر قليلاً، إلى أن يخف تأثير المخدر فيعود النخر من جديد، و مما لا شك فيه أن الإجابة المخدرة تعتمد على المشاهدرات اليومية لكل فرد و تتأثر بالوسط الذي يعيش فيه إضافة إلى الأخبار التي يسمعها كل يوم.
إلا أن هناك حقائق عن سورية التي تحترق الآن على أيدي أناس هم اعترفوا بأنفسهم في مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، حقائق لا يمكن تغييبها عند دراسة المشهد السوري قبل و أثناء المحرقة، حقائق يجب الوقوف عليها بغية محاولة استشراق المستقبل.
لقد جمعت سورية جميع تناقضات الدنيا، فقد رأيت فيها أناساً في أعلى درجات الرقي الإنساني و أناساً في أدنى درجات الإنحطاط. و قد رأيت فيها أناساً في قمة الإحساس الوطني، و أناساً في حضيض الشعور بالوطنية أو انعدامها.
ماذا تقول عن ذاك الذي يعرض حياته لشتى المخاطر من أجل إنقاذ حياة إنسان لا يعرفه، و ذاك الذي يرشد عناصر الأمن عن مكان اختباء أحد أقاربه؟!!!…..
ماذا تقول عن عائلة من أربعة أشخاص تقطن في شقة تتجاوز مساحتها ثلاثمائة متر مربع، و أخرى تقارب العشرة أشخاص تقطن في مسكن ضيق لا يناسب عيش البشر؟!!!…
ماذا تقول عن فتى مصروفه اليومي يتجاوز الدخل الشهري لأسرة كاملة؟
جمعت سورية أناساً في ذروة العلم و الثقافة، و أناساً في قعر الجهل و التخلف.
جمعت سورية أناساً في قمة الفهم للدين باعتباره منهجاً لحياة راقية و أناساً لا يتجاوز الدين عندهم غير لحية يطلقها و زوجة يفرض عليها الخروج كالشبح المظلم.
جمعت سورية أناساً في ذروة الإيمان و آخرين في ذروة الكفر.
جمعت سورية أناساً في قمة البذل و العطاء و التضحية و آخرين في قمة الجشع و الإستغلال.
جمعت سورية أناساً لم يسكتوا عن الظلم و آخرين يناصرون الظالم بل و يمجدونه.
أين تجد جميع هذه المتناقضات ؟ أين تجد أناساً يقفون على أبواب المحاكم مهنتهم التي يمتهنونها و يقتاتون منها هي شهادة الزرو على علم القاضي و المحامي معاً ؟
أين تجد المسؤول الذي استشرى فساده و ظهرت فضيحته ثم يتم ترقيته و تسليمه منصباً أعلى في مكان آخر ؟!!!
جمعت سورية فساد القضاء و فساد التعليم و فساد التربية، فطغت الرذيلة على الفضيلة، و استشرى الفساد المالي و الإداري. جمعت سورية المسلم الذي يحب و يحترم أخاه المسيحي، و المسيحي الذي يحن على أخيه المسلم، و جمعت أناساً طائفيون بغيضون يقتلون الطفل بذنب انتمائه الديني و المذهبي.
إن نظرة بسيطة على هكذا دولة تجعلك توقن أنها دولة غير قابلة للاستمرار إلا ضمن نظام حكم القانون لا حكم القوة الأمنية القمعية، نظام يحقق العدالة الاجتماعية و يتساوى فيه الناس “مواطنين و مسؤولين” أمام القضاء الذي يجب أن يكون مستقلاً و نزيهاً، و تتساوى فيه الفرص اعتمادا على الكفاءات لا على المحسوبيات، غير ذلك، فانهيار تلك الدولة أمر منطقي، بل و حتمي.
و من سوء حظ السوريين أن العوامل الخارجية كانت دوماً ضدهم، ما جعل ذلك الإنهيار يأخذ أعلى درجات الحدة و أضخم أحجام الكارثة البشرية، ليكون على عاتق من سيتبقى منهم أن يحملوا إرثاً ثقيلاً من المعاناة أثناء إعادة بناء دولتهم من جديد.